احدث الاخبار

لا خلع دون عوض ورضا الزوجين

لا خلع دون عوض ورضا الزوجين
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 16-01-2011

جواز الخلع دون السلطان ". فمن هذا الكلام للإمام الجصاص - وهو أحد أشهر كبار مفسري القرآن، وكبار الفقهاء يبين بصريح العبارة أنه لا يجوز للحاكم أن يفرض الخلع على أحد الزوجين أو كليهما، فلا يجوز أن يفرض جبراً لا على المرأة ولا على الرجل، بل لابد فيه من الرضا الحقيقي الكامل من الطرفين وبين هذا المفسر الكبير أنه لو كان من حق الحاكم أن يفرض الخلع على الزوجين أو أحدهما لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ثابت بن قيس: أتردين عليه حديقته؟ ولما طلب من الزوج أن يخالعها، بل كان صلى الله عليه وسلم هو الذي يخلعها من زوجها فيطلقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يخلعها من زوجها فيطلقها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجانب كونه رسولاً كان حاكماً وقاضياً، فلو كان من حق القاضي أن يخلع الزوجة جبراً على الزوجين أو أحدهما لطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ورد على الزوج المهر الذي كان قد دفعه إلى زوجته وهو الحديقة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المتلاعنين الذين تلاعنا أمامه، فقد فرق عليه الصلاة والسلام بينهما، ولم يأخذ فيها رأي الزوجين، لأن الفرقة بين المتلاعنين لا يؤخذ فيها رأي الزوجين لا المرأة ولا الرجل، وإنما التفريق بينهما من اختصاص الحاكم وحده ولهذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي لاعن من زوجته: خل سبيلها، بل قام هو عليه الصلاة والسلام بالتفريق بين المتلاعنين، وقال للزوج: لا سبيل لك عليها، أي لا علاقة زوجية بينكما الآن، ولم يجعل أمر الفرقة بين المتلاعنين راجعاً إلى إرادة الزوج، وعلى هذا فلابد في الخلع من الرضا التام من كل من الزوجين الرجل والمرأة. (1) وإذا انتقلنا إلى فقه الظاهرية، وهم الذين يأخذون بظواهر النصوص نجدهم يصرحون بأنه لا يجوز إجبار الزوج على الخلع، مع أن الأوامر عندهم في النصوص الشرعية تفيد الوجوب إلا في حالات قليلة عندهم، وكان مقتضى قواعد مذهبهم أن يأخذوا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " فيقولوا بإجبار الزوج على إجراء الخلع، لكنهم لم يقولوا بالإجبار، بل بينوا كما قلت أنه لا يجوز إجبار الزوج على الخلع، يقول ابن حزم أحد كبار فقهائهم، وكتبه مصدر مهم جداً في الفقه الظاهري وهو أحد كبار المحدثين والأصوليين، يقول في كتابه المحلى ( ) الخلع هو: " الافتداء إذا كرهت المرأة زوجها، فخافت أن لا توفيه حقه، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها، فلها أن تفتدي منه ويطلقها، إن رضي هو، وإلا لم يجبر هو، ولا أجبرت هي، إنما يجوز بتراضيهما ". فهذا هو أحد علماء المذهب الظاهري، الذي كان مقتضى مذهبه أن يقول بإجبار الزوج على إجراء الخلع، ومع هذا لم ير ابن حزم هذا الرأي، وصرح بعدم جواز الإجبار لأي واحد من الزوجين كما بينا بصريح العبارة. ونجد أيضاً فقهاء الزيدية يصرحون بأن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ليس على طريق الوجوب، يقول أحمد بن يحيي المرتضي: "وأمره صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس ليس إلزاماً" ( ). إذا وجدت قرينة تحمل الأوامر في الشرع على الإباحة أو الإرشاد عمل بها: - العلماء إذن - الذين بينوا أن  في قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" وجدوا قرينة أي دليلاً يدل على أن الأمر ليس للوجوب وإنما للإباحة أو الإرشاد كما صرحوا بذلك وأكدوا عليه، وبينوا القرينة أي الدليل على أن الأمر للإباحة كما هو واضح من كلام الجصاص الذي ذكرناه بالتفصيل. ومن المعلوم أن أي أمر من الأوامر إذا وردت في لسان الشرع، في الكتاب الكريم أو أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يفيد الوجوب إلا إذا قامت قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى غير الوجوب، كالاستحباب أو الإباحة، أو غيرهما، فإنه يجب أن يحمل الأمر على ما تدل عليه تلك القرينة كما يقول بذلك جمهور العلماء. فمثلاً قال الله عز وجل قال في شأن الرقيق: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم منهم خيراً) فهذا أمر من الله عز وجل بأن يقوم السيد بمكاتبة مملوكه أي الاتفاق معه على أن يسدد مبلغاً من المال في مقابل حصوله على حريته، وهذا الأمر ليس للوجوب وإنما هو للندب والاستحباب، لوجود قرينة تصرف الأمر عن الوجوب هنا إلى الندب، وهذه القرينة هي أنه من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن المالك له مطلق التصرف فيما يملكه إلا إذا وجدت الضرورة أو الحاجة الداعية إلى ذلك. وكذلك وجدنا الله عز وجل يأمرنا بكتابة الديون في قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)، ومع هذا فإن جمهور أهل العلم، يقولون عن الأمر بكتابة الدين في هذه الآية الكريمة ليس للوجوب، وإنما هو للإرشاد حتى تحفظ الحقوق بين الناس، ويبين العلماء أنه توجد قرينة أي دليل يدل على أن الأمر بكتابة الديون ليس للوجوب وإنما للإرشاد، هذه القرينة هي قول الله تبارك وتعالى بعد ذلك في الآية التالية: (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن أمانته)، فإن هذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يثق بمن يتعامل معه مالياً، اعتماداً على أمانة من يتعامل معه، فلا يكتب عليه صكاً بالدين المدين به، ولهذا تأمر الآية الكريمة المؤمنين بأداء الأمانة.

 وكذلك إذا دلت القرينة على الإباحة أفاد الأمر الإباحة لا الوجوب، كما في قوله تبارك وتعالى: (وكلوا واشربوا) فهذا أمر من الله عز وجل لكن القرينة أفادت أنه للإباحة، لأن الأكل والشرب من الأمور التي تستدعيها الطبيعة التي خلقنا الله عليها، ولا يستغني الإنسان عن هذا، فهو قرينة واضحة على أن الأمر ليس للوجوب وإنما هو للإباحة ومجرد الإذن. ( ). ولعل مما يؤكد أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم ليس للوجوب وإنما للإباحة، إننا وجدنا ابن حزم، وهو أحد فقهاء الظاهرية الكبار، وناصر مذهبهم، وهم أصحاب المذهب الفقهي الذي يأخذ بظواهر النصوص، هذا الفقيه الظاهري الكبير، يصرح بأنه لا يجوز الخلع حالة إجبار أي من الزوجين، سواء أكان الإجبار للزوجة أم للزوج، يقول ابن حزم في كتابه " المحلى " أحد مصادر الفقه الظاهرية المعتبرة ( ) " فلها أن تفتدي منه ويطلقها، إن رضي هو، وإلا لم يجبر هو، ولا أجبرت هي، إنما يجوز بتراضيهما، فأي شك بعد هذا الذي يصرح به فقيه من فقهاء الظاهرية، الذين يأخذون بظواهر النصوص؟ أليس هذا مؤكداً أن فقهاء الإسلام وجدوا القرينة الدالة على أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس كان دالاً على الإباحة والإرشاد، وليس دالاً على الوجوب؟!. أمور تؤكد عدم إجبار الزوج على الخلع: بجانب ما بيناه من كلام كبار شراح الحديث والمفسرين والفقهاء من أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" يفيد الإرشاد والإصلاح ولا يفيد الوجوب، فإننا نذكر أيضاً بعض الأمور التي تؤكد ذلك وتوضحه ن وتعد قرينة أيضاً بجانب ما ذكره العلماء:

 الأمر الأول: أن الخلع عقد بين الزوجين، صرح بهذا علماؤنا رضي الله عنهم، يقول الحصني في كتابه " كفاية الأخيار "، عند كلامه عن شروط العوض في الخلع، وأنه لابد أن يكون العوض معلوماً، متمولاً، أي له قيمة مالية، مقدوراً على تسليمه، مملوكاً، قال معللاً لذلك: "لأن الخلع عقد معاوضة" ( )، وقال الماوردي، وهو في سياق كلامه عن فساد الخلع، فذكر صورتين إحداهما أن ينال الزوج بالضرب والأذى حتى تخالعه، قال بعد ذكر هذه الصورة: فيكون الخلع باطلاً، وعلل لهذا البطلان بقوله: "لأن الخلع عقد معاوضة حدث عن إكراه فكان كسائر عقود المكره" ( ) فلابد - إذن - من الرضا من كل من الزوجين، لأن لكل منهما شأناً في لخلع، إذ به تسقط الحقوق التي كانت للزوج على زوجته، فلابد من رضاه. وكذلك لابد من رضا الزوجة، لأنه بالخلع يلزم الزوجة ما اتفقا عليه من العوض المالي، ولهذا لو خالعها على كذا من المال، فلم توافق الزوجة، فطلقها فإنه يكون طلاقاً عادياً وليس خلعاً، ولا يلزمها شيء من المال، فليس الخلع إسقاطاً محضاً كالطلاق، حتى يحق للزوج أن ينفرد به، ولابد - إذن - أن يكون الحكم هكذا في حالة رفض الزوج أن يخالع زوجته. فالقول بإلزام الزوج عن طريق المحكمة بوقوع الطلاق خلعاً قول ينافي حق الرضا الذي يجب أن يتوافر في العقود، فلا يوجد عقد من العقود يبنى على الإجبار، وإنما كل العقود مبنية على الاختيار، حتى العقد الأعظم الذي بين الله عز وجل وعباده لا يعتبر صحيحاً إلا بالرضا بعيداً عن الإجبار، قال تبارك وتعالى: (لا إكراه في الدين).

 الأمر الثاني: إذا ورد الأمر من الشارع بشيء بعد تحريمه، فإن هذا الشيء يعود إلى حكمه الذي كان موجوداً قبل تحريمه، وذلك على الرأي الراجح من آراء علماء أصول الفقه الإسلامي، فمن المعلوم أن هناك أشياء حرمها الشارع لمعنى خاص، ثم لما زال هذا المعنى أو وجد ما تقتضي رفع الحظر جاء الأمر بها، فمثلاً ورد الأمر بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله بعد صلاة الجمعة، بعد تحريم البيع والشراء أثناء صلاة الجمعة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)، ثم قال الله عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله). وهنا في قصة ثابت ابن قيس نجد أمراً ورد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحظر والتحريم، والأمر هو " اقبل الحديقة " والتحريم كان سابقاً على هذا الأمر النبوي، لأن مهر الزوجة لا يجوز لزوجها أن يأخذ منه شيئاً لقول الله تبارك وتعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً) فلما حدثت قصة ثابت بن قيس مع امرأته أمر الشارع بأخذ المهر في مقابل التفريق بين الزوجين وهما قيس بن ثابت وزوجته. وقد اختلف علماء أصول الفقه الإسلامي في الأمر الوارد بعد التحريم على ثلاثة آراء: الرأي الأول: أن الأوامر التي ترد بعد التحريم تفيد الإباحة، وهذا الرأي منقول عن الإمام الشافعي وبعض العلماء. ولعل أصحاب هذا الرأي يرون أن ورود الأمر بعد التحريم يعد قرينة أي دليلاً يصرفه عن الوجوب إلى الإباحة استناداً إلى أن معظم الأوامر التي جاءت بعد التحريم دلت على الإباحة مثل قول الله تبارك وتعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) بعد قوله عز وجل: (غير محلي الصيد وأنتم حرم)، فالأمر باصطياد الصيد جاء بعد تحريم الاصطياد، والأمر هنا بإجماع العلماء يفيد إباحة الاصطياد ولا يجب الاصطياد. وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا" فالأمر بالادخار ورد بعد تحريم ادخار اللحوم لظرف خاص اقتضى هذا، وهو أيضاً مفيد للإباحة بإجماع العلماء، فلم يقل أحد بوجوب ادخار لحوم الأضاحي. الرأي الثاني: أن الأوامر التي وردت بعد التحريم تفيد الوجوب، وهو ما يراه عامة فقهاء الحنفية وبعض فقهاء الشافعية. ولعل أصحاب هذا الرأي يرون أن الأصل في صيغة الأمر أنها تفيد الوجوب إذا لم توجد قرينة أي دليل يصرفها عن الوجوب إلى غيره، فإذا جاءت صيغة الأمر بعد الحظر والتحريم فإنها لا تصح أن تكون قرينة تصرفها عن الوجوب إلى غيره، لأن بعض الأوامر وجدناها أفادت الوجوب مع أنها وردت بعد الحظر والتحريم، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ( )، فالأمر بقتال المشركين ورد بعد تحريم هذا القتال أثناء الأشهر الحرم، وهو أمر يفيد الوجوب باتفاق العلماء. وكما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش عندما جاءته تسأله: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: " لا، إنما ذلك دم عرق وليس حيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ". فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت حبيش بالصلاة بعد أن انتهت حيضتها، وهذا الأمر يفيد الوجوب وهو وارد بعد الحظر والتحريم، حظر الصلاة وتحريمها أثناء فترة الحيضة. الرأي الثالث: أن الأوامر التي ترد بعد التحريم تفيد رفع التحريم والرجوع بالمأمور به إلى الحكم الذي كان له قبل ذلك من الإباحة، أو الوجوب، أو غيرهما. وهذا الرأي اختاره الكمال بن الهمام أحد كبار فقهاء الحنفية، وهو الرأي الراجح. دليل ترجيح الرأي الثالث: يدل على ترجيح هذا الرأي الاستقراء والتتبع، فإننا إذا تتبعنا الأوامر التي جاءت بطلب فعل شيء بعد حظره وتحريمه وجدنا أن الحكم الذي ثبت لهذا الشيء هو الحكم الذي كان موجوداً له قبل الحظر والتحريم. ومن أمثلة هذا قتال المشركين فهو واجب، وكان الشارع سبحانه قد حرمه أثناء فترة الأشهر الحرم، ثم جاء الأمر به بعد انتهاء هذه الفترة في قول الله عز وجل: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، والعلماء مجمعون على أن قتال المشركين بعد انتهاء الأشهر الحرم واجب، وهذا هو نفس الحكم الذي كان موجوداً لهذا الفعل قبل ورود الحظر والتحريم. ومن الأمثلة أيضاً زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نهى عنها لمصلحة اقتضت ذلك، لأنهم كانوا قريبي عهد بالجاهلية، ثم لما استقرت العقيدة في نفوسهم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بزيارتها، فقال عليه الصلاة والسلام: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة "، وقد أجمع العلماء على أن زيارة القبور مندوبة وليست واجبة، وهو نفس الحكم الذي كان لزيارتها قبل الحظر والتحريم. ومن الأمثلة أيضاً الاصطياد، فقد كان مباحاً ثم حرم أثناء الإحرام بالحج أو بالعمرة، ثم جاء الأمر به بعد الانتهاء من الإحرام، بقول الله عز وجل: (وإذا حللتم فاصطادوا) فالله عز وجل أمر هنا بالاصطياد بعد الحل من الإحرام، والأمر هنا دال على الإباحة وليس على الوجوب بإجماع العلماء، وهو نفس الحكم الذي كان موجوداً للاصطياد قبل حظره وتحريمه ( ) وإذا ترجح الرأي القائل بأن الأمر إذا ورد بعد التحريم يفيد رفع التحريم ويفيد الرجوع بالمأمور به إلى الحكم الذي كان قبل ذلك، فإن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: "اقبل الحديقة" جاء بعد التحريم في قول الله عز وجل: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً) فيرجع الحكم الأول وهو أن يكون الأمر للإباحة وليس للوجوب، وإذا كان الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس مفيداً للإباحة فإن الطلاق المرتبط به يكون هو أيضاً مأموراً به على سبيل الإباحة أو الإرشاد كما بين العلماء الذين ذكرناهم سابقاً. وبعد. فإن الاحتياط في التفريق بين الزوجين يستلزم القول بعدم إجبار الزوج على إجراء الخلع، أو تطليق زوجته خلعاً، ولابد من رضاه، لأن مجال الإبضاع من المجالات التي يجب الاحتياط الشديد فيها، فمع أن القاعدة في الأموال أن الأصل فيها الإباحة ما لم يرد حظر من الشارع كما يرى ذلك كثير من العلماء، فإن الإبضاع والدماء الأصل فيهما الحظر والتحريم ما لم يرد إباحة من الشارع ويجب أن نلاحظ أن الزوجة حلال لزوجها يقيناً وحرام على غيره من الرجال يقيناً، ولا يصح الخروج عن هذا اليقين إلا بأمر يقيني أو يقرب من اليقين، وإجبار الزوج على لخلع ليس يقينياً، وإنما هو رأي ظني، بدليل أن الكثيرين من العلماء لا يوافقون عليه، بل حتى الظاهرية، وهم أصحاب مذهب فقهي يأخذ بظواهر النصوص، وكان مقتضى هذا أن يقولوا بأن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " مفيد الوجوب، لكنهم لم يقولوا بالوجوب، بل قالوا بأنه لا يجوز إجبار أي من الزوجين على الخلع. فإذا كانت الزوجة حلالاً لزوجها يقيناً فلا يصح الخروج عن هذا الأصل اليقيني والحكم بتحريمها على زوجها وحلها لرجل آخر بأمر ظني. كما أن الأصل في الطلاق تضييق مجاله، والتوسعة فيه غير مستحبة ولا مطلوبة، لأنه يؤدي إلى هدم الأسرة، وقد يتعرض من جرائه الأطفال إلى الضياع والتشتت. وإجبار الزوج على الخلع، يمكن أن يؤدي إلى إحجام الشباب عن الزواج، مادام قد أصبح من السهل لكل زوجة أن تنفصل عن زوجها بهذه السهولة التي منحها لها القانون، وإحجام الشباب عن الزواج ينافي مقصداً من مقاصد الشرع، وهو حثه على الزواج وتكوين الأسرة، قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي وقاية من الوقوع في الخطأ. كما يجب أن يلاحظ أن بمقتضى حق الزوجة في الخلع دون رضا من الزوج، يجعلها لكلمة واحدة تطيح بالرجل في الشارع، فتخرجه من شقة لعله وضع فيها كل ما يملكه من مال حصل عليه بعمله وجده سنوات طويلة، لعلها كانت في غربة بعيداً عن وطنه، فتجئ الزوجة وترفع دعوى بالخلع، بعد أن أنجبت له طفلاً أو طفلة، فيحكم لها القضاء بالطلاق خلعاً، وبأحقيتها في الشقة التي يملكها الزوج وليس له مأوى غيرها، لأنها حاضنة، وعلى الزوج الذي كافح وبذل العرق والجهد في الحصول على هذه الشقة أن يتحمل عذاب بحثه عن شقة أخرى، وإذا وجد فلابد أن يصبر حتى تنتهي فترة الحضانة، لتعود إليه شقته التي وجدها بعد العمل والجهد الكبير، بل قد يضيع عليه ماله إذا حدث إن كان قد عامل زوجته بحسن نية، وبدافع من حبه لها، فكتب لها هذه الشقة، فيؤدي الخلع إلى أن يخرج من بيته باحثاً عن مسكن يلجاً إليه، وعازماً على أن يبدأ طريق الجهد والمشقة لتحصيل مال يشتري به أو يؤجر شقة، ربما تأخذها منه زوجة جديدة بعد هذه الزوجة وهكذا يدور الرجل في طاحونة لا يعرف كيف يفلت منها. إن حتمية الاستجابة للمرأة في الخلع ستؤدي إلى مضاعفة حالات الطلاق التي نشكو من كثرتها في مصر، فليس تطليق المحكمة بطريق الخلع للمرأة جبراً عن زوجها علاجاً لمشكلة أسرية يجب أن تكون باتفاق الطرفين، وإنما هو خلق لمشكلة جديدة، بل لمشاكل عديدة جديدة، سيسفر عنها تطبيقات هذا القانون الجديد، في السنوات القليلة الأولى من تطبيقه، والعمل به. الحواشي ( ) سورة الروم الآية رقم 21. ( ) سورة النساء الآية رقم 19. ( ) سورة البقرة الآية رقم 229. ( ) زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم ج4 ص 212، المطبعة المصرية. ( ) المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، باب الخاء مع اللام وما يثلثهما. ( ) سورة البقرة الآية 187. ( ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني ج9، ص 318، المطبعة الخيرية. ( ) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني ج4 ص189 مطبعة الإمام بالقاهرة. ( ) الشرح الصغير، لأحمد بن محمد بن أحمد الدردير ج2 ص 518. ( ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج9 ص 318. ( ) الحاوي الكبير للماوردي ج1 ص 3، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ج2 ص 347 طبع عيسى البابي الحلبي. ( ) نهاية المحتاج لمحمد بن العباس الرملي ج6 ص 393 دار الفكر - بيروت. ( ) كفاية الأخيار، للحصني ج2 ص 79. ( ) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد ج2 ص 79، 80. ( ) أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي ج1 ص 195 دار المعرفة ببيروت. ( ) نفس المصدر السابق. ( ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج9 ص 318. ( ) المغني لابن قدامة ج7 ص 52. ( )كفاية الأخيار لتقي الدين أبي بكر محمد الحسيني الحصيني ج2 ص 81. ( ) سورة البقرة الآية 229. ( ) سورة النساء الآيتان 20 - 21. ( ) سورة البقرة الآية 229. ( ) أحكام القرآن، لابن العربي، المجلد الأول ص 194. ( ) الجامع لأحكام القرآن ج3 ص 137، مطبعة دار الكتب المصرية. ( ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني ج9 ص 320، ونيل الأوطار، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، ج7 ص 34 دار الفكر. ( ) اضطربت الروايات في تسمية زوجة ثابت بن قيس، ففي بعضها أن اسمها جميلة، وفي رواية أن اسمها زينب، وفي رواية اسمها مريم، وفي رواية اسمها حبيبة. ( ) أي أكره لوازم الكفر من المعاداة، والنفاق، والخصومة، ونحوها. ( ) كان ثابت أمهر زوجته حديقة. ( ) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي ج3 ص 129. ( ) سورة البقرة الآية رقم 229. ( ) سورة النساء الآية رقم 20. ( ) سورة النساء الآية رقم 19. ( ) سورة البقرة الآية رقم 229. ( ) المغني لابن قدامة ج7 ص 52. ( ) فتح القدير للكمال بن الهمام ج4 ص 212، دار لفكر. ( ) بدائع الصنائع للكاساني ج4 ص 194. ( ) المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ج4 ص 64، مطبعة السعادة. ( ) المصدر السابق ج4 ص 64. ( ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج3 ص 137. ( ) المغني لابن قدامة ج7 ص 54، 55. ( ) المغني ج7 ص 52. ( ) كفاية الأخيار للحصني ج2 ص 84 - 86. ( ) المغني ج7 ص 57. ( ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج9 ص 318، وشرح السنة للبغوي ج9 ص 196، المكتب الإسلامي. ( ) سورة البقرة الآية رقم 229. ( ) سورة البقرة الآية رقم 230. ( ) فتح القدير للكما ل بن الهمام ج4 ص 212. ( ) بدائع الصنائع، للكاساني ج4 ص 1891 ( ) المغني لابن قدامة ج7 ص 57. ( ) المصدر السابق ج7 ص 56، 57. ( ) سورة الأعراف الآية رقم 43. ( ) سورة الحجر، الآية رقم 47. ( ) سورة الشعراء الآية رقم 33. ( ) بدائع الصنائع ج4 ص 1892. ( ) إذا رغب أحد الطرفين في عقد البيع أن يرجع في العقد، فوافق الطرف الآخر، فهذا يسمى إقالة، فيرد المشتري المبيع إلى البائع، ويرد البائع الثمن إلى المشتري. ( ) بدائع الصنائع، ج4 ص 1892. ( ) أحكام القرآن لابن العربي ج1 ص 195. ( ) نيل الأوطار ج7 ص 24. ( ) بدائع الصنائع للكاساني ج4 ص 1893. ( ) أحكام القرىن لابن العربي المجلد الأول ص 195، 196. ( ) حلي المعاصم، لمحمد التاودي، شرح تحفة الحكام لمحمد بن محمد بن عاصم ج1 ص 345، مطبوع بهامش البهجة في شرح التحفة لعلي بن عبد السلام التسولي، دار المعرفة، بيروت. ( ) صحيح البخاري بشرح الكرماني ج19 ص 198، المطبعة البهية المصرية. ( ) المنتقى، شرح موطأ مالك، تأليف أبي الوليد سليمان الباجي ج4 ص 61 - مطبعة السعادة. ( ) أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، الحنفي المذهب ص 468، المطبعة البهية المصرية. ( ) إذا اتهم الزوج زوجته بالزنا فإن الحكم الشرعي هو إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون أنها ارتكبت هذا الفعل، وجب أن يعاقب بجلده ثمانين جلدة، وأعطى الشرع للزوج إذا لم يكن عنده أربعة يشهدون معه على اتهامها بالزنا، الحق في اللعان، فيقول عند الحاكم في جماعة من المسلمين: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فعلاً من الزنا أربع مرات، ويقول في الخامسة بعد أن يعظه الحاكم: وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، فإذا فعل ذلك استحقت الزوجة عقوبة الزنا إلا إذا لاعنت هي الأخرى فتقول: أشهد بالله أن فلاناً هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات، وتقول في المرة الخامسة بعد أن يعظها الحاكم، وعلي غضب الله إن كان من الصادقين، فإذا تم اللعان منهما حصلت الفرقة بينهما إلى الأبد فلا تحل له مطلقاً تزوجت غيره أو لم تتزوج، والحاكم هو الذي يفرق بينهما فلا يحتاج الأمر إلى طلاق الزوج أو أي لفظ منه، فليس للزوج أي إرادة في التفريق بعكس الخلع. ( ) المحلى، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم ج11، ص 584، دار الاتحاد العربي. ( ) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، لأحمد بن يحيى بن المرتضي ج4 ص 179. ( ) أصول الفقه الإسلامي للدكتور عبد المجيد مطلوب ص 362. ( ) المحلى، لابن حزم ج11 ص 584. ( ) كفاية الأخيار للحصني ج2 ص 80. ( ) الحاوي الكبير للماوردي ج10 ص 6. ( ) سورة التوبة الآية رقم 6. ( ) أصول الفقه الإسلامي، للدكتور زكي الدين شعبان ص 32

عدد القراءات : 16327
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
سميرة
لا وجود لي كلمة خلع في القران