احدث الاخبار

ما بين أوباما و لبيبة

ما بين أوباما و لبيبة
اخبار السعيدة - بقلم : محمد سنجر         التاريخ : 06-06-2009

 رأيتها تجلس على الرصيف ، كما هي لم تتغير ، ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ، شعرها الطويل الأشعث الذي يغطي وجهها ، تمسك لقيمة خبز تكالب عليها الذباب من كل حدب و صوب ، رائحتها الزاكمة للأنوف لم تتغير ، انزويت بسيارتي جانبا ، أخذت أنظر إليها ، (لبيبة الهابلة) ؟ عبرت أفق خيالي حكايات جدتي عنها ، قالت أنها كانت و كانت و كانت ، فجأة ، شق فضاء الصمت من حولي صرخة عالية ، نبهت فلبي من غفوته ، أعادتني عنوة إلى ( لبيبة ) ، نظرت إليها فإذا بجنود الأمن المركزي يلتفون حولها ، يجذبونها من ملابسها البالية ، فتحت باب سياراتي و نزلت أجري إليها ، أحاول أن أمنعهم من إيذائها ) صرخت :
ـ حصل إيه ؟ بتعملوا فيها كده ليه ؟
( عندها جذبني أحدهم من قميصي فألقاني فوقها ، وجدتني أحاول أخذ و لو فرصة واحدة فقط لالتقاط أنفاسي ما بين هذا الكم الهائل من الركلات و اللكمات المتبل بخليط من السب و القذف ، لم أتبين للحظات أطرافي من أطراف (لبيبة الهابلة) ، فجأة توقف كل شيء ، نظرت إلى أعلى ، حاولت استبيان الأمر من خلال خيوط الدم التي سالت على عيني ، وجدت عملاقا و قد حجب الشمس عنا ) صرخ فيهم :
 ـ انتباه يا أغبيا يا بهايم ، بتضربوه ليه ؟
 ـ يا فندم الولية دي مش راضية تمشي ، قمنا جرجرناها بالعافية ، لقينا الافندي ده بيحوش عنها و مش عاوزنا نشوف شغلنا .
 ( عندها بدأت ملامح المشهد تتضح أمامي ، وجدت ضابطا صبوح الوجه ، مد يده لي مبتسما ، أوقفني ) ـ و انت دخلك إيه يا أستاذ ، ما تروح لحالك .
 ( تغيرت تعابير وجهه و هو يصرخ في وجه (لبيبة) ، كأنه شخص آخر )
ـ و انتي يا روح أمك ، قومي من هنا و إلا تلاتة بالله العظيم أخليهم يدغدغوك ، ( صرخ حتى بح صوته ) قــــومــــــي .
 ( عندها انتفضت واقفة ، لملم أحد الجنود حاجياتها من فوق الرصيف و ألقاها بوجهها ، رحلنا نحاول الاستناد إلى بعضنا البعض ) أخذت تتمتم :
ـ ماشي ، ماشــــــــي ، بس لما يجي يا ولاد الكلب ، و الله لأخليه يقطعكم حتت حتت كده ، طيــــــــــــب ، حــــــــــاضر ، الصبر حلو ، مـــــــــــاشي ، بقى تعملوا فيا أنا كدهوه ؟ حـــــاضر ، عليا النعمة لقايلة له ، انتم فاكرين إني مش ها أقوله ؟ و الله لقايلة له ، و انته فكرك انه ها يسكت ، و الله لو كان يرضى هو بقى إنهم يعملوا كده في أمه يبقى القيامة ها تقوم بقى ، بقى كدهوه ؟ همه مش عارفين أنا مين ؟ ( عندها حاولت التخفيف من ثورتها ) ـ معذورين برضه ، ما همه مش عارفينك يا خالة (لبيبة) .
ـ أيوه بس هو ما يرضاش ، إنت على بالك يعني إنه هايسكت ، و حياة رحمة أمي ما ها يسكت ، و أنا أهوه و انته أهوه ، إذا ما كان يجيب لي حقي و يجيبهم واحد واحد يبوس رجلي صباع صباع ، يبقى لا ابني و لا أعرفه ، و يحرم عليه يبوس رجلي ليوم الدين .
ـ هو مين ده يا خالة ؟
 ـ إنته أهبل ياله و الا بتستهبل ؟ ياله روح من هنا ، روح .... ( دفعتني بعيدا عنها ، عندها انفجرت الضحكات من صدري ، حاولت السيطرة عليها حتى نجحت ، عدت أسير بجوارها ثانية ) ـ معلش خديني على قد عقلي . ـ اللي قوموني عشان خاطره ( الواد علي ) ،
 ـ علي مين ؟ ( نظرت لي نظرة احتقار )
 ـ معلش يا خالة (لبيبة) استحمليني الله يخليكي ، أصل أنا فهمي على قدي . ( عندها وصلنا إلى مقهى بأحد الحواري الداخلية ، ذهبنا إلى إحدى الطاولات ، قالت في حزم و هي تهم بالجلوس )
 ـ و الله ما أنا مكملة و لا كلمة إلا لما تطلب لي شاي و شيشة الأول .
ـ حاضر ، من عينيه . ( صفقت ، و عندما حضر النادل تغير وجهه و حاول جذبها )
ـ قومي الله من هنا يمجنونة يا بنت المجانيين . ( حاولت هي التخلص من بين يديه )
 ـ سيب هدومي يا اهبل يا ابن الهابلة ، و الله لقايلة لعلي يشق راسك نصين، بس لما يجي ، حــــــــــــــاضر ، ماشي ، ماشي . ( عندها تدخلت )
 ـ سيبها قاعدة لو سمحت ، دي جاية معايا ، و هات لنا اتنين شاي في الخمسينة و وشيشة . ( ذهب النادل يضرب كفا بكف بينما يصيح ) ـ و عندك اتنين شاي في التربنتينة و شيـــــــشـــــة . ( عندها التفت إليها أسألها ) ـ مين بقى الواد علي ده يا خالة لبيبة اللي قوموك عشانه؟
 ـ اللي انتم مسمينه (أوباما) . ( عندها انفجرت ثانية في الضحك )
ـ ها ها هاي ...( أوباما) ها ها .. يبقى ابنك ؟ ها ها هــــــــــوه . ( عندها احمر وجهها و قالت غاضبة )
ـ و الله العظيم أنا غلطانة إني جيت و قعدت مع واحد مخبول زيك ، ما انتم كلكم زي بعض . ( همت بالوقوف و الرحيل ، عندها أمسكت يدها أجلسها ) ـ معلش حقك علي يا خالة (لبيبة) ، أنا آسف ، خلاص بقى .
 ـ بس لو ضحكت تاني و الله ما أنا قاعدة معاك .
 ـ حاضر خلاص أهوه ( وضعت كفي على فمي أغلقه ) ، بقى ( أوباما ) رئيس أمريكيا ابنك ؟ ـ ابني بالرضاعة يا أهبل .
 ـ إزاي بقى إن شاء الله ؟
ـ لما اتولد كانت أمه تعبانة و مش قادرة ترضعه ، فصعب عليا و رضعته ، ( فجاة صرخت) ـ يا نـــور عينــــــــــــــــــــــي ... ( هجمت على التلفاز تحتضنه و تقبله ، أخذت تصرخ )
ـ وحشتني يا ابن الكلب ، و الله كنت ها أتجنن و أشوفك ، ( تقبل الشاشة ) كده برضه ؟ ( تحتضن التلفاز كالمتلهفة أكثر و أكثر ) كدهوه ، ( نظرت إلى التلفاز أحاول استيضاح الأمر ، فإذا بوجه ( أوباما ) ، أخذت تقبله و تصيح )
ـ و لا تسأل عليا و لا تبعت حتى و لو جواب صغير تطمني عليك ؟ ( تقبل الأسلاك ) زعلانة ؟ طب تلاتة بالله العظيم زعلانة ، ( تتوقف عن تقبيل التلفاز ) روح بقى ، و هوه انته فكرك إنك ها تضحك عليا بكلمتين ؟ ( تتمنع ) لا سيبني ، و الله زعلانة ، بقولك روح بقى ( تدفع التلفاز فإذا بالرسيفر يسقط أرضا و تتوقف الصورة ، عندها اخذ الناس يضحكون ، ساد الهرج و المرج ، أخذ النادل يصرخ بوجهها ، يدفعها بعيدا ، صاح مناديا )
ـ عاوزين نسمع خطاب (أوباما) يا عالم ، ما تيجي يا مثقف تشيل خالتك .
( عندها قمت أقنعها بالرجوع إلى الطاولة ، حتى وافقت و عادت معي ، جلسنا ثانية بينما لم تحرك عينيها عن التلفاز الذي عادت إليه الحياة )
ـ مالك كده خاسس يا وله يا علي ؟ همه ما بيأكلكش و الا إيه ؟ يا كبد أمك ، ليكون عندك ديدان يا وله ، و الله لمن بكره الصبح آخدك و نروح المستشفى ، أني مش ها اسكت لو موتوني ، لا ماهو كله إلا صحتك ، ده أنته الحاجة الوحيدة اللي فاضلة لي في الدنيا ، ( وجهت كلامها لي ) بذمتك مش خاسس ؟
ـ الصراحة خاسس شوية بس أكيد هوه اللي عامل رجيم . ـ رجيم إيه و زفت منيل على عينك إيه ، أنا اللي عارفاه ، هوه كده طول عمره
 ـ أكلته ضعيفة ـ بعيد عنك من صغره و هوه عنده ديدان ، ياما ضربته عشان ما ينزلش الترعة ، و لا هو هنا ، مكبر دماغة و عاطيها الطرشة ، بس أما أشوفه .
( أتى النادل بأكواب الشاي و (الأرجيلة ) وضعها أمامها ، عندها بدأ خطاب ( أوباما ) ، أخذت تشرب الشاي و تدخن (الأرجيلة) بينما تعلق على كل كلمة يقولها المترجم ) ـ صوتك متغير كده ليه يا وله ؟
 ـ ده صوت المترجم يا خالة ، عشان هو بيتكلم انجليزي .
 ـ بتتكلم انجليزي ليه يا عين أمك ؟ ما تعيش عيشة أهلك يا وله و تكلمنا عربي ، دا أنا عمري ما قلتلك و لا كلمة انجليزي .
( عندها نطق (أوباما ) بالعربية )
 ـ السلام عليكم ( وقفت تهلل )
ـ أيوة كده ، شفت ؟ مش قلتلك ؟ ده ما يسمعش كلام حد في الدنيا قدي ، و انته فكرك هوه جاي مصر ليه يعني ؟ عشان سواد عيونكم ؟ جاي عشان يجيب لي حقي ، أيوه أمال إيه ؟ بس اسمع ها يقول إيه دلوقتي ، هوه اللي ها يرجع لي (العشة) اللي كنت ساكنة فيها و طردوني منها و أخدوها ولاد الأبالسة .
 ( عاد أوباما يتحدث بالانجليزية ، عندها نظرت تجاهي يملأ الخجل وجهها ، لمحت بعينيها صورتها و هي تبحث له عن مبررات ، فجأة غمزت لي بعينها و قالت )
 ـ بس عشان العالم كله يفهم . ( أخذ المترجم يترجم كلامه بالعربية ، عندها بدأت تدخن و تنصت ) ( قال أوباما ) ـ و ينص القرآن الكريم على ما يلي : ( اتقوا الله و كونوا مع الصادقين ) ( أخذت تصفق و تهلل و تصرخ ) ـ شفت ؟ مش قلت لك اسمه (علي) ؟ أهوه حافظ القرآن أهوه يا عالم يا هــــــــــوه ، وحياتك ما حد ها يرجع لي ابني ـ اللي ما شفتوش من سبعة و ستين
ـ إلا هوه ، بس اصبر و ها تشوف ها يعمل إيه .
 ( قال أوباما )
ـ امكانية انتخاب شخص مثلي يدعى ( باراك حسين أوباما ) ( أمسكت بكفي ، ضغطت عليه بقوة كأنها ستقول لي سرا )
 ـ كده و كده يعني ، بعيد عنك لازم ما يقولش إنه مسلم و إلا كانوا شالوه من الرياسة ، إوعى تقول لحد إنه اسمه ( علي حسين أوباما ) .
 ـ هو أنا عيل ؟ سرك في بيـــــــــــــــر . ( بعدها بقليل أخذتها سنة من النوم ، أخذت أستمع للخطاب ، حتى قال أوباما )
ـ و نجد في القرآن الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ) ( وجدتها و قد استيقظت من نومها و أخذت تقفز و تهلل و تصرخ )
 ـ مش قلت لك مسلم ؟ لسه حافظ القرآن أهوه يا جرعان ، الله يرحمك يا شيخ صالح ، هوه اللي محفظه في الكتاب ، و الله اللي ها يقول إنه مش مسلم بعد كده لأحط في بقه جزمة قديمة .
 ( أخذ الناس يسبونها و يأمرونها بالجلوس صامتة ، جذبتها أجلسها حتى لا يزداد غضبهم و سخطهم عليها ، أخيرا جلست ، مالت برأسها ناحيتي تسألني )
ـ بذمتك مسلم و الا مش مسلم ؟
 ـ ده مسلم ابن مسلم ، بس اهدي شوية خلينا نسمع بقية كلامه عشان ممكن يجيب سيرتك دلوقتي .
ـ معاك حق يا وله ، و الله انته جدع ، اطلب لي بقى واحد سحلب .
 ـ من عيوني حاضر ، ( ناديت ) اتنين سحلب يا ريس .
 ( عندنا نستمع إلى الخطاب إلا أنه ختم خطابه و أخذ يلوح للمتواجدين في القاعة يمينا و يسارا ، عندها أخذت تصرخ )
ـ شوف شوف شوف ، الواد بيدور عليا بين الموجودين إزاي ، شايف عينه بيتلفت عليا يا ولاداه ، يا نن عين أمك يا با ، و الله حرام عليكم ، بتمنعوني ليه يا عالم يا هوه ؟ خايفين لأقوله على اللي عملتوه فيا ؟ طب تلاتة بالله العظيم ما ها أقوله أيتوها حاجة ، بس سيبوني أشوفه حرام عليكم ... ( أخذت تجري بعيدا و تصرخ )
 ـ سيبوني أشوفه يا عالم يا هــــوه ، حرام عليكم ، و الله العظيم حرام ، حرام و الله ، و الله حرام .......

عدد القراءات : 3472
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات