احدث الاخبار

النقوش والآثار لا تزال شاهدة على تقلبات الزمن فيها .. مدينة ذمار تصنع الابتسامة على شفاه الناس

النقوش والآثار لا تزال شاهدة على تقلبات الزمن فيها .. مدينة ذمار تصنع الابتسامة على شفاه الناس
اخبار السعيدة - ذمار (اليمن) - صقر أبو حسن         التاريخ : 07-09-2010

مدينة تصدر النكتة، وتصنع الابتسامة على شفاه الناس، مدينة أثقلها تاريخها، مدينة ذات مزيج من العمل والإرث المعطل، تلك هي ذمار، العتيقة في منازلها والثرية بعلمائها وأدبائها والمتربعة وسط خريطة اليمن والنائمة في أكبر قيعانه الزراعية، مازالت مسكونة بمفردات الجمال والبساطة والحب والألفة معاً، رغم بردها القارس في ليالي الشتاء، تنظر في وجوه زائريها بوداعة فتاة ريفية جميلة، كل صباح، فليس هناك ما يمنع سطوة الضوء لحظات الإشراق الأولى من الامتداد على أجزاء المدينة، وإيقاظ أهلها ليوم جديد.

ولأنها مدينة لا تختلف تفاصيل إيقاع الحياة اليومية فيها كثيراً عن بقية مدن اليمن، تمتلك ميزة تنفرد بها هي رائحة الماضي, ابتداء من أسواقها مروراً بأناسها وصولاً إلى تراثها وعادات ساكنيها.فهي تقع إلى الجنوب من العاصمة صنعاء وتبعد عنها حوالي 100 كم، وتتوسط الهضبة الجبلية لليمن بين خطي عرض 44 / 46 درجة شرقاً وخطي 14 / 14 شمال خط الاستواء وتمتاز بتكوينها الجبلي فهي تقع على سلاسل جبلية متراصة، وذمار «المدينة» هي عاصمة المحافظة

روي أن اسم .. (ذمار).. ينسب إلى الملك الحميري الشهير «ذمار علي» .. فذمار تعتبر الأساس الجغرافي للحضارة الحميرية، ولكن في كتب عديدة ورد اسم «ذمار» محددة معالمها وآثارها وأيضاً جزء من تاريخها الممتد في جذور الحضارة اليمنية القديمة حيث تنسب ذمار، عند صاحب كتاب « البلدان اليمانية» ياقوت الحموي إلى «ذمار بن يحصب بن دهمان بن سعد بن عدي بن مالك بن سدد بن حمير بن سبأ».

ويذكر الهمداني في كتابه « صفة جزيرة العرب» أن ذمار قرية جامعة بها زروع وآبار قريبة ينال ماؤها باليد ويسكنها بطون من حمير وأنفار من أبناء الفرس وبها بعض قبائل عنس, ويضيف الهمداني عن « ذمار»: مخلاف نفيس كثير الخير عتيق الخيل كثير الأعناب والمزارع وبها (بينون وهكر) وغيرها من القصور القديمة ، وفيها جبل (اسبيل) وجبل (اللسي) وعدد كبير من الجبال .وأين يكون الشخص أو الملك الذي تنسب إليه تسمية ذمار !! وأين يكون الرحالة أو المؤرخ أو العالم الذي تحدث عن ذمار, فهي حقيقة تاريخية أولاً وطبيعية ثانياً فهي كذلك مدينة أقيمت في أوج قوة الدولة اليمنية القديمة.

وذمار هي الشاهد الوحيد على تقلبات الزمن وتغيراته في وجه القوة البشرية الزائلة لتبقى الأنقاض والنقوش والآثار أحد أهم الشواهد الجلية و الواضحة على قدرة الإنسان اليمني على تحمل الصعاب والعيش في رحاب الإسلام.

ومع أن ذمار مدينة تتميز بتنوع الأماكن والمآثر الإسلامية فهي لا تخلو من الإبداع العلمي والتنوير العقلي .فهي تحتضن المدرسة الشمسية، وبها أيضا «الجامع الكبير» الذي يتميز بمنبره العتيق، الموجود حالياً في متحف ذمار الإقليمي، وقد أكدت الدراسات العلمية المتخصصة أن المنبر يعود إلى القرن الرابع الهجري، ويمثل إحدى روائع الفن الإسلامي، بل إنه يعد ثاني أقدم منبر في العالم الإسلامي.

الأسواق

إن ابرز ما يمكن الحديث عنه أن التغيير الهائل في حياة الإنسان العادي بذمار يبدأ في السوق وينتهي أيضا هناك، فهي ليست أماكن للبيع والشراء بل تراث متوارث ومهن موغلة في القدم.عند المرور بأهم أسواق المدينة (سوق الربوع والمعطارة والحبوب) تشدك كلمات دارجة صبغت بنكهة ذمارية ذات مفهوم محدد، وينتابك الشعور بالألفة إذا كنت زائراً أما إذا كنت ساكناً فينتابك الشعور ذاته بفرق زيادته عند الأول ومحدوديته عند الثاني، رائحة (البخور) تتصاعد باستمرار وتصل إيقاعات الحياة في (أسواق ذمار القديمة) ذروتها في بداية الساعات الأولى للفجر (حتى في شهر رمضان) ففي هذه الأسواق يمكن أن تبتاع كل شيء ابتداء من (البهارات) وانتهاء بالملابس. «سوق الربوع» يعج بالمارة ساعات النهار ويختص ببيع الخضروات واللحوم بجانب الملابس والأحذية ، في هذا السوق تكثر «البسطات» التي تحتل أجزاء كبيرة منه، وتشهد إقبالاً هائلاً من سكان المدينة بالإضافة إلى زوار السوق الدائمين من القرى المجاورة.

وسط صرخات الباعة التي تدعوك للشراء، ابتعدت عن هذه السوق ومازالت الصرخات تجد لها وقعاً في الآذان, ابتعدت لأدخل سوق «المعطارة» ، وفيها رائحة العطر والبخور تنبعث من المحلات المتراصة والمتعددة. وتباع فيها (البهارات والبخور وأدوات التجميل وكل ما تحتاجه المرأة )، بدأ السوق اقل ازدحاماً عن سابقه (سوق الربوع)، كان (محمد الدفيني) يقرأ القرآن بهمس عندما توقف عن القراءة ليجيب عن أسئلتي، وقال: هذه السوق قديمة جداً وأغلب الدكاكين - المحلات - الموجودة فيها ملك للأوقاف. في هذه السوق لا تزيد مساحة المحل عن عدة أمتار وقد نجد بعض المحلات لا يتعدى 2 × 2 متر، ومع هذا يجد الزبائن كل ما يطلبون ، وكذلك الممر الذي يفصل المحلات عن بعضها مساحته «متران»فقط.

(التوابل لها رواج كبير وتجد لها طلباً كبيراً خاصة من سكان الأرياف) قال أحد بائعي البهارات، مضيفا : المأكولات الذمارية كثيرة ومتنوعة.لتحملني قدماي إلى سوق الحب (الحبوب) وهي السوق التي تزدحم دائماً وفي كل الأوقات وسبب ذلك يعود إلى إقبال سكان القرى المحيطة على الشراء والبيع, وأنواع الحبوب تجدها في شوالات (جواني) ذات حجم كبير متراصة إلى جوار بعضها بشكل نصف دائري أمام كل محل وهي هنا أكثر اتساعاً من محلات سوق (المعطارة) وأغلبها تعود ملكيتها إلى الأوقاف، كما أفادنا الحاج / علي البصير ، أقدم بائع حبوب في السوق «إن لم يكن في المدينة»، وقال: (سوق الحب) تجد فيه كل أنواع الحبوب وفي أي وقت ، كما أن أسعارها منخفضة مقارنة بأسعار الأسواق الأخرى في المدن المجاورة.

وأضاف الشيخ الستيني: الإقبال الكبير على الشراء يكون في الشتاء والسبب: دخول (القبائل) - سكان القرى - للشراء أو البيع خاصة أن موسم هذا العام شهد قلة في محاصيل الحبوب. واصلت يسري بعد أن شغل أحد الزبائن (الحاج علي ) عن مواصلة الحديث إلي..كانت الأصوات متداخلة توحي بتسارع نبض الحياة وتدفع جموع الوافدين إلى هذا المكان وتشعرك بقوة وصلابة إرادة الناس هنا. كان الوقت يقارب الثانية عشرة ظهراً عندما هممت بالخروج من السوق قاصداً (جامع المدرسة الشمسية) عبر أزقة سوق «المعطارة»، دلفت إلى باحة المدرسة والتي بنيت عام 949هـ على يد الأمام شرف الدين بن يحيى بن شمس الدين، كان المسنون يتلون القرآن بصوت مسموع ، وكانوا متجاورين، والأغرب أن أغلب القراء مكفوفون وهو الشيء الذي يميز أحد أهم معاقل التعليم الديني في اليمن.

معقل العلم والأدب.. المدرسة الشمسية

هي المكان الذي يضاف إلى المدينة بمجرد ذكرها, ودار العبادة والعلم فيها, تتوسط مدينة ذمار بناها «الإمام شرف الدين » المتوفى في 965هـ في منتصف القرن العاشر الميلادي, جامعاً للصلاة والعبادة ودارا لتلقي العلوم، وقد أكمل بناء المدرسة الشمسية « الإمام شمس الدين بن شرف الدين بن يحيى بن شمس الدين» وسميت باسمه إكراما له وأدخلت عليها الكثير من التعديلات والإصلاحات أهمها تلك التي قام بها الوالي العثماني « محمد علي باشا» سنة 1155هـ، ببناء المطاهير والقباب والبرك.

ولعل الذي يميزها أكثر من غيرها هو توافد «المكفوفين» لطلب العلم هناك، وعلى مدار تاريخها التنويري مثلت «الشمسية»نقطة انطلاق وتكوين عدد من رموز الأدب والسياسة والقضاء والثورة,ليكون أشهر من درس في تلك المدرسة الدينية «شاعر اليمن - عبد الله البردوني» رحمه الله والسياسي المعروف «جار الله عمر» الذي اغتيل على يد متطرف ديني والشاعران الثائران إبراهيم الحضراني وإسماعيل الوريث وقارئ القران الكفيف وعالم الترتيل الفصيح «محمد حسين عامر».

أورد «البردوني» في إحدى المقابلات التلفزيونية قبيل وفاته، قصة بئر المدرسة الشمسية، وقال: « لقد حفر الوالي العثماني بئراً للمدرسة حتى وصل إلى أعماق كبيرة ولكنه لم يجد الماء فجمع حفاظ القرآن المكفوفين, فبدؤوا يرددون آيات القرآن وكان الخوف يعتليهم من الوالي لأنه هددهم بالقتل إن لم تثمر قراءتهم بالنفع وإخراج الماء.. فالتفت أحد القراء واصطدم رأسه بحجرة كانت ثابتة في عرض البئر فعندما سقطت بدأ الماء يتدفق بقوة.. وهي البئر الوحيدة التي تسكب مياهها من العرض وليس من القعر». حتى وقت قريب كانت تؤدي دورها فقد كان هذا الجامع، «مدرسة» وأقرب ما يكون إلى جامعة علمية تدرس فيها علوم القرآن والفقه، والحديث، واللغة.. يهتدى إلى علمائها عندما يشتد الكرب إلا أن المدارس النظامية قللت من نور تلك الشعلة. وطوال سنوات خدمتها وهي تنجب جيوشا من رجال العلم والأدب.

المدرسة مثلت أهم مواقع العلم في اليمن لكن لظروف سياسية واجتماعية حصر دورها إلى أن بدأ يتلاشى وتم الحد من نفوذ نور العلم الذي كان يشع من حلقات هذا المكان، وكان يأتي المدرسة المئات من طالبي العلم، وكان في كل دعامة عالم وحلقة علم وكانت تدرس فيها كل المذاهب وكل الآراء.

القاضي/احمد العنسي إمام وخطيب جامع المدرسة الشمسية، كان يتحدث عن تلك التحفة شارحا ما مثله هذه الصرح وهذا المكان، في تاريخ اليمن.

الإرث تفاصيل مختلفة

تنفرد مدينة ذمار بطراز خاص في مبانيها التراثية، التي شيدت من طوابق متعددة، وزخرفت واجهاتها الخارجية، بخطوط وأشكال هندسية تفصل بين الطوابق، وتشكل إطارات حول النوافذ والشبابيك الصغيرة، وقد نفذت تلك الزخارف بواسطة تشكيل قطع (الطوب) المستخدم في البناء، ولإبراز الزخارف، غطيت بطبقة من مادة (الجص) المصنوعة محليا والمباني الطينية تحاول جاهدة مقاومة زحف الاسمنت، الظاهر بقوة في تفاصيل البناء اليمني إجمالا، وقد يتعلق الأمر بسرعة البناء والكلفة وفي المقابل استغراق البناء الطيني فترة زمنية أطول وكلفة أكبر. تلك العلاقة بين الإنسان والطبيعة التي بدأ يتلاشى بريقها، لذلك لا ثبات في نسيج ذمار المعماري والعمراني فهي مزيج بين الحداثة والأصالة على حدا سواء.

مشهد المدينة صباحا يمثل مشهدا فنيا متميزا تبوح تفاصيله الدقيقة بمدى الثراء الذي تزخر به.

ويبدأ هذا المشهد من أزقتها وهي تضج بأصوات الصغار وهم يمارسون لعبهم التقليدية، ويمتد ذلك المشهد ليعرض لنا أحد الحدادين في سوق (الحدادة) وهو يردد أهزوجة تحاكي وقع ضربات المطرقة بينما هو غارق في وضع اللمسات الأخيرة لصنع معول.

وتزداد روعة ذلك المشهد عندما يطل علينا ذلك القادم من قرية قريبة، جالباً بضاعة مزجاة، وتكتمل روعة المشهد، عندما تعمد مجموعة من النسوة الكبيرات في السن إلى كسر الصمت المخيم على ملامح المدينة ساعات الصباح الأولى بعبورهن مرتديات الملابس الملونة.

الرقصات الشعبية لها هنا «جذورها التاريخية» ذلك ما قاله أمين مكتبة البردوني (عبده الحودي) عن المدينة. متحدثا عن «جمال بعض الرقصات الذمارية» الذي كان سببا في انتقالها بمسمياتها إلى محافظات أخرى, ومن أشهر تلك الرقصات :

العنسية: أشهر الرقصات في المحافظة ويؤديها شخصان أو ثلاثة على إيقاع الطبل والمزمار، فيما تؤديها النساء على إيقاع الطبل والصحن، وتتميز هذه الرقصة بأنها أولى الرقصات التي تؤدى في الاحتفالات وذلك بسبب إيقاعها الهادئ إذ تعد تمهيدا للرقصات الأخرى.

الشنية: وتأتي بعد العنسية من حيث الشهرة، يؤديها راقصان أو ثلاثة على إيقاع الطبل والمزمار، وتؤديها النساء على إيقاع الطبل والصحن، وتتميز بطابعها الأنيق المتمثل في حركات الراقصين المتناغمة.

البرع: أكثر الرقصات انتشارا على مستوى المحافظة، وتؤدى بشكل جماعي في مراحلها الثلاث الأولى والتي : تسمى الطويل والأوسط والثالث، ثم ينخفض العدد إلى ثلاثة راقصين عندها تسمى ( الدخيلية أو الهوشلية)، والمرحلة الأخيرة يؤديها راقصان فقط، وتسمى الثعيلية، ويرافق الرقص إيقاع الطبول.

الدعسة: من الرقصات الشعبية التي يؤديها راقصان ولا يزيد العدد على ثلاثة، على إيقاع الطبل والمزمار ، ومن اسمها ندرك أنها تعتمد على حركات الأقدام بشكل رئيسي.

الموج: أسرع الرقصات الشعبية التي يؤديها راقصان على إيقاع الطبل والمزمار، وتتميز بكثرة التفاف الراقص حول نفسه وكذا الجلوس المتكرر.

عادات الأعراس والولادة

دائما ما يبتهج الناس عند قدوم مناسبة دينية أو اجتماعية، ولكل مناسبة فعالية وطقوس خاصة بها، وكذلك تسمية خاصة بها، ومنها الطقوس في مناسبات الزواج والولادة (الحمام): الذي يعد أول فعالية يقوم بها الرجال والنساء على السواء، وتتمثل في ذهاب العريس أو العروس كل على حدة، إلى الحمام التركي بصحبة الأصدقاء بالنسبة للعريس، أما العروس فبصحبة (الشارعة) وهي امرأة كبيرة في السن، تقوم بخدمة العروس ورعايتها وتزيينها.

وفي اليوم التالي للحمام تكون (القحوطة) وهو احتفال تدعى إليه الفتيات العازبات فقط، وفيه تلبس العروس ملابس خاصة وكذا «المشاقر»، وهي عبارة عن حزمة من النباتات العطرية، تزين رأس العروس، وفي اليوم التالي تكون (الذبايل) وهو حفل تدعى فيه النساء المتزوجات فقط، وتلبس العروس ملابس اليوم السابق نفسها، مع اختلاف لون الفستان.

وقبل ليلة الزفاف بيوم واحد، يتم عمل الحناء، وأكبر احتفالات النساء تقام في اليوم الثالث للزواج، وتحضره جميع النساء، ويكون فيه مطربة.

وفي مناسبة الولادة: تجهز غرفة خاصة للمرأة تستقبل فيها المباركات، وتجلس المرأة مع مولودها في مكان مرتفع ويستمر ذلك أربعين يوما، ومن اليوم السابع تجلب النساء قهوة مصنوعة من اللوز والجلجلان والتمر، ويطلق عليها «الكتلي».

بينما يقوم العريس بزيارة إلى أحد المناطق السياحية بصحبة أصدقائه، وفي المساء يقام حفل الحناء، الذي يتخلله الرقصات الشعبية والمسجلات الشعرية، وفي اليوم التالي، تكون الزفة، وفيها يتم استقبال الضيوف، بالطبل والمزمار، وتؤدى رقصة (البرع) قبل وجبة الغداء، وفي الليل تتم زفة العريس في باحة يكون فيها ظاهراً على الآخرين ويشكل الحاضرون دائرة مغلقة، وتقدم الهدايا للعريس تحت مسميات مختلفة، مثل : الطرح، والنقط، والرفد.

المصدر : 14october
عدد القراءات : 11130
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات