احدث الاخبار

الرئيس صالح.. إعادة التوازن الخليجي بتحالف تركي إيراني

الرئيس صالح.. إعادة التوازن الخليجي بتحالف تركي إيراني
اخبار السعيدة - قراءة تحليلية : نزار العبادي         التاريخ : 02-01-2011

رغم ما تحضى به العلاقات اليمنية- الخليجية من أولويات تتصدر أبجديات السياسة الخارجية اليمنية، غير أن التطورات الإقليمية والدولية التي تخللت العقدين الماضيين فرضت العديد من المتغيرات التي أعادت لف الطوق الخليجي حول عنق اليمن، وحاصرت خياراته الوطنية بمرحلة حرجة لم تكفل لصنعاء فرصة إعادة توازناتها السياسية الخارجية بالقدر الذي يتيح لها بدائلاً للمناورة، خاصة وأن مبدأ "الأولوية الخليجية" ظل ثقافة أحادية يتعاطى معها الخليج بطريقة بروتوكولية تفتقر للبعد الاستراتيجي، وأحياناً بنظرة دونية!

ففي الوقت الذي ينظر العالم إلى التجاور اليمني مع دول الخليج الثرية على أنه وضع كافل لاقتصادها، إلاّ أن الحقائق كلها تذهب إلى حالة معقدة من العلاقة التي ظلت بغياب الرديف الثالث تكبد اليمن التكلفة الأكبر في تاريخها، والتي لا يمكن لأي مساعدات خليجية أن تعوضها فاتورتها الباهضة.. الأمر الذي ظل يفرض على صنعاء إعادة حساباتها السياسية مجدداً والبحث عن قطب ثالث يعتق رقبتها من الطوق الخليجي، والذي بدت المؤشرات الحالية تتجه إلى ما نرجح بأنه بوادر تحالف إستراتيجي يجمع اليمن بقطر وإيران وتركيا وسوريا. 

• خلفية العلاقات اليمنية- الخليجية:

فاليمن، التي لولا مساندة مصر عبد الناصر لثورتها الجمهورية 1962م لظلت ترزح حتى اليوم تحت الحكم الملكي الإمامي المدعوم سعودياً، لم تفلح في الحد من التدخلات الخليجية المباشرة التي تحرك أدوات الحكم إلاّ مع تسنم الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم 1978م، الذي أوجد توازنات جديدة للسياسة اليمنية الخارجية وذلك عبر ثلاث خيارات: الأول هو الاستفادة من التنافس العراقي- السعودي على مركز النفوذ الإقليمي، والتجاذب مع العراق وسوريا بقوة جعلت منه ثقلاً موازياً للسعودية، أسهم في الحد من تأثير الأخيرة على الساحة الداخلية اليمنية..

أما الخيار الثاني فهو الاستفادة من خلافات السعودية مع الأقطاب الخليجية الأخرى التي كانت تتطلع إلى الانعتاق من هيمنتها، لتدخل هي الأخرى حلبة التوازنات بأدوار إقليمية، كان أكبرها دور الكويت التي احتضنت حوارات واتفاقيات الوحدة بين الشطرين، بجانب دعم مادي قدمته جميع الأطراف- ربما كان بعضه بنوايا غير سليمة تستهدف المملكة. 

أما الخيار الثالث، فكان أن نجح الرئيس صالح باستفزاز الولايات المتحدة بانفتاحه على الاتحاد السوفيتي "آنذاك" بصفقة سلاح تزيد قيمتها عن 600 مليون دولار، فاجأت حينها الرئيس "كارتر" بجرأة الرئيس اليمني الجديد "صالح" في الانفتاح على نفس الدولة الراعية لنظام خصمه اللدود في الشطر الجنوبي. فاندفعت واشنطن بحماس لدعم صنعاء والشروع بالتنقيب عن ثرواتها النفطية، وتعزيز قدراتها العسكرية، في نفس الوقت الذي حقق اليمن توازناً بين المعسكرين "الاشتراكي والرأسمالي".

إن تلك التوازنات جعلت من عقد الثمانينات عصراً ذهبياً، فجرّ حراكاً تنموياً يمنياً غير مسبوق، لم يكن العراق والخليج قطبيه الوحيدين بل أيضاً الولايات المتحدة.. غير أن هذه التوازنات انهارت جميعها يوم الثاني من أغسطس 1990م بغزو العراق للكويت، ثم تمسك صنعاء بالخيار العربي ورفض التصويت على التدخل الأجنبي، الذي اعتبرته دول الخليج وحلفائها إنحيازاً مع النظام العراقي.. فترتب عن تداعيات الحرب إنهياراً كاملاً لمعادلة التوازن اليمنية، حيث خسرت اليمن حلفائها الإقليميين جميعاً، في نفس الوقت الذي خبت فيه حماس حلفائها الدوليين، خاصة الولايات المتحدة التي تحررت من قلق التحالفات السوفيتية بالمنطقة بعد إنهيار الاتحاد برمته.

وعندما بدأت الدبلوماسية اليمنية منتصف تسعينات القرن الماضي بامتصاص الغضب الخليجي، فإن جهدها أسفر عن إعادتها إلى نفس مربع السبعينات و"الأحادية القطبية الخليجية" جراء خروج العراق من معادلة التوازنات الإقليمية، وتراجع الحماس الأمريكي، واستعادة الخليج لبعض تأثيره على الساحة اليمنية..

ومن هنا كانت اليمن كلما اقتربت من الخليج أكثر كلما اشتدت أزماتها الداخلية أكثر بفعل ما دأبت عليه بعض الأقطاب الخليجية من تدخلات بشئونه، ونظراً لعدم استناد العلاقات السياسية إلى قاعدة مصالح اقتصادية مشتركة ومتينة تسهم في تعزيزها، وتحفظ توازنها.

• خسائر فادحة ألحقها الخليج باليمن

أولاً- انتقمت دول الخليج من الموقف اليمني حول غزو الكويت ليس فقط بقطع المساعدات، بل بطرد نحو اثنين مليون مغترب يمني وحرمان اليمن من عائداتهم، مما تسبب برفع معدلات البطالة والفقر، وانخفض متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 701 دولار في عام 1990م إلى 365 دولار عام 1994م.. فكان أن وصف ذلك وزير الخارجية الأمريكية "جيمس بيكر" بأنه (الموقف الأكبر تكلفة في تاريخ البشرية)!!

ثانياً- بمعزل عن حسابات غزو الكويت، واجهت اليمن عام 1994م أكبر مؤامرة خليجية دفعت ثمنها (6000) شهيداً من أبنائها، و(13) ألف جريح، و(12) مليار دولار، وذلك من خلال الدعم الخليجي السياسي والمادي العلني لحرب الانفصال، والذي شذت عنه دولة قطر بوقوفها مع اليمن ضد الانفصال ودعمتها مادياً وسياسياً.. ولا أحبذ الخوض بتفاصيل ذلك، لكن وددت التنويه إلى أن تلك الخسائر تفوق كل ما قدمته دول الخليج من دعم لليمن منذ يوم خلقها الله وحتى هذه الساعة.

ثالثاً- حرب صعدة التي كلفت اليمن نحو (3000) آلاف شهيد وآلاف الجرحى ونحو (3) مليارات دولار، لم تكن سوى ردة فعل على تدخلات سعودية لتصدير فكرها "الوهابي" إلى صعدة التي تعد مهد "الزيدية" منذ قدم التاريخ، من خلال ضخ أموال طائلة بدأت من خلالها بطمس هوية "دماج" والعديد من مناطق "كتاف" بدءً من "المجزعة" ووصولاً إلى "العطفين" و"البقع"، ويستثنى "الفرع"، وزحفت باتجاه العديد من مناطق صعدة والجوف، بل واتخذت طابع حرب ثقافية طالت المخطوطات، وعرضت مكتبة جامع "الإمام يحيى" للنهب مرة، وللحرق مرة أخرى.. وأنتجت تلك التدخلات مناخاً متوتراً قاد في النهاية للعنف.. ولم تكن تختلف بشيء عما تردد مؤخراً من اتهامات لإيران بتصدير "الإثنى عشرية"، فكلاهما دخيلان على الثقافة اليمنية؛ لكنهما اتخذا صعدة ساحة تصفية حسابات سعودية- إيرانية؛ ليعيد التاريخ نفس مشهد الستينات حين تحولت صعده لساحة تصفية حسابات سعودية- مصرية..!

رابعاً- تكبدت اليمن عشرات مليارات الدولارات جراء تصدير الإرهاب إلى ساحتها من السعودية بدرجة أساس.. فمعروف للجميع أن اليمنيين أما "زيود" أو "شوافع" وليس في المذهبين تطرف وتكفير إطلاقاً.. كما أن اليمن بلد فقير فيما الإرهاب يتطلب موارد مالية طائلة، فظلت الساحة الخليجية مصدراً رئيسياً لتمويل الإرهاب في اليمن. ويكفي اعترافات "هيلة القصير" لتأكيد هذه الحقيقة التي تدفع اليمن ثمنها عشرات المليارات سنوياً، ومن سمعتها أيضاً.. ولا أعني هنا اتهام جهات رسمية فالدولة السعودية أيضاً متضررة من الإرهاب، لكن القصد هو جهات مدنية.

رابعاً- اليوم تواجه اليمن مؤامرة انفصالية جديدة، وتتعرض مدنها الجنوبية للتخريب، وأبنائها للقتل على الهوية بسبب آلاف العناصر الانفصالية الذين تحتضنهم دول الخليج- وهم نفسهم الذين دعمهم الخليج بمؤامرة 1994م وفشلوا ففتح الخليج أبوابه لإيوائهم.. وهؤلاء يمارسون نشاطاً سياسياً وتعبوياً مفتوحاً على الأراضي الخليجية، ويتولون تمويل "الحراك" بصورة علنية، ويكبدون اليمن خسائراً بالمليارات، ويعرضون سيادتها الوطنية لخطر التمزيق..

خامساً- تتحمل اليمن بسبب جوارها للخليج الثري أعباء مكافحة تهريب المخدرات التي تستهدف بالأساس السوق الخليجية، وكذلك تواجه اليمن موجات نزوح أفريقية هائلة قاصدة التسلل للدول الخليجية- حسب تقارير المفوضية العليا للاجئين.. وكلها أعباء ليس لليمن فيها ذنب سوى جوارها لدول ثرية..!

سادساً- أسهمت سياسة الاستقطاب السعودية للمشائخ والوجاهات القبلية اليمنية، وما تدره عليهم من أموال طائلة في زعزعة أمن واستقرار الساحة اليمنية، وخلق تكتلات متنفذة ظلت مصدر صدام مستمر مع الدولة من جهة، ومع كيانات قبلية أخرى من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة دأبت المملكة على اتخاذ هذه القوى كأدوات تحركها للتأثير على دوائر صناعة القرار السياسي اليمني.

وفي ضوء ما سبق تتجلى أمامنا حقيقة في غاية الأهمية هي أن دول الخليج لم تكن مصدر دعم لليمن، بقدر ما كانت مصدر تحديات عظمى فرضتها على اليمن.. وإن إجمالي ما قدمته من مساعدات لليمن منذ قيام الجمهورية 1962م وحتى اليوم أقل بكثير من الخسارة التي نكبت بها اليمن جراء تلك السياسات..

• صالح أمام خيارات محدودة..!؟

قد يكون من الخطأ إلقاء اللوم كاملاً على الدول الخليجية، فالدولة اليمنية تتحمل قسطاً منه لأن كثيراً من تلك التدخلات تتم بعلم سلطاتها، دون أن تقابل بعدم الرضا أو الاعتراض، وأحياناً تكون خارج نطاق سيطرتها بحكم التداخل الجغرافي والاجتماعي.. 

ولكي يكون تشخيصنا لإشكاليات العلاقات اليمنية- الخليجية أكثر دقة لابد من التوقف عند أمرين هامين: الأول هو أن كل ما سبق ذكره يؤكد أطروحات صنعاء حول "الأولوية الخليجية" في العلاقات الخارجية اليمنية، وكذلك مطلبها في الاندماج بمجلس التعاون الخليجي، نظراً لحجم التأثر والتأثير القائم بين ساحتي اليمن والخليج والتي خلقت كل تلك التفاعلات.. والأمر الثاني هو أن المنحى السلبي للعلاقات الخليجية مع اليمن كان على الدوام قرين مراحل اختلال موازين التأثير الخارجية التي تضع اليمن رهن أحادية قطبية سياسية لا تمنحها أية خيارات بديلة- كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر..

ومع أن الرئيس علي عبد الله صالح يدرك صعوبة وضع كهذا، في ضوء ما يعتقده في أدبياته السياسية بأن تنمية المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدول هي القاعدة الأولى لتعزيز العلاقات السياسية، وظل يدعو لإقامة تكتلات إقليمية ودولية، إلاّ أن خياراته ظلت محدودة.

فقد حاول الرئيس صالح الانفتاح غرباً بالاتجاه الإفريقي بإنشاء (تجمع صنعاء) في 30 ديسمبر 2003م والذي ضم "اليمن- أثيوبيا- السودان- الصومال"، ودعيت إليه مؤخراً "أرتيريا وجيبوتي"؛ لكن طبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول التجمع لم تكفل الحد الأدنى من الطموح اليمني، حيث لم يسفر التجمع لحد الآن عن أي تفاعلات ذات أهمية إستراتيجية، خاصة أن هذه البلدان تكاد تتماثل بظروفها الاقتصادية المنهكة..

وكان الخيار الآخر باتجاه أوروبا، وشهد تفاعلاً مبكراً منذ أواخر تسعينات القرن الماضي لكن ذلك التفاعل أخذ بالانحسار التدريجي بعد أحداث 11 سبتمبر 2003م، ووصم اليمن بالإرهاب الذي انعكس سلباً على الاستثمارات الخارجية في اليمن، واضعف شهية الأوروبيين. ورغم الإغراءات التي قدمتها صنعاء للأوروبيين على الصعيد الاستثماري والديمقراطي- على حد سواء- إلاّ أن أوروبا هي الأخرى لم تسلم من تأثير الهيمنة الأمريكية التي جرفتها إلى حلبة صراعات اقتصادية وسياسية جديدة نأت بها عن طموحها في إحياء نفوذها في الإقليم اليمني..

وعلى صعيد العلاقات اليمنية- الأمريكية فأنها ظلت موضع جدل كبير، وعدم توافق في كثير من الأحيان على خلفية رفض صنعاء توقيع اتفاقية أمنية مع واشنطن من جهة، ومن جهة أخرى معارضتها لكثير من الطلبات الأمريكية المتعلقة بتسليم مطلوبين على ذمة قضايا الإرهاب، أو استحداث قاعدة عسكرية، أو ما شابه من التدخلات التي ترى فيها صنعاء انتهاكاً لسيادتها الوطنية- أو على أقل تقدير- تخشى ردود فعل ساحتها الشعبية إذا ما انصاعت لها، على غرار ما حدث تجاه قيام ما يعتقد أنها طائرات أمريكية بضرب "المعجلة" في أبين.

وبدا واضحاً أن تزايد حماس صنعاء مؤخراً للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي لم يكن ينطلق فقط من حسابات اقتصادية بحتة، بقدر حساباتها المرتبطة أولاً- بمبدأ أن قوة المصالح الاقتصادية المشتركة هي مصدر قوة العلاقات السياسية وصمام توازنها، وبالتالي فهي توجه نحو تعزيز التكافؤ السياسي.. وثانياً- مرتبطة باستراتيجيات الأمن القومي في ظل التطورات الدولية التي توجست منها اليمن مخاوفاً من محاولات تدويل البحر الأحمر، وفرض هيمنة دولية على "باب المندب"، فضلاً عن مخططات تمزيق اليمن.

 لكن مؤشرات التجاوب الخليجي ظلت ضعيفة جداً، وكان كل طرف يتنصل ويلقي بالمسئولية على الآخر. كما لم تفِ معظم هذه الدول حتى بالدعم "المتواضع" الذي أعلنت في "مؤتمر لندن" أنها ستقدمه لليمن.. وظلت ساحاتها مفتوحة لنشاط سياسي يدعو لتشطير اليمن. ولم تسفر الأعوام الثلاثة الماضية عن أي نقلة نوعية من شأنها التأثير ايجابياً في الأرقام الاقتصادية، بل على الصعيد السياسي كانت هناك ضغوط خليجية لإقناع السلطة بالتفاوض مع القيادات الانفصالية على مشاريع انفصالية مغلفة بعباءة فيدرالية..!

• منعطف يقلب طاولة الرهان

في أكتوبر 2010م المنصرم، وبفعل سيناريو خليجي، كانت اليمن قاب قوسين أو أدنى من التعرض لضربة عسكرية أمريكية بتهمة "الطرود المفخخة" التي كانت السعودية على علم مسبق بها ولم تخبر اليمن رغم وجود تنسيق أمني مشترك بين البلدين على صعيد مواجهة الإرهاب.. لكن ردود الفعل الشعبية والدولية الصاخبة أجبرت واشنطن على التراجع، في نفس الوقت الذي كانت السعودية تمثل دور الضحية التي جنت عليها اليمن.

لقد مثلت حادثة "الطرود"- وما أعقبها من حملات تصف اليمن بالبلد المنهار، وتشبهه "القبس" الكويتية بـ"أفغانستان أيام الاحتلال السوفيتي"- في بعدها الاستراتيجي منعطفاً جديداً على الصعيد السياسي الخارجي في ضوء الموقف اليمني العنيد تجاه محاولات التدخل العسكري الأمريكي بالمنطقة، والذي كانت له أهميته القصوى في إعادة تقديم صنعاء كلاعب قوي يتمتع بجرأة مناورة اللاعبين الدوليين الكبار، رغم صعوبة ظروفه الداخلية. 

وكان ذلك التطور ملفتاً بقوة لكل من طهران وأنقرة- اللتان سطع نجماهما خلال العامين الماضيين كقطبين مناهضين بشدة لإسرائيل- وأعاد تسليط الأضواء على أهمية دور اليمن في الصراع القائم، وخطورة ما يحاك ضدها، وجسامة تداعياته على موازين القوى الدولية إذا ما نجحت المخططات في جرّ اليمن إلى "الصوملة"، ثم تدويل البحر الأحمر بدواعي حماية ممرات الملاحة الدولية..

ومن واقع هذا القلق، وحسابات توازن القوة، انتعشت مجدداً المشاريع السياسية التي همس بها بعض الزعماء على هامش قمة الدوحة في يناير 2009م، والتي كانت مخصصة لمواجهة العدوان الصهيوني على غزة. وكان بين تلك المشاريع فكرة الحلف العربي الإسلامي الذي تنامت أهميته إثر التطورات التي شهدها عام 2010م من اعتداء إسرائيلي على سفينة السلام، ورفض قرار مجلس الأمن بوقف بناء المستوطنات، وقيام تل أبيب بتهديد سوريا تارة، وباجتياح لبنان تارة ثانية، وضرب إيران تارة ثالثة، وتوتر علاقاتها مع تركيا، وهي بمجملها وضعت إسرائيل على قمة الأخطار التي تهدد سلام الشرق الأوسط.

وبحسب المعلومات التي بين أيدينا، فإن التوجه السياسي القائم يتجه نحو بناء محور استراتيجي يضم (إيران، تركيا، قطر، سوريا، اليمن) بمواجهة مخططات الهيمنة المطلقة.. حيث شهد شهر ديسمبر 2010م تحركات نشطة على هذا الطريق، استهلها أمير قطر بزيارتين إلى إيران وتركيا، وزيارة للرئيس السوري إلى تركيا، ثم زيارة لنائب الرئيس الإيراني لليمن حاملاً رسالة من الرئيس "أحمدي نجاد" الذي يتطلع إلى فتح صفحة شراكة إستراتيجية على الصعيدين السياسي والتنموي.. فيما تترقب صنعاء زيارة للرئيس التركي في منتصف يناير الجاري، والذي سيرافقه وفد كبير من ممثلي مختلف القطاعات التنموية، وبما يؤكد أن أنقرة في طريقها لمد أوسع جسور شراكتها مع صنعاء.

وتتوافق هذه التطورات إلى أبعد حدود مع الأدبيات السياسية للرئيس صالح الذي ترى في تنمية المصالح الاقتصادية المشتركة سبيلاً لتعزيز العلاقات السياسية.. وهو المدخل الذي تحاول طهران وأنقرة العبور منه إلى كسب لاعب عنيد في محور مناهضة سياسات الهيمنة الدولية، بل ويعد أهم أوراق حماية توازن القوة بالمنطقة بفضل موقعه الاستراتيجي.

ويجد الرئيس علي عبد الله صالح نفسه اليوم أمام فرصة ذهبية من المستبعد جداً تفويتها في تصحيح المعادلات السياسية الخارجية التي ستمنح قراره السياسي خيارات إضافية للمناورة قد تتفوق على الخيارات الخليجية التي ظلت على مدى عقدين كاملين تحاصر اليمن باشتراطاتها المعقدة وأنفاسها الطويلة، وكذلك بخصوصياتها الوطنية التي تعول على ارتباطاتها الغربية بدرجة كبيرة في تأمين حماية بلدانها من التهديدات الخارجية.. وتلك خصوصية مثيرة لجدل كبير حول ماهية العمق الاستراتيجي لليمن..!

لا شك أن أهمية التوجه التركي- الإيراني نحو اليمن لا تنحصر في معطياتها المنعكسة إيجاباً على الأمن القومي اليمني، وتعزيز موقفه السياسي في الساحة الدولية، بل تمتد إلى آفاق أخرى رحبة منها الجانب التنموي. حيث أن كلا البلدين يتمتعان بمركز اقتصادي قوي، وحركة صناعية وسياحية نشطة، وخبرات علمية متقدمة ومن شأن اليمن الاستفادة من كل ذلك في تنشيط الحركة الاستثمارية وتطوير بناها التحتية، فضلاً عن الاستفادة من قوة مراكزها المالية في تمويل بعض المشاريع الحيوية. فيما على الصعيد التجاري قد تمثل اليمن لتركيا وإيران بوابة العبور إلى أسواق أفريقيا التي تتمتع اليمن بعلاقات متينة مع بلدانها، في نفس الوقت الذي ستتكفل هذه العلاقة لليمن منافذاً تجارية جديدة تتيح لها دخول أسواق دول آسيا الوسطى والقوقاز وجنوب أوروبا، وجميعها مناطق غنية بالثروات.  

وعلى الصعيد السياسي، فإن الانفتاح التركي الإيراني على اليمن سيقود إلى كسر العزلة التي آلت إليها اليمن مؤخراً، وتوسيع خيارات صنع القرار، وتعزيز مواقفها السياسية في الساحة الدولية، وتعظيم دورها الدبلوماسي أقليمياً من خلال لعب دور الوسيط في بعض الإشكاليات الخليجية مع إيران التي تشهد العلاقة بينهما توتراً، بجانب ما يمكن استثماره من تأثير إيراني على الحوثيين في الحيلولة دون عودة التوتر، وإغلاق قنوات الدعم والتمويل.. فضلاً عما سيشكله هذا الانفتاح من أهمية على صعيد العلاقة مع الدوحة ودمشق اللذان يعدان جزءً أساسياً من مكون المحور التركي الإيراني..

ومن المؤكد أن توثيق العلاقات اليمنية مع دولتين بثقل تركيا وإيران من شأنه التأثير إيجاباً على العلاقات اليمنية- الأمريكية، والحد من ضغوط واشنطن على صنعاء، وتوسيع حجم المساعدات المقدمة لليمن للحيلولة دون استغلال طهران للاحتياج اليمني في مدّ وتعزيز نفوذها في هذه المنطقة الإستراتيجية التي يرتبط وضعها بالأمن القومي للولايات المتحدة..

وقد تكون الحساسية المفرطة في العلاقة بين واشنطن وطهران من جهة، وبين طهران والرياض من جهة أخرى، فرصة ثمينة أمام الرئيس صالح لقلب طاولة الرهانات السياسية الخارجية، واللعب مجدداً بأوراق توازنات القوة واستثمارها في خدمة المصالح الوطنية اليمنية، وبنفس المهارة التي استهل بها عهده السياسي. 

عدد القراءات : 3817
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات