احدث الاخبار

شهداء وقتلة تصحيح للتاريخ

شهداء وقتلة تصحيح للتاريخ
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 19-09-2010

لا يكاد يذكر الفكر الإسلامي الحديث إلا ويُذكر معه سيد قطب كواحد من أشهر المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث . وأشهر الشخصيات التي لقيت جدلاً واسعاً حول أفكارها ، ذلك أن هذه الشخصية كان لها مريديها وأتباعها ، كما كان لها الكثير من المخالفين والخصوم . هناك من يعتبر هذه الشخصية أهم شخصية فكرية غذّت ما يُسمى اليوم بالإرهاب ، وأنتجت جيلاً من الإرهابيين والتكفيريين والقتلة وذلك من خلال ما طرحته من أفكار ومفاهيم يأتي في مقدمتها مفهوم الحاكمية ، في مقابل ذلك هناك من يبرئ أفكار هذه الشخصية من الإرهاب والتطرف ، ويعتبر ما طرحته واحداً من أنضج الطروحات في الفكر الإسلامي وأعمقها ، كما أن مفهوم الحاكمية يحتمل على العديد من التأويلات التي قد تُفهم بشكل خاطيء كما فهمها الإرهابيون ، كما أن البعض يعتبرون طروحات سيد قطب كانت بمثابة السد المنيع ضد الطرح القومي العلماني والاشتراكي المنتشر في المنطقة العربية آنذاك . قبل الحديث عن مفهوم الحاكمية الذي كان أكثر المفاهيم جدلاً ، لا بد أن نشير إلى بعض المعلومات عن هذه الشخصية . ولد سيد قطب في بداية القرن العشرين الميلادي ، وانكب على الأدب في بداية حياته العلمية ، فألّف العديد من الكتب الأدبية منها مشاهد القيامة في القرآن الكريم ، والتصوير الفني في القرآن ، وطفل من القرية ، وبعض الكتب الأخرى .

ومع تقدمه في العمر ، انكب على الفكر ، وترك الأدب ، وأصبح مشتغلاً بالفكر الإسلامي يساعده قلمه الأدبي وسحره البياني ، ومع تجاوزه سن الأربعين انضم إلى حركة الإخوان المسلمين عام 1952م ، وأصبح وأحداً من أشهر منظريهم ، وبدأت كتبه الفكرية في الذيوع والانتشار بشكل كبير ، وفي عام 1954م سُجن سيد قطب بعد اتهامه مع الإخوان المسلمين بتدبير فيلم عبد الناصر ل حادثة المنشية ، والتي كانت تمثيليلة عملها عبد الناصر ليكون مبرر لأعتقال وتعذيب الأخوان فسجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة ، ولكنه خرج بعد عشر سنوات بوساطة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف ، إلا أنه لم يمكث طويلاً حيث سُجن مرة أخرى ، وحكم عليه بواسطة عميل اليهود وخادمهم جمال للقضاء على الفكر الأسلامى بالإعدام شنقاً عام 1966م ، والذي كان لموته بهذه الطريقة صدى واسعاً عند المسلمين ، وأثراً كبيراً في رواج أفكاره وتبنيها من الجماهير المسلمة ، فضلاً عن ما تواتره الناس من صلابة الشهيد سيد قطب عند مواجهته الموت ، وابتسامته العريضة قبل شنقه والتي أذاعها أحد الإعلاميين الغربيين .

 من أشهر كتبه الفكرية : العدالة الاجتماعية في الإسلام ، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته ، ومعركة الإسلام والرأسمالية ، ومعركتنا مع اليهود ، وفي ظلال القرآن ، ومعالم في الطريق ، والمستقبل لهذا الدين ، وقد أنهى هذه المؤلفات الثلاثة الأخيرة في السجن . برز مفهوم الحاكمية لدى سيد قطب في كتابه معالم في الطريق الكتاب الذائع الصيت ، ومفهوم الحاكمية هو مفهوم مطروح من قبل ، طرحه أبو الأعلى المودودي في كتابه ( مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة ) حيث أشار إلى أن الحاكمية في الإسلام مختصة بالله وحده ، ولا يشاركه وينازعه فيها غيره ، وأنه لا يمكن أن يكون معبوداً له على الصعيد الديني فحسب ، بل وعلى الصعيدين السياسي والقانوني . ومع أن أول من طرح هذا المفهوم أبو الأعلى المودودي إلا أنه لم يحظى بالتبني والشهرة إلا على يد سيد قطب الذي أطلق هذا المفهوم ، ودلّل عليه بالآية الكريمة ( إن الحكم إلا لله ) ، والحاكمية هي اعتراف بحكم الله المطلق للإنسان ، وهي من أخص خصائص الألوهية لله ، ذلك أنه يجب أن لا يحكم المسلم إلا الشريعة الإلهية التي ارتضاها الله له ، فالكون ، والإنسان ، وقوانين الطبيعة ، وكليات الوجود كلها من صنع الله ، وبالتالي كان من الواجب أن يمتثل الإنسان إلى شريعته التي رضي الله بها له ، والتي لا تتصادم مع نواميس الكون والطبيعة التي وضعها من قبل .

 يقول سيد قطب مفرقاً بين الحكم الثيوقراطي ، والحاكمية ما نصه : ( ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم هم رجال الدين ، كما كان الأمر في سلطان الكنيسة ، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية أو الحكم الإلهي المقدس !! ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكم ، وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة ) .

 ومع طرح سيد قطب لهذا المفهوم طرح العديد من النقاط الفكرية الأخرى المصاحبة لمفهوم الحاكمية ، فقد كان سيد قطب يرى أن العالم بحكوماته ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما ، وهو الحكم الإسلامي ، والحكم الجاهلي ، وأن جميع هذه الحكومات منذ قرون عديدة هي حكومات جاهلية بناءً على عدم تحكيمها شريعة الله ، وأن الأمة المسلمة التي تؤمن بحاكمية الله قد انتفت منذ قرون ، وأنها لم تتواجد إلا علي يد من يسميهم سيد قطب بالجيل القرآني الفريد ، وهو الجيل الأول من هذه الأمة ، والذي يقول عنه سيد قطب أنه لم يجتمع بشر على سطح الأرض وعلى مر التاريخ في مكان واحد وزمان واحد اتحدت سرائرهم وعلانيتهم على منهجية لا إله إلا الله والامتثال لها وتحكيمها مثل ذلك الجيل الأول من هذه الأمة ، وهذا هو السبب الرئيسي وراء ذلك التأثير العظيم الذي حققوه . ويقول في هذا الصدد أنه حتى اللحظة هناك بشر من المسلمين يحملون هذه الصفات ، ولكنه يفرقهم الزمان والمكان ، وهم شتات متفرقون . وحتى تعود عودتهم من جديد لا بد أن تظهر جماعة من البشر في مكان واحد ، وزمان واحد تنطلق تصوراهم ، ورؤاهم ، وأفعالهم ، وأقوالهم ، من نبع قرآني صافي ووحيد ، ولا بد أن يعيشوا داخل مجتمعاتهم بعزلة شعورية ، وإن تعاملوا معهم في البيع والشراء ، ومتطلبات الحياة اليومية العادية . ولا بد أن يكونوا على إيمان كامل بضرورة التغيير ، وبوجود الأفضل ، فعند ذلك ستحقق كلمة الأمة المسلمة ، والمجتمع المسلم ، ويتحقق مفهوم الحاكمية الإلهية ، وينتفي استعباد البشر للبشر ، أو استعباد البشر وفق أنظمة جاهلية سواءً كانت مستبدة ( أتوقراطية ) أو مادية ( رأسمالية أو شيوعية ) أو تخضع للأغلبية ( ديموقراطية ) .

عدد القراءات : 3244
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات