احدث الاخبار

نحو اقامة أمة أسلامية

نحو اقامة أمة أسلامية
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 10-12-2010

إن الإسلام هو الدين العالمي الصالح لكل زمان ومكان، وقد صدق الله تعالي في قوله جل شأنه:- "إن الدين عند الله الإسلام…"(آل عمران 19).فالمسلم الحق الذي يؤمن بالله إيمانا صادقا يحس بعزة نفسه؛لأن الإيمان الصادق يجعل المؤمن عزيز النفس ؛ولكن كيف حرص الإسلام علي عزة نفس المسلم؟ ولماذا؟ نقول :إن الإسلام يحرص علي عزة نفس المؤمن وقد بلغ في ذلك الحد الأ قصي حيث كان من أسماء الله عز وجل العزيز وقد ذكر في القران الكريم كاسم من أسماء الله عز وجل بلقطي (العزيز،عزيز)أربع وثماني مرة بلفظ"عزيز"سبع مرات فكان مجموعها إحدى وتسعون مرة، كما ذكر في القرآن الكريم لفظ (العزيز-عزيز) ثماني مرات بمعان غير اسم الله . كما أنه إذا تأملنا لفظ (عزة) ومشتقا تها الأخرى في القرآن الكريم كد أنها قد تكررت عشرين مرة يمكن ذكر مواضعهم كالتالي:

1- نجد ألفاظ ذكرت مرة واحدة في القرآن الكريم وهي :

- فعززنا (الآية 14 من سورة يس)

- عزني (الآية 26 من سورة آل عمران)

-عزا(الاية81من سورة مريم)

- فبعزتك(الاية82من سورة ص)

2- لفظ (أعزة) ذكر مرتين في القرآن الكريم في الايات :- {54 من سورة المائدة ، وفى الآية 34 من سورة النمل}

3- لفظ (أعز) تكرر ثلاث مرات فى القرآن الكريم فى الآيات :ـ{92 من سورة هود، الآية 34 من سورة الكهف ، والآية 8 من سورة المنافقون}

4- لفظ ل{العزة} ورد فى القرآن الكريم عشر مرات تأتى مفصلة أثناء الكلام.

هذه الإعداد تبين مدى اهتمام القرآن الكريم بالعزة مما يعكس أهمية عزة النفس فى حياة المؤمن.

صور للعزة غير مطلوبة للمؤمن:ـ

عزة المسلم مطلوبة ؛ بل ينبغى أن يكون المسلم عزيز النفس ، ولكن حذرنا المولى عز وجل من بعض صور ـ كمسلمين ـ وهى :ـ

(1) فعلينا الا نتصف بهذه الصورةـ تأمل معى فى قوله تعالى :ـ" ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ، ولبئس المهاد."{البقرة 204-206}

فالتكبر على التقوى والحق ليس من سلوك المسلم ولا من اخلاقه.

(2) كما أنه ليس من سلوك المؤمن الغطرسة وعزة الكفر التى قال فيها جل شأنه :ـ"ص والقرآن ذى الذكر. بل الذين كفروا فى عزة وشقاق" {ص 1-2 }

(3) كما أنه لا ينبغى للمؤمن أن يبتغى العزة عند غير الله من الكفرة والملحدين لقوله تعالى :ـ" بشر المنافقين بأن لهم عذاب أليما. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا"{ النساء 139}

· من أين تكون العزة ؟

إن طلب العزة لا يكون إلا من الله حيث يبين الله تعالى ذلك تأمل معى فى هذه الآيات ستجد حقائق واضحة قال تعالى :ـ"من كان يريد العزة فلله العزة جميعًا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" {فاطر 10} .

وقال تعالى :ـ " إن العزة لله جميعًا هو السميع العليم"{يونس 65}

وقال تعالى :ـ" سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين . والحمد لله رب العلمين "{الصافات 180-182}

وقد بين الله عز وجل لمن تكون العزة فى قوله تعالى :ـ"يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{8} ـ سورة المنافقون ـ

فالله الكامل المنزه عن كل نقص يأمر بما يعز الإنسان ، وينهى عما يذله.أما الملوك فقد جاء فى القرآن على لسان ملكة سبأ قولها:ـ"قالت:ـ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون …."{النمل34}

فسبحان الله المنزه عن كل نقص ، وله المثل الأعلى.

* العزة المزيفة:ـ

وقد يظهر أن للإنسان عزة وتكون هذه العزة مزيفة ليس لها أصل كما ظهر لسحرة فرعون عزته ثم زالت بعد معرفتهم لحقيقته تأمل قوله تعالى :ـ"فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون".{الشعراء44}

حيث دخل السحرة فى دين موسى "عليه الصلاة والسلام" بيقين نتج فى نهاية المناظرة بينهم وبين موسى وتبين لهم أن العزة الحقيقية لله وللرسول وللمؤمنين.

ومن العجيب أن الله تعالى حث المؤمنين إلى أن يكونوا متواضعين لبعضهم حيث قال جل شأنه:ـ" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ………….".{ المائدة54}

* معلم البشرية وعزة النفس:ـ

ومن هنا قد بين لنا معلم البشرية "صلى الله عليه وسلم" كيف يعز الإنسان نفسه حيث قال في حديث رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قال:ـ"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ـ"لا ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه . قالوا :ـ" وكيف يذل نفسه قال:ـ"يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق ." فالمتأمل في الحديث يظهر له ظهورًا واضحًا كيف عالج الرسول "صلى الله عليه وسلم" المشكلة؟ حيث أنه "صلى الله عليه وسلم" بين إذا عرف حدود نفسه وسار فى ضوئها فإنه لا يذل ولا يهان ، وقد بدأ الرسول "صلى الله عليه وسلم" الحديث مما يحدث بقاعدة قد يغفل عنها البعض حيث قال:ـ" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه". لا يجوز ولا يصح لمن آمن بالله وعرف الإيمان حق، وهو كما جاء في الأثر بيان حقيقة الإيمان "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقة العمل".

وقد دهش الصحابة من قول المصطفى "صلى الله عليه وسلم" هذا القول فقالوا :ـ" وكيف يذل نفسه"، وهنا يبين المصطفى "صلى الله عليه وسلم" ذلك ويوضح توضيحًا لا غموض بعده حيث قال :ـ"يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق".

ومعنى البلاء :ـ الاختيار والامتحان، ويمكن أن يعمل الإنسان عملا لا يتناسب مع مهاراته وقدراته وميوله ، فيفشل فى هذا العمل ويكون موضع ذل الناس أو يقول قولا يضعه فى الموضع الحرج .

مثال على ذلك:ـ إذا كان إنسان لا يعرف السباحة ومشى بساحل بحر فوجد إنسان يغرق فنزل لينقذه ظننا منه بان السباحة أمر غير صعب ….ز فماذا تكون النتيجة إذا نزل..

فلو عمل كل إنسان بقول المصطفى "صلى الله عليه وسلم" :ـ رحم الله امرأ عرف قدر نفسه". أو كما قال "صلى الله عليه وسلم" ويسد الإسلام الثغرات التى يدخل منها الذل إلى النفس أو يضع الإنسان نفسه فى موضع الذل بسببها ، لننظر فى حديث النبى "صلى الله عليه وسلم" حيث قال:ـ إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته." زاد المعاد لابن القيم.

وهذا الحديث يسد مدخل الشيطان بان الإنسان يذل نفسه من أجل الرزق فالرزق بيد الله وحده يعطى لمن يشاء ويقدر ولكن ليس معنى ذلك التواكل ولكنه التوكل :ـ أى الأخذ بالاسباب وذلك بقوله "صلى الله عليه وسلم" :ـ" فاتقوا الله واجملوا فى الطلب " أى أن هناك طلب ولكن لابد من الاجمال فيه وهذا ما يؤخذ من قوله تعالى :ـ"هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ". {الملك15}

ويؤكد الرسول "صلى الله عليه وسلم" على أنى ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.

وقد روى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـرضى الله عنه ـ مر برجل يجلس على قارعة الطريق وهو يقول:ـ"اللهم ارزقنى فضربه بدرته، وقال لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول :ـ"اللهم ارزقنى إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة وإنما يرزق الله بعضهم من بعض. فالعمل مطلوب ، ولكن طلبه بدون مذلة للنفس فأوجز "صلى الله عليه وسلم" ، وأفاض حينما قال :ـ"فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب"

فما أصدق قول القائل:ـ

وإذا طلبت من الحوائج حاجة ******* فادع الله وأحسن الأعمالا

فليعطينك ما يريد بقدرة ******* فهو اللطيف لما أراد فعالا

ودع العباد ولاتك بطلابهم ******* لهجا تضعضع للعباد سئوالا

فإن العباد وشأنهم وأمورهم ****** بيد الإله يقلب الأحوال

ومن هنا فإن عزة نفس المؤمن تتمثل فى إتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.

*الفرق بين الكبر وعزة النفس:ـ

ولذا فقد يظن الغافل أن عزة النفس هي الكبر ،ولكن هناك فرق بين الكبر وعزة النفس للمؤمن ، فالكبر منهي عنه، وعزة النفس للمؤمن واجبة.

والكبر كما عرفه ابن قدامة:ـ"هو خلق باطن تصدر عنه إعمال هي ثمرته فيظهر على الجوارح وذلك الخلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه، يعنى يرى نفسه فوق الكمال فعند ذلك يكون متكبرًا {.مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة}

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال :ـ" لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل :ـ إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال :ـ إن الله جميل يحب الجمال:ـ الكبر بطر الحق وغمط الناس"{رواة مسلم}

ومعنى بطر الحق:ـ تكذيب الحق ورده على قائله.

وغمط الناس:ـ أى تحقيرهم أو التحقير بشأنهم.

بهذا نجد الفرق بين عزة النفس وبين الكبر كبير وإن كانا يظهران متقاربين.

ولذلك فقد قال الله تعالى :ـ" سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ………" {الأعراف 146}

* الذلة ذكرت كعقوبة فى القرآن الكريم

ورد الذل فى القرآن الكريم كعقوبة للقوم .. ونورد هنا بعض الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة:ـ

قال الله تعالى :ـ" وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتيهم بينة ما فى الصحف ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك من قبل أن نذل ونخزى…."{طه133ـ134}

وقال تعالى :ـ" لن يضروكم إلا أذى وان يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباء وبغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بما عصوًا وكانوا يعتدون…." { أل عمران 112}

وقال تعالى :ـ" إن الذين اتخذوا العجل سينا لهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين"{الأعراف 152}

وقال تعالى :ـ" يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون…"{القلم42ـ43}

* ميزان الإسلام ميزان حساس:ـ

مما سبق نجد أن ميزان الإسلام ميزان حساس يضع كل شئ فى مكانه ويوضح لكل مسلم صفاته السليمة فعلى المسلم ألا يضع العزة فى موضع الذل ولا يضع في مكان العزة واعتبر ابن القيم ذلك من مكايد الشيطان فقال:ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " ومن مكايده أنه يأمرك باعتزاز نفسك وصونها حيث يكون رضا الرب تعالى في اذلالاها وابتذالها كجهاد الكفار والمنافقين فيخيل ان ذلك تعريض لنفسك إلى مواطن الذل ….ويأمرك بأذلالها وامتهانها حيث تكون مصلحتها فى إعزازها وصبابتها كما يأمرك بالتبذل لذوى الرياسات وإهانة نفسك لهم ، ويخيل اليك انك تعزها بهم وترفع قدرها بالذل لهم ويذكرك

أن عزة المؤمن تتحقق بإتباع أوامر الله واجتناب نواهيه . اللهم أرنا الحق حقًٍٍا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .

اللهم نسألك العلم النافع والرزق الواسع … والشفاء من كل داء

عدد القراءات : 6720
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات