احدث الاخبار

الفيدرالية هي الحل أم الشر الذي لا ضرورة له

الفيدرالية هي الحل أم الشر الذي لا ضرورة له
اخبار السعيدة - بقلم - د . موسى الحسيني         التاريخ : 25-01-2011

أن اية اطروحة لتناول شانا عراقيا ما ، لاتحدد الاهداف الحقيقية لاحتلال العراق ، سوف تتجه بحكم الوقائع على الارض للابتعاد عن الواقع ، وتغرق بالطوبائية والعبث ، ان لم نقل انها عبثا وطوبائية مقصودين بهدف تضليل الانسان العراقي .فكل اللعب والحجج والتبريرات التي طرحتها الادارة الاميركية عن اسلحة الدمار الشامل ، وعلاقة النظام بالقاعدة ، مرورا بنشر قيم الديمقراطية – وكأن العراق وحده من دون سائر البلدان العربية كان خاضعا لحكم بعيد عن الاطر الديمقراطية – كل تلك الاسباب اثبتت الايام تهافتها . هناك سببا واحد كان الكاتب قد اشار له في كتاباته مبكرا منذ بداية التسعينات ،وندواته التلفزيونية منذ بداية الالفية الثانية ، يتحكم بسلوك وتوجهات قادة اليمين المسيحي المتصهين في غزو العراق ،واحتلاله هو انهاك الدولة العراقية واخراجها من معادلة الصراع العربي – الصهيوني ، ومنعه من ان يشكل يوما ما اقليما- قاعدة يستقطب حوله القوة والقدرات العربية لتحقيق الاستقلال العربي الكامل ، والتنمية الكفيلة باستخدام العرب لثرواتهم واموالهم باتجاه تحقيق التطور والكفاية في توفير حاجاتهم ، وحماية امنهم ، وسيادتهم على اراضيهم .

 

لم يبدأ الاعداد لضرب العراق وغزوه يوم 2 اب 1990 ، ودخول القوات العراقية الى الكويت ، ولا بعد 11 ايلول 2001 وضرب برج التجارة العالمي ، بل بدا التفكير الجدي والتخطيط لضرب العراق يوم 6 كانون ثاني 1990 ، بعد الاستعراض العسكري الكبير لقدرات الجيش العراقي وما رافق هذا الاستعراض من عرض للصواريخ العراقية ، واطلاق صاروخ عراقي بالستي ، نشرت كل صحف العالم بما فيها البريطانية ، الاميركية ، الفرنسية ، الدانماركية ( بامكان القارئ العودة لصحف يوم 7 / 1 / 1990 لاي بلد من بلدان الغرب ودول حلف الناتو للتاكد من الصور والتعليقات ) ، بدون استثناء صورة الصاروخ العراقي على صفحاتها الاولى ، وهو طائر ، مع تحذير عن مخاطر القوة العراقية التي وصلت الى حد امتلاك صواريخ بالستية ، محلية الصنع ، ستهدد امن اسرائيل ، والمصالح الغربية في المنطقة . وتصاعدت الدعاوى بعدها لفرض الحصار على العراق ومنعه من تطوير قدراته العسكرية الذاتية ، كما تصاعد التوتر في العلاقات بين الغرب والعراق ، لتنفجر الازمة في الكويت .

 

تلك هي المقدمات الحقيقية للحرب على العراق ، التي بدات في منتصف كانون الثاني 1991 ، واستمرت 12 عاما ،ولم تنتهي بالاحتلال ، فهي عمليا ما زالت قائمة بشكل مباشر او بوسائل اخرى . وكل من لم يقر بهذه الحقائق اما انه يتغابى لغرض ما في نفسه ، او جاهل بالمطلق . لا يتقبل الامر تفسيرا اخر . اما ما جرى ويجري من احاديث، خطط ،ومسشاريع عن التقسيمات الطائفية والدينية والاثنية ، والفيدراليات والديمقراطية والبرلمانات وتقسيم الوزارات، والقاعدة والتكفيريين ، الاغتيالات و التفجيرات التي تاكل مئات الاف العراقيين ، وتهدم بيوتهم ، ومساجدهم ، واضرحة اوليائهم ، والدستور العلماني الخاضع لاشراف المرجعية ، النفط ،الكهرباء ، الخدمات ، حل الجيش ، قانون الاجتثاث، هل كركوك كردية ام عربية او تركمانية ، وهل الانبار تمتلك مقومات الدولة المستقلة ، وهل سامراء شيعية ان سنية . كيف يمكن تقسيم ديالى بين العرب والاكراد ، ماذا عن الشيعة في تلعفر وديالى . وقائمة عراقية واخرى لدولة القانون ، وائتلاف عراقي ، واسماء يحتاج الانسان لجهد و وقت طويل حتى يحفظها , وغير ذلك من الامورالاخرى . ما هي بالحقيقة الا تفاصيل ومحاولات يمارسها المحتل مباشرة او من خلال ادواته الماجورة المحلية من اجل ان يحقق اغراضه في انهاك الانسان العراقي ، والعراق كبلد، ، وحتى تدميره والغاء وجوده من الخريطة العالمية ، او ابقاءه دولة هشة تتاكلها الصراعات المحلية البينية . كان بدايتها كما هو نهايتها التقسيم الى دويلات متناحرة .

 

نحن هنا معنيين بمناقشة ما يطرح بين الحين والاخر عن فكرة الفيدراليات .

 

نشات الفيدرالية كمصطلح في الفقه السياسية في بعض الدول كنتيجة لحاجات دول صغيرة ، او وحدات سياسية او مقاطعات ، للاتحاد مع بعضها في منظومات سياسية كبيرة بهدف تجاوز الاسباب التي تعيق هذه الدول من تنمية مواردها ذاتيا ، او حماية نفسها بالاعتماد على امكاناتها الخاصة ، اي على اساس تطلعات لتحقيق اكبر قدر من القوة العسكرية والاقتصادية ، بغض النظر عن طبيعة الاصول الاثنية لهذه الدول او المقاطعات المستقلة . هكذا كان الحال بالنسبة للاتحاد الفيدرالي الاميركي ، بعد استقلال اميركا ، وظهور الولايات المتطلعة للتمتع بخيراتها ، وادارة شؤونها ذاتيا ، طرحت الفيدرالية لتحفظ للولايات بعض من حقها في ادارة بعض من شؤونها المحلية ، لم يكن الامن بمفهومه العام ، او العلاقات الخارجية ولا التخطيط للسياسات الاقتصادية الكبرى ، من ضمنها ، لان الفيدرالية ستنقلب على نفسها وتفقد ضرورتها في كونها خطوة نحو تحقيق القوة المطلوبة اصلا من تحقيق الاتحاد الفيدرالي . كما ان ال360 مقاطعة المانية ، التي تنتسب جميعها الى العنصر الجرماني اتحدت بنفس الشروط ، تاركة بعض الصلاحيات للحكومات المحلية لضمان موافقتها على الاتحاد . ولنفس الاسباب تشكل الاتحاد الفيدرالي الهندي ، المكون من عشرات القوميات المختلفة في اللغة والدين والاصول الاثنية ، كما هو الاتحاد السويسري المكون من اربعة قوميات مختلفة . بالمقابل ان الفروق القومية بين الامم لم يمنع الامم الثلاث الويلزية والاسكندنافية والانكليزية في بريطانيا من ان تتوحد بدولة مركزية واحدة لا اثر فيها للنظام الفيدرالي ، كما هي ايضا الامم التي تشكل منها الشعب الفرنسي . فكل من الفيدرالية او نظام الدولة الموحدة يخضع بالضرورة لحسابات القوة ، والقدرة الاقتصادية للدولة ، وليس لرغبات مجموعة من التجار او المنتفعين من النظام ، او تحقيقا لرغبة دولة هي بالاصل معادية وفي حالة حرب مع البلد المعني.

 

يتم اعتماد نظام الفيدرالية ايضا ، في حالة الدول الكبيرة ذات المساحات الواسعة جدا ، كالاتحاد السوفيتي السابق ، اميركا او استرالية والهند . لتسهيل ادارة شؤون الدولة .

 

نظل نؤكد ان اية واحدة من فيدراليات في هذه الدول لاتمتلك الحق في تشكل جيوشها الخاصة او مؤسساتها الامنية الخاصة ، ولا ان تقيم علاقات خارجية او اتفاقات تجارية او غيرها مع دول اخرى من وراء ظهر الحكومة المركزية للاتحاد الفيدرالي .

 

مقابل ذلك لم يحصل في التاريخ العالمي ان تقسمت او تحولت دولة مركزية واحدة الى فيدراليات تحت اي عذر او سبب ، قد تمنح بعض الاقاليم المختلفة في الاثنية واللغة والدين ، وليس لسبب واحد من هذه الاسباب ، بل للاسباب الثلاث مجتمعة ، بعض الصلاحيات الادارية في الادارة الذاتية للشؤون المحلية ، كالصحة والتعليم والمواصلات ،وادارة المشاريع الصغير ة .

 

من يتحجج بالفيدرالية الان في العراق على انها حماية لضمان منع عودة الدكتاتورية ، لاشك يعكس حالة جهل وتخلف سياسي ، او هو مغرض يحاول استغفال الاخرين ، فذاك حل لايصلح لمعالجة مثل هذا الامر – لمنع الانفراد بالسلطة او ظهور دكتاتوية - . يتم علاج هذه المشكلة بتقسيم السلطات بين مؤسسات الحكم المركزية الثلاثة ، القضائية ، والتشريعية والتنفيذية . واعتماد الوسائل الديمقراطية لضبط العلاقات بين السلطة والشعب ، باعتبار السلطة التنفيذية كهيئة تعمل لتنفيذ وتطبيق القوانين المتفق عليها مسبقا بين ابناء الشعب الواحد . كما ان الوعي الشعبي العام هو السلاح الوحيد لمنع ظهور الديكتاتورية . اما تقسيم البلاد وتقسيم السلطات بين مجموعات حاكمة ، ذلك لايمنع ظهور التوجهات الدكتاتورية بين حكام الاقاليم انفسهم ، كما هو الحال الان في شمال العراق او في قيادات الاحزاب المتاسلمة المتربعة على عروشها الجزئية ترفض التنازل عنها او اعتماد اي اساليب ديمقراطية داخل احزابها وتجمعاتها ، وتتشبث بمواقعها بحيث يبدو ان لكل اقليم ديكتاتوره الخاص . فالفيدرالية لاتمنع ظهور التوجهات الدكتاتورية بل قد تخلق مجموعات دكتاتورية وعدد لايحصى بعدد الاقاليم من المتسلطين على رقاب الناس ، بدل الدكتاتور واحد .

 

تكلمنا كثيرا عن دعاوى التقسيم التي تظهر بين الفينة والاخرى تحت شعار فيدرالية الجنوب او الوسط ، ونشرنا بيانا في اواسط 2007 ، تحت عنوان " ليس باسمنا " ، وصل عدد الموقعين عليه الى 3292 مواطن من مختلف انحاء العراق ( للاطلاع على البيان واسماء الموقعين ، يمكن العودة لشبكة البصرة 22 /10/2007، او الكادر ، ثوابتنا ، والقوة الثالثة ، لنفس الفترة ). ويحتاج الحديث عن ما مطروح من افكار فيدرالية في الشمال الى وقفة اخرى ، خاصة . لذلك سنركز حديثنا هنا حول موضوع الدعاوى الجديدة التي ظهرت للترويج لما يسمى بفيدرالية او بالاحرى امارة الانبار ، او محمية الانبار .

 

نقول محمية او امارة ، وهذا هو التوصيف الفعلي لما يراد لهذا المشروع التقسيمي ، نقول محمية ، لان هذه الدولة الصغيرة ، ليس فيها ما يمكنها من ان تكون دولة مستقل ، فهي ستظل بحاجة لحماية . ليس هناك من مصدر لهذه الحماية غير اميركا ودول محورها في المنطقة ، مع انعدام حالة الارادة والقوة التي تميز النظام الاقليمي العربي لم يبقى الا دولة ابناء اعمامنا في فلسطين المحتلة وسيلة لحماية ورعاية هذه الدولة الفتية . ( وضح الاستاذ صلاح المختار الدور الاسرائيلي في ظهور هذه الدعوى ،الاطار الستراتيجي للدعوة لكيان انفصالي في غرب العراق ، شبكة البصرة ، 23/1/2011)

 

رغم حجم المساحة الواسعة نسبيا – قياسا لدولة الكويت او قطر او البحرين – لهذهالمحمية ، الا ان المنطقة الحيوية فيها تختزل في الحقيقة بحكم حجم الصحارى الى شريط خصب على ضفتي الفرات ، من مدينة حصيبة حتى حدود محافظة بغداد . هناك حديث عن احتمالات ظهور النفط والغاز في المناطق الصحراوية . ذاك سيكون مصدر التهديد الجديد وليس الخير لهذه الدولة ، سترتفع الاصوات وتتفجر الصراعات والدعاوى عند زعماء دول وامارات كربلاء والنجف والسماوة ايضا ، في ان هذه الصحارى كانت بالاصل تابعة اداريا لها قبل اعتماد نظام المحافظات في بداية السبعينات . وقد سمعنا هذه الدعاوى مبكرا في السنوات الاولى من الاحتلال ، مع تصاعد الحملة التي قادها عزيز الحكيم لتطبيق نظام الفيدراليات ، وتبنتها احدي الفضائيات التي انشئت خصيصا على مايبدو لتنفيذ مشروع شارون – ايتان لتقسيم العراق ، تطالب بعودة هذه الصحارى السليبة لتقسيماتها القديمة .

 

قصة ظريفة ستشغل العراقيين لسنوات وتستهلك الكثير من اوقاتهم وجهودهم ، لاشك سيتوسطها الحديث عن مظلومية الامام الحسين وماساة عبد الله الرضيع ، ومحنة السيدة زينب، وموقف الخليفتين الراشديين من ضيعة فدك ، ولااستبعد ان يرفع البعض شعار "يالثارات الحسين " لينعم الصهاينة بالهدوء والراحة في فلسطين .فلن تحقق الفيدراليات اغراضها اذا لم تستتبع بحروب ونزاعات جديدة ، للامعان في استهلاك طاقات الشعب العراقي . وها هي كركوك مثالا ..!؟

 

تتجه الفيدراليات القائمة في العالم المعاصر للتمركز (تدعيم المركز ) ،كما تتجه شعوب العالم المتحضر لتجاوز اختلافاتها التاريخية للميل للوحدة ، كما هو حال الاتحاد الاوربي ، الذي قام اساسا على تعاون بلدين كانا من اكثر بلدان العالم عدواة في العالم ، فرنسا والمانيا . فعلماء الفقه السياسي وصلوا منذ وقت مبكر لدراساتهم عن اهمية حجم الدولة في قوتها ، والى ان الضعف يكمن في الصغر . فالمساحة والتعداد السكاني عنصران مهمان من عناصر قوة الدول الكامنة او تلك الظاهرة . ويستندون الى تدعيم هذه الفكرة في فشل الحملة الالمانية على الاتحاد السوفيتي ابان الحرب العالمية الثانية ،فالنصر لاينسب فقط الى لاندفاع الروس للدفاع عن اراضيهم بل لحجم اراضيهم الواسعة الذي اخر وصول الالمان للمدن الروسية المهمة والرئيسية . ليس هذا فقط بل ان سعة الارض تعني وفرة الخيرات المخزونة فيها . لاشك ان بعض المتخلفين والسطحيين والجهلة سيستشهد بدول الخليج ، واسرائيل . دون ان يتعرف الى ان وجهة نظر المخططين الاستراتيجين في الغرب تؤكد ان هذه الدول الصغيرة صنعت بارادات استعمارية لاهداف تخدم مصالح الغرب ، وهي دول غير قابلة للحياة دون عون خارجي للحفاظ على كيانها ، فهي لاتمتلك مقومات الدولة القابلة للحياة والديمومة بدون هذا الدعم الخارجي . وهي لاتستطيع ان تحمي مواطنيها بقدراتها الذاتية ، كما انها لاتمتلك القدرة على ان توفر الحاجات الضرورية لعيش مواطنيها ، فهي تعتمد في كل شئ على الخارج ، بما فيه الاكل ، ومياه الشرب ، والحاجات الضرورية الاخرى ما يجعلها ابدا تابعة لمن صنعها .ووجود النفط بالنسبة لدول الخليج لايشكل عامل قوة ، بل حالة غنى استثنائي لايوفر لها اي من مقومات الاستقلال او القوة والتنمية، فهي ملزمة لان تستثمر اموال النفط مقابل الحصول على حاجاتها الاساسية . ويغدوا النفط مجرد مظهر خداع للغنى . فهي لاتمتلك مقومات الاستقلال الحقيقي . وتظل بحكم الصغر تابعة ابد الابدين للقوى العظمى التي شكلتها وصنعتها بهذا الشكل . ان في النتائج المؤذية للحصار الذي فرض على العراق ، مثالا اخر ، في ان الصغر خطر ..!؟

 

اذا كان العراق الغني وبكل امكاناته وحجمه لم يتمكن من تلافي اثار الحصار الضارة على شعبه في تسعينات القرن المنصرم ، فهل تستطيع الامارات العراقية ان تحقق استقلالها ، وان ورثت بعض ابار النفط . ليس بالنفط وحده تتحقق التنمية او القوة ، والاستقلال . والنظر للامر بهذه النظرة الضيقة ، ليس الا دلالة على التخلف والجهل بل والعمى ايضا .

 

ان اقامة فيدرالية الانبار او البصرة او النجف او الموصل او حتى المنطقة الكردية ، باشكالها المطروحة في مشاريع التقسيم الصهيونية ، ما هي بالحقيقة الا اقتطاع اجزاء من الاراضي العراقية تحت حجة التخلص من سلطة المركز وتخفيف سيطرته ، او الخوف من ظهور نزعات دكتاتورية ، ونقلها لسلطة دول اخرى من دول الجوار القريب او البعيد . السياسة وعلومها تقول هذا ، ولاتقبل اية تفسيرات اخرى . قد ينعم تجار الفيدراليات ، ببعض الامتيازات التي تقدمها لهم مراكز القرار الصهيونية والغربية ، الا ان ذلك لم يحقق لسكان هذه الدويلات اي شئ من الرفاهية ، او الحرية المزعومة . مجرد الانتقال من الخضوع لقرار الهوية العراقية الخاصة الى الخضوع لقرار المستفيدين من تدمير العراق .

 

في اللغة السياسية السائدة في ادبيات العلاقات الدولية ومصادرها تدرس الدول الصغيرة وتفهرس تحت عنوان " المني ستيت " على وزن " المني جوب" ، فهي تكشف ولا تستر عورات مواطنيها بل ان الصغر يثير شهوات الاخر، ويدفعه للتحرش بمرتديها ، ويثير هواجس الطمع والعدوان عند الاخرين .

 

ونحن نناقش الاطار النظري لمفوم الفيدرالية ، وقبل الانتقال لمناقشة بهتان التفاصيل المطروحة عن فيدرالية الانبار . لعل من الضروري تذكير المواطن العربي ، ببعض من الحقائق المتعلقة بالتوجهات الغربية تجاه الوطن العربي ،تلك التي نتج عنها 22 دولة عربية ، ليس فيها من واحدة تمتلك لوحدها مقومات الاستقلال ، وتحقيق التنمية والامن لمواطنيها .

 

1 : لعل من اغرب النتائج التي تمخضت عنها الحرب العالمية الاولى ، غرابة موقف الحلفاء بريطانيا وفرنسا بالذات ، من العرب . والعرب بحكم ما عرف بالثورة العربية الكبرى كانوا حلفاء لهاتين الدولتين ، ساهموا بانتصارهما على الدولة العثمانية . الا انا نجد ان الدولتين العظميين تبذلان كل الجهد للحفاظ على وحدة وسلامة اراضي عدوتهما تركية ، وتتامران بالمقابل على تفتيت وتقسيم اراضي حلفائهم العرب في ما عرف بمعاهدة سايكس بيكو . وتتبرع فرنسا لترضية تركيا بالتنازل عن مساحات واسعة من شمال سوريا – لواء الاسكندرونة - بسكانه وخيراته وموقعه. وتتغاضى بريطانيا العظمى التي تربطها مع امارة عربستان في المحمرة معاهدة دفاعية ،عن الاحتلال الايراني لعربستان ، بالطريقة اللاخلاقية التي تمت بها عملية خطف شيخ المحمرة الشيخ خزعل .

 

2 : كانت النيات البريطانية المضمرة هي الحاق محافظة البصرة او ولاية البصرة في حينها ، بحكومة الهند الشرقية ، ونقل مجموعات بشرية من الهند الى البصرة للاستيطان هناك ، تخفيفا للاعباء السكانية على تلك الحكومة ، وضمان طرق مواصلاتها . الا ان استحالة الفكرة جاءت مما اكتشفه البريطانيون من ارادة عراقية للدفاع عن اراضيهم ومدنهم . كانت الخطوة الاولى لبريطانيا انها سرحت جنود حملتها من الهنود وشجعتهم للاستيطان في العراق ، ووظفت الكفاءات منهم في مشاريعها مثل السكك الحديدية . عند البحث عن جذور بعض الشعوبيين الداعمين لتقسيم العراق ، سنجدها متاثرة بهذه الاصول .

 

3 : لم يكن احتلال فلسطين ، واقامة الدولة العبرية هناك ، مشروعا يهوديا بالاصل ، بالعكس فهناك ، ولحد الان مجموعات يهودية كبيرة ، تعتبر ان اقامة مثل هذه الدولة تعارض ارادة الخالق . كان المشروع بالاصل فكرة طرحها رئيس الوزراء البريطاني ، بالمرستون ،عام 1840 لمنع العرب من اقامة دولتهم الكبرى . بعد ان حاول حاكم مصر محمد علي الكبير المباشرة في بناء هذه الدولة وحرر الساحل السوري والحجاز . تداعت الدول الكبرى في حينها ، روسيا ، بروسيا (المانيا الحالية ) ، بريطانيا ، والدولة العثمانية ، النمسا والمجر، الى ان هذه الدولة الجديدة بما لديها من امكانات ستهدد مصالحهم ، وحتى انها يمكن ان تشكل منافسا خطرا لهم على مصالحهم خارج الوطن العربي ، في اسيا وافريقيا

 

تقدمت جيوش هذه الدول المتحالفة ضد العرب لمهاجمة القوات العربية من البحر والبر ، حطمت اساطيل وسفن محمد علي ، واجبرت قواته على الانسحاب من سوريا والحجاز ، وحاصرته في مصر ، رافضة ان توقف الحرب ما لم يدمر مصانعه الحربية، ويوقف عملية التنمية الصناعية والزراعية التي كان سائرا في تحقيقها . كررت اميركا نفس اللعبة مع العراق في تدمير امكاناته العسكرية والتنموية .

 

بعد انتصار الحلفاء على القوات العربية المصرية و محمد علي ، طرح بالمرستون فكرة " من يضمن لنا عدم ظهور محمد علي ثاني غدا ليهدد مصالحنا ، ومن يضمن لنا الانتصار عليه ثانية ، ان الحل الاسلم لمنع اتصال مصر بالجزء الاسيوي من الوطن العربي هو بخلق جدار بشري في فلسطين لمنع هذا التواصل " بعد 52 سنة فقط التقط هرتزل الفكرة ليطالب بدولة لليهود في فلسطين

 

رغم محاولات ستالين لاحباط مشروع الدولة العبرية ، او ربما منافسة للبريطانيين لكسب تعاطف اليهود معه ، قام عام 1928 ، بمنح اليهود جمهورية ذات استقلال ذاتي ، مازالت قائمة في شمال شرق روسيا الحالية ، الا ان اصرار الغرب على اختيار فلسطين كان لتحقيق مصالح الغرب وليس عطفا على اليهود . يمكن الاطلاع على تفاصيل تاريخ وحاضر هذه الجمهورية اليهودية المتمتعة بالاستقلال الذاتي على الرابط التالي على الانترنت :

 

http://www.jewishrepublic.com/

 

4 : قامت فرنسا بعد اسقاط الدولة العربية في الشام ، بتقسيم سوريا الحالية الى خمسة فيدراليات ، شبه مستقلة ، على اساس ديني وطائفي ، علوية في اللاذقية ، ومسيحية في وادي النصارى ، وسنية في حلب واخرى في دمشق ، ودرزية في السويداء . واجرت كالعادة انتخابات ، واقامت مجالس برلمانات لكل دولة ، الا ان وعي ابناء الشعب العربي السوري احبط هذه المؤامرة ، فاول جلسات عقدت لهذه البرلمانات طالبت وطرحت مطلب الالتحاق بالمركز ونبذ الانفصال

 

5 : قسمت فرنسا المغرب العربي الى ثلاث دول ، وسمت كل جزء باسم اكبر مدينة فيه ، تونس ، الجزائر ، مراكش .

 

6 :حافظت بريطانيا على وحدة وادي النيل – مصر والسودان – وعندما افلست واضطرت للانسحاب من هناك ، دفعت بعض المرتبطين بها للمطالبة بانفصال السودان ، وتم ذلك ، وتتابع اميركا الان المؤامرة بفصل جنوب السودان عن شماله . الانفصال الذي ما كان له ان يتحقق لو لم تنفصل السودان عن مصر.

 

تلك هي المقدمات النظرية لفهم المشاريع المطروحة لتقسيم العراق ، التي سنناقش على اساسها الدعاوى المتهافتة لاطروحات الفيدرالية في العراق ، مع التركيز على فيدرالية الانبار ، كنموذج .

 

mzalhussaini@btinternet.com

عدد القراءات : 4240
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
الجزائر
من قال لك ان فرنسي هي من سمة دول شمال افريقيا رجاء ادرس التاريخ اولا لقد هاجمة فرنسي الجزائر سنة 1827 وسقطة العاصمة في 05 /07 1830 وبعدها بسنين فرضة الحماية علي كل تونس والمغرب تاريخيا يا سيدي الكريم عرف بالكياناة الثلاث مثلا تونس كان اسمها افريقيا المغرب موريتانيا الجزائر نوميديا ولم تكن كيا