احدث الاخبار

أسباب هبوط الأرض فى وسط القاهرة

أسباب هبوط الأرض فى وسط القاهرة
اخبار السعيدة - كتب - د. يحيى القزاز         التاريخ : 27-09-2010

منذ أن بدأ العمل فى المرحلة الثالثة لمترو الأنفاق نسمع عن إنهيارات أرضية كثيرة فى وسط القاهرة، حتى أصبحت ظاهرة متكررة، ويرغم تحذيراتنا السابقة، ومحاولة تبسيط الوضع العلمى لما يحدث بطريقة مبسطة لاتخل بالمعنى وتكون واضحة وفى متناول غير المختصين والمتخصصين، وإن بقيت تفاصيل كثيرة تهم المعنيين بالأمر، وتأكيدنا على تكرارسابقا على تكرار الهبوط فى حالة النظرة السطحية ومعالجة العرض دون المرض. والمشكلة الرئسية لدى المسئوليين أن العيوب الناشئة فى المنشآت هى عيوب هندسية، وتلك نظرة علمية قاصرة -ولا أقول جاهلة- فالمنشأة لا تقام فى فراغ ولا تُعلق فيه... تُشيد فوق أرض بطريقة هندسية، وببساطة تكون العيوب إما نتيجة لخلل هندسى يختص بالهندسة الإنشائية أو خلل أرضى يختص بالجيولوجيا. نعم يوجد قانون يحاسب المهندس على الخلل الهندسى ولا يوجد قانون يحاسب الجيولوجى على الخلل الناشئ من طبيعة الطبقات وتراكيبها (سطح الأرض وما تحته)، وفى النهاية يدفع المهندس (فردا أو شركة) الثمن وحده –إن حدث- بحكم القانون الملزم لطرف دون آخر.

الملفت للنظر فى خبر الهبوط الأرضى (الشروق 25/9/2010) هو إخلاء عمارتين بالقرب من الهبوط، وهو الأمر الذى يعنى أننا أمام كارثة حقيقية لا تتوقف على هبوط مساحة صغيرة من الأرض يمكن ردمها ومعالجتها، ولكننا أمام قضية خطيرة تهدد الأرواح والثروة العقارية، ونحن نعلم أن الدولة فى هذه الحقبة لم تعوض متضررا ولم تأو مشردا، ومشردو الدويقة خير دليل. وارتأينا التنبيه والتحذير، خاصة وأن الخطر قادم من صنع الإنسان ويسهل معالجته، وليس من صنع الطبيعة ويصعب معالجته

قبل الدخول فى التفاصيل وبطريقة علمية مبسطة مصحوبة بملاحظة عامة فى وسط القاهرة ندرك ارتفاع منسوب المياه الجوفية بسبب مياه الشرب والصرف الصحى التى تتسرب من المواسير القديمة المكسرة إلى باطن الأرض. وأن  المياه تتحرك من مكان إلى مكان عبر المسامات والفواصل والشقوق فى الطبقات الأرضية، أى تسافر و تهاجر كما يهاجر البترول. وبالطبع الماء يشغل حيزا فى الطبقات الصخرية، وعندما يتم سحب أو تفريغ هذه المياه لأى سبب، تخلف فراغا مستورا بقشرة سطحية من الطبقة الأرضية، إذا ما تعرضت هذه القشرة لحمولة ثقيلة نتيجة قيام منشآت أو زلزلة عوامل حفر بالقرب منها، تتشرخ ويهبط سطح الطبقة إلى أسفل.

ولمعرفة أسباب الهبوط  (الانهيار) الأرضى، علينا أولا  بتحديد موقعه، وهو كائن فى وسط القاهرة، فى مناطق أو حرم مناطق العمل الخاصة بحفر أنفاق لخط مترو الأنفاق الثالث. سجلنا سابقا أن هذه المنطقة يلاحظ ارتفاع منسوب المياه الجوفيه فيها، وقد توجد طبقات أرضية تحت سطحية هشة وربما تذوب فى المياه. وحفر الإنفاق يتطلب اختيار طبقات غير متأثرة لا بالصدوع ولا الفواصل ولا الشروخ. وحفر الانفاق فى وجود مياه جوفية يتطلب سحب هذه المياه، والسحب يترك فراغا تحت السطح. وبفعل تأثير قوى الحفر تتأثر الطبقات الضعيفة بالقرب من الأحمال الثقيلة (منشآت وخلافه) فتنهار (تهبط ) الطبقة السطحية. وهناك عامل آخر وهو هشاشة الطبقة تحت السطحية وعدم قدرتها على مقاومة القوة الناتجة من الحفر وما عليها من أحمال.. فتنهار. وهناك أسباب تركيبية أخرى تتمثل فى الصدوع والشقوق والفواصل وتحدث بفعل عوامل تكتونية، وهذا غير موجود فى حالتنا، لكنه يوجد فى المناطق الزلزالية العننيفة التى نحن بمنآى عنها، أو تآكل حواف الهضاب بفعل عوامل التجوية الناتجة من تسرب مياه الصرف الصحى فى الطبقات الجيرية أو انتفاخ طبقات الطفلة بفعل المياه عامة، وهذا يؤدى إلى اتساع الشروخ وتحولها إلى فواصل سرعان ما تنهار كما حدث وسيحدث فى هضبة المقطم (الدويقة مثالا) إذا لم يتوقف صرف المياه فى الهضبة وتلغى ملاعب الجولف ويتم عمل صيانة دورية لمواسير المياه.

هناك نوعان من الإنهيارات (الهبوط) الصخرية: 1-نوع خطير ويصعب معالجته ويسببه الفعل التكتونى، 2- ونوع يمكن التغلب عليه ومعالجته وهو من صنع الإنسان، وهذا ما يحدث فى وسط القاهرة، وبسببه الإهمال وعدم صيانة المواسير الحاملة للمياه.

ومن الأسباب المؤثرة فى هبوط الأرض هو عدم قيام الشركة المنفذة لمشروع مترو الانفاق بالدراسات الجيولوجية اللازمة، وربما تم الاعتماد على دراسات سابقة مع عدم تحديثها وتجاهل التغييرات الرأسية والأفقية فى الطبقات الأرضية تحت السطح، وإن أُجريت كانت دراسات بطريقة بدائية لم تُستخدم فيها التقنيات الحديثة مثل استخدام "الرادار الجيولوجى" لتصوير ما فى باطن الأرض (ومدى تصويره يصل لعمق 60 متر)، ويعطينا صورة واضحة للطبقات تحت السطحية من حيث نوعية الصخور وطبيعتها وتراكيبها (الصدوع والفواصل والشروخ) وكمية المياه الجوفية التى تحت السطح. ووظيفته تشبه وظيفة "السونار" الذى يستخدم فى معرفة طبيعة الجنين وتصوير ما بداخل بطن الإنسان، وهذا يمكننا من الاختيار الأمثل لمسارات الإنفاق وكيفية التعامل مع المناطق المرتفعة فيها منسوب المياه الجوفية، والمناطق ذات الطبيعة الصخرية غير المناسبة لأعمال الحفر والبناء.

ومن الأسباب الاساسية فى إهمال الدراسات الجيولوجية هو عدم وجود نص قانونى يلزم صاحب المنشأة بتوقيع الجيولوجى على "رخصة" المنشأة بجوار المهندس ليتسنى له الحصول على الرخصة، وليكون شريكا فى المسئولية مع المهندس عند حدوث الانهيارات، فكثير من انهيارات المنشآت يكون السبب فيها  نقص الدراسات الجيولجية ويتحمل وزرها المهندس وحده، وعلى سبيل المثال تشرخ مبانى فى مدينة 15 مايو نتيجة انتفاش الطفلة وتمددها بفعل المياه الواقعة عليها، وهبوط اجزاء من مدينة المنيا الجديدة نتيجة البناء على صخور ذات كهوف وهلم جرا.

باختصار الحل فى عمل الدراسات الجيولجية الأولية الجادة، وصياغة قانون يلزم الجيولوجى بالتوقيع على الترخيص لإقامة المنشأة ليكون شريكا مع المهندس فى تحمل الخطأ الجيولوجى.

ونحذر من الخطر الناشئ من ارتفاع منسوب المياه الجوفيه فى مدينة القاهرة، وهذا سيؤثر قريبا جدا على وضع المنشآت القائمة فى المدينة، وليس بمستبعد أن تحدث انهيارات فى فترة قريبة لعمارات نتيجة لهزة أرضية (زلازلية) طفيفة سواء كانت بفعل الطبيعة أو بفعل البشر من حفر وخلافه، ولابد من البدء فى عمل دراسات جيولوجية جادة باستخدام التقنيات الحديثة لمدينة القاهرة لتحديد وضع باطن أرض القاهرة حاليا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان وحدوث كوارث فى الثروة العقترية وفى البشر، ويمكن اعتباره نوع من الصيانة الضرورية غير الدورية. حتى لا تتكرر مىساة الدويقة الناتجة من انهيار الصخور بكوارث ناتجة من انهيارات العمارات.

 

جيولوجيا - جامعة حلوان

27/9/2005

عدد القراءات : 12949
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
المهندس /عمرو صلاح
جزاكالله كل خير على الايفاده المقدمه وهذا شكرمنى ومن كل طلبة (اولى مدنى )جامعة العبور
المهندس إبراهيم السيد
اتمنى من كل طلاب الهندسة المدنيةان يستفيدو من هذا التقرير استيفادة علمية عملية وجزاكم اللة خير