احدث الاخبار

فيلم للاجئين بعنوان: " مش للبيع " للمخرج جبريل أبو كميل

فيلم للاجئين بعنوان:
اخبار السعيدة - فلسطين - عز الدين شلح         التاريخ : 31-05-2009

كم أنت رائع يا وطني حين تبكي الرجال حنين إليك، كم أنت عزيز حين توصف بأنك الشرف المسلوب، حين نلمس بأن هناك من يؤمن بأن الوطن أكبر منا جميعا، مشهد يفتتح فيه المخرج جبريل أبو كميل فيلمه الوثائقي القصير ( 27:51 دقيقة ) بعنوان " مش للبيع " الذي يسرد فيه قضية اللاجئين والتي وصفها بأنها روح القضية الفلسطينية، مشهد تمتزج فيه دقات عزف لمقام كرد على آلة العود لأغنية موطني بكلمات نابضة من لاجئ فلسطيني يروي الحكاية: " بقول يا وطن ما في أغلى منك طلعت وما شبعت منك، طلعت وأنا ما شفت منك حاجة تنداس، وأنا ما وعيت عليك زي الناس إلا وأنا مشتت ومهاجر من هان لهان"، يختنق صوته وتتوه كلماته ولم يتمالك نفسه.. تبكي الرجال حنين إليك يا وطني.

تتلاشى صورة اللاجئ وتحل مكانها لوحة سوداء يدخل عليها اسم الفيلم " مش للبيع " في فكرة جميلة يحول المخرج كلمة " مش " إلى شكل مفتاح وهو ما يرمز لقضية اللاجئين المهجرين من وطنهم، كما وأن اسم الفيلم يعبر في مضمونه ويحمل في طياته صمود ورفض المواطن الفلسطيني للتفريط بأرضه.

تلتقط الكاميرا أزقة المخيم التي بالكاد تسع لشخص واحد لأطفال يلهون، يصاحبها عزف أغنية موطني، ونسمع صوت نادر البالغ من العمر اثنا عشر عاماً أحد أطفال مخيم الشاطئ ينادي بسكوت على نص شيكل، ولقطة لأقدام رجل يمشي بين أزقة الشوارع ترتفع الكاميرا في حركة للأعلى لنرى وجه رجل مسن منحني الظهر يتكئ على عكازه، وكأن الرسالة هنا تعبر عن زمن سنوات اللجوء، ولقطة لأقدام طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات ترتفع الكاميرا للأعلى لنراها تلهو في حبل خيمتها، وكأنها خلقت لتكون لاجئة، لعبتها الوحيدة خيمة اللجوء، نلمس بأنها مسلوبة الوطن والحرية، لقطات لأزقة مخيم الشاطئ وبرج البراجنة في بيروت، ومخيم عايدة وجباليا وما زلنا نسمع موسيقى موطني موحدة ما بين المخيمات، فلا فرق فيما بينهما فالأزقة هي نفسها، والمعاناة تكلل حياتهما، والطموح جامع بينهما، نسمع صوت تعليق يحمل في طياته ألم اللجوء: " لاجئ أنا هنا في وطني، في المنفى أحمل معي كل القصص والروايات، أتجول بها في ذاكرتي، ومرة أخرى في مشهد يستوقفني، حكايات تمر مرور الكرام، في تاريخ تصنعه بعض الأقلام، أما الحكاية فتعيش فينا"، من الواضح بان الكاميرا تنقلت بين أهدافها بشكل جميل، وهناك قوة في كتابة النص، وصوت تعليق وأداء ينسجم مع عمق السيناريو.

يربط المخرج أبو كميل، بطريقة ناجحة بين الطفل نادر ابن مخيم الشاطئ وبين ابن جيله الطفل عمر ابن مخيم برج البراجنة الذي يساعد والده في ورشة لتصليح السيارات، يتابعه بلقطات جميلة والكاميرا في وضع منخفض وهو يمشي داخل أزقة المخيم، لتظهر شموخه وكبريائه وثقته بنفسه وكأن الجيل القادم قادم ليعيد وطن آباءه وأجداده.. متمرداً على نكبة وطنه التي نشاهد لقطات منها لعام 1948.

نشاهد الحاج علي عوض أحد لاجئي برج البراجنة وفي خلفه المخيم، وكم جميل أن نسمع صوت آلة الناي تصاحبه وهو يجيد بموال للوطن: " يا ريت بقية العمر في الوطن مضناها.. أمواتنا في بلادنا دفناها.. وعكا وحيفا يا عيني ما أحلاها.. وريحة بلادي ما بنساها". نشاهد بانوراما لمدينة عكا، بحرها وسفنها وصخرها وجمالها، يتخللها صوت آلة الناي التي تخلق علاقة شوق وحنين لترابها، ينهي المشهد بلقطة معبرة لبحر عكا وهو خلف قضبان حديدية تعبر عن أسرها في يد الاحتلال.

فيلم " مش للبيع " يوثق لجيل عاش وتعايش مع نكبات القضية، وهم الشهود على حجم الجريمة الإسرائيلية، وصفوا كيف واجهوا في نكبة عام 1948 الدبابات الإسرائيلية بصدورهم العارية، وكيف أخذت الطائرات الإسرائيلية بإسقاط القنابل عليهم، وأن الوطن شرفهم وليس للمقايضة، ولا يمكن التخلي عنه فالعودة حق مقدس لا يسقط بالتقادم، عادوا بذاكرتهم، لحنين هواء حيفا، تمنوا العودة ولو ساعة واحدة لفلسطين والموت فيها أختنق صوته.. أبكاه الشوق للوطن.

في مشهد عام بانوراما لنكبة غزة 2009 يصاحبه صوت آلة الناي، نشاهد خيم النكبة الجديدة، لقطات لامرأة وأطفال فوق ركام منزلهما، نشاهد الطفل مصعب معروف البالغ من العمر قرابة الثماني سنوات بين الخيام يعبر عن أحاسيسه بصدق وتلقائية وتمرد: " معندهمش ضمير ولا رحمه ولا عفو بيرحلوا الفلسطينيين في البرد وفي الليل برحلوهم حافيين، يعني الصور اللي بشوفها على التلفزيون لما بقوا الفلسطينيين يرحلوا بشوف إني بطبقها".

المخرج أبو كميل أختار أن ينهي فيلمه في المخيم، انتقل بلقطات من الخيام إلى المخيم وبقي صوت الناي يوحد فيما بينهما وحتى أنه وحد في استخدام نفس مقام كورد الذي استخدمه في أغنية موطني، لنشاهد أزقة المخيم وجدرانه وصوت تعليق يحمل المعاناة والخوف من مستقبل مجهول للمخيم:" في المخيمات توضع القليل من النقاط على الحروف، وتكتب على الجدران أزمة سكانها، ةسترسل مياه الصرف الصحي في تعزيزها، وغداً ربما تعنون بممنوع الدخول، خطر.. موت.

ناقد سينمائي فلسطيني

Samed_tv@hotmail.com

عدد القراءات : 3039
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات