احدث الاخبار

السرنمة العربية .. إلى أين؟!

السرنمة العربية .. إلى أين؟!
اخبار السعيدة - بقلم هايل المذابي         التاريخ : 24-05-2009

* لم تكن حالة بني إسرائيل – عندما تركهم موسى عليه السلام أربعين ليلة، وأضلهم فيها السامري وأخذوا يعبدون العجل – حالة انزياح كما يظن البعض وإنما حالة أشبه ما تكون بعملية التنويم المغناطيسي قام بها السامري في غياب موسى عليه السلام.
-إنها حالة مرضية أصابت بني إسرائيل وتفشت بل واستفحلت فيهم وبدت أعراضها في عبادتهم للعجل.
-إنها حالة مرضية تعني مشي الإنساني وهو نائم، ولا يصحوا منها إلا عندما يجد علامة مرتبطة بذاكرته – يتنبه بها ويفيق من حالته ويستعيد بها وعيه.. وهي إلى حد كبير شبيهة بعملية التنويم المغناطيسي كما ذكرنا سابقاً.
- إنها حالة "السرنمة"
... لو تجاوزنا عصوراً كثير من العصور العربية وابتدأنا من العصر الجاهلي لوجدنا أن العرب كانوا يعانون من حالة "سرنمة" حتى جاءت العلامة التي يفيقون بها، هم وأحبار اليهود الذين كانوا ينتظرونها، متمثلة في شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، وما كادت ثلاثة وعشرون عاماً تمر ويدخل العرب في عصر الخلفاء الراشدين حتى تبدأ حالة السرنمة، وتظهر أعراض عودة العرب إلى سرنمتهم، مبتدئة من حروب الردة، ثم قتل الخلفاء ثم النزاعات التي سبقت حكم بني أمية، و ما يكاد يمرقون من الزمان على عصر الرسالة حتى تأتي العلامة التي يفيق بها العرب من سرنمتهم والتي ضمنها لهم عليه الصلاة والسلام بحديث " يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
وعلى اعتبار أن لفظ "من" في الحديث "من يجدد لها دينها" آيل للجمع وليس للمفرد، نجد جيلاً كاملاً من التابعين كانوا هم العلامة الأولى التي جاءت في أواخر المائة الأولى وبداية الثانية، والكلام مبني على أساس أن الدعوة الرسولية كانت أو كان يمثلها فرد واحد، لكن مظاهرها تجذرت في جيل كامل من الصحابة وامتد هذا التجذر إلى التابعين، بكلام آخر أن الجمع في لفظ "من" في الحديث السابق ما هو إلا امتداد للمفرد.
وتتوالى الأزمنة ويدخل العرب في عصور جديدة وصراعات جديدة وتعود حالة السرنمة إليهم بدرجة أكبر من مراحلها السابقة وكأن ثقلها ناتج لعامل المتغيرات الزمنية ومرتبط بحجم أو بقدر المتغيرات السيسولوجية والإيديولوجية عبر العصور.
ولو تجاوزنا كل تلك العصور، باعتبار أن الرؤية قد اتضحت بهذا التقديم وانتقلنا إلى عصرنا الراهن وواقعنا المعايش مروراً بالحروب والاستعمارات وقيام الثورات، ومن ثم نزاعات الحكم التي تلت الثورات لوجدنا أن الوطن العربي بأكمله يعاني من حالة سرنمة ثقيلة تجسدها وتبرزها.. النزاعات والصراعات الطبقية والمذهبية والعرقية.. الاستنفارات الأمنية التي تسببها عمليات التفجير والاغتيالات، فوبيا الأحزاب من الفشل في الانتخابات، التدهورات الاقتصادية، التناقضات السياسية والاجتماعية، الشروخ الفكرية والثقافية، استاتيكية المناهج التعليمية، روتينية الإعلام المملة، والكثير الكثير من الحالات التي تؤكد معاناة المجتمع العربي من سرنمة ثقيلة وتشير إلى أنها متجذرة فيه وستتجذر في الأجيال اللاحقة بثقل موازي ومراعٍ للمتغيرات والتطورات الطارئة على العالم الخارجي.
- إن مشكلة – المجتمع العربي – ليست في "السرنمة" ولكنها في أننا كلما أتتنا علامة لنفيق بها، نكتشف في لحظة إفاقتنا أننا كنا في حالة لا شعورية أو بالأصح "سريالية غبية" وأننا قد اقترفنا أخطاء كثيرة وفي نفس اللحظة نتوجه نحو النقد والمراجعة والتصحيح، ومحاولة ترميم ذاك الصدع الفكري وتلك النتوءات والشروخ الثقافية وردم تلك الهوة التي اتسعت كثيراً وصارت تمثل حاجزاً بيننا وبين عروبتنا وديننا وهويتنا وحضارتنا، التي استلبت منا أثناء سرنمتنا، حينها وفي ذات اللحظة تبدأ الأفكار العنقائية والسرابية بالانتصاب أمامنا، ونتيجة لحالة الفزع والهلع المصابون بها تعمى بصائرنا ويخدعنا بريق تلك الأفكار، فننسى أو نتناسى غاية جوهرها من أنه دعوة إلى سرنمة جديدة أثقل من سابقاتها، أساسها الثقة المتبادلة بيننا وبينها، ثقتنا في أنها العلاج السحري الفعال لكل مشاكلنا ولكل خسائرنا التي خسرناها جراء غبائنا السريالي لحظة كنا متسرنمين وثقتها التي تبادلها إياها في أنها ستوفر لنا مكاناً مريحاً في عالم "السرنمة" يضمن لنا وجودنا كإحدى كماليات هذا الكون.
وهكذا يظل الحال دواليك دواليك من سرنمة إلى سرنمة ومن ثقيلة إلى أثقل.
-إن السرنمة أصبحت في كل مكان من حولنا، سرنمة تعشعش في عقولنا سرنمة تتبعنا بل عشقتنا كظلنا، سرنمة نقتاتها، سرنمة في مياهنا، سرنمة في علاقتنا وتعاملاتنا وصراعاتنا، في اقتصادنا وسياستنا وإعلامنا ومناهج تعليم فلذات أكبادنا، حتى الآمنا وأحزاننا وأفراحنا، وحتى قلوبنا وحبنا كرهنا ودمائنا وهوائنا وأفكارنا، كلها صارت متسرمنة.
ولا أنسى ولاءنا لأوطاننا وتاريخنا وإخلاصنا ووفاءنا، أصابتها السرنمة أيضاً.
سرنمة .. سرنمة في كل شيء.. هكذا وصلنا إلى قمة البارانويا.
-إلى متى سيظل حالنا هكذا، هل ننتظر "المهدي المنتظر" حتى نفيق من سرنمتنا، أم أننا نتأسى بأهل الكهف، ولم نفكر في أنهم ناموا نومةً واحدة، وعندما أفاقوا لحقوا بالركب وواكبوا متغيرات عصرهم ولم يناموا مرة أخرى.
-كثيراً ما يخطر لي أن أسأل عن مصير أولئك العرافين ومفسري الأحلام، ولماذا لم يعودوا يأتوا فربما تحصل المعجزة ونرى في سرنمتنا رؤيا أو حلماً نحتاج إليهم في تفسيره..
-آه .. كم هذا العالم سادي..!!
كم هو ساديٌ حين يتفرج على اصطداماتنا ونحن مسترنمون بتلذذ وكأنها معركة ديكة.. ينتظر نهايتها حتى يكسب الرهان.
-لعلنا لم نتعلم من الدروس القديمة، فيوماً ما كان للفئران حلم، وتحقق الحلم وتسبب في تفريق وهجرة أولئك المتسرنمين الذين ندين لهم بوجودنا.
ومرت الأعوام وتوالت السنين وصار للفئران حلم أكبر بكثير من حلم الماضي راعى فارق الزمن والعصر، ولعلها تسعى الآن لتحقيقه..
حينها..!!
لن نجد مكاناً في هذا العالم حتى نرحل إليه، وسنصبح نحن يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى..

 


هايل علي المذابي- صنعاء

HAYYL83@YAHOO.COM

عدد القراءات : 3907
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات