احدث الاخبار

توصوا بالنساء خيرا .. الانفصال والهجر العاطفي واقع حياتي مؤلم يحتاج إلى معالجة .. الطلاق العاطفي وآثاره على الأسرة والمجتمع

توصوا بالنساء خيرا .. الانفصال والهجر العاطفي واقع حياتي مؤلم يحتاج إلى معالجة ..  الطلاق العاطفي وآثاره على الأسرة والمجتمع
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 24-08-2010

الأسرة هي الخلية الأساسية لأي مجتمع ، وهي التي تترجم صورة المجتمع الكلي وهي اكثر وسائل الضبط الاجتماعي فعالية ، إذ أنها العامل الأساسي في تشكيل شخصية الفرد وتناقل التراث الثقافي للمجتمع .فاستقرار الأسرة النفسي والاجتماعي دو أهمية بالغة في نشوء مجتمع سوي وبناء ومن هنا يبرز اثر الطلاق الذي بنسف هذا الاستقرار ، وإذا كان الطلاق بالمفهوم العام الرسمي يعني فسخ عقد الزواج ، فإن الطلاق كمفهوم واسع من ذلك فهناك " الطلاق العاطفي " وهناك " الانفصال الجغرافي " فالانفصال الجغرافي يتعلق " بالهجرة والموت والهجر " أما الطلاق العاطفي ، وكما تؤكد الدراسات فهو أكثر انتشارا وتغلغلا ً في المجتمعات وأكثر ضررا على الزوج والزوجة والأبناء والمجتمع ككل ، والمقصود بذلك فقدان او تلاشي العاطفية والمودة والمحبة بين الزوجين وانحصارها في الاحتياجات المادية من مآكل ومشرب والاحتياجات الغرائزية فقط ... وغالباً ما تتسم هذه العلاقة بالنفور والتحسس النفسي من كلا الطرفين والانفعالات المضخمة ، والنزاعات المتكررة وعدم التجانس في تربية الأطفال والنظرة العدائية والعنفوان .

 

أما الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الطاهرة واسعة الانتشار فتعود إلى التفاوت في المستوى الثقافي والفكري والاجتماعي بين الزوجين ، والى الزواج في سن مقتبل العمر ، كما تعود أيضا إلى بعض الانهيارات الخلقية لدى احد الزوجين ومن ذلك الاعتياد والإدمان الكحولي او تعاطي المخدرات واضطرابات الشخصية خاصة الشخصية " ضد الاجتماعية " والتي تتميز بتضاؤل الضمير والمسؤولية واللامبالاة وسرعة الانفعال وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وعدم القدرة على وضع النفس مكان الآخرين ، وعدم الاكتراث بمشاعر الزوجة والأولاد والآخرين والأنانية وتدني عقدة الذنب .

 

وأيضا الشخصية السادية التي تتلذذ بإيذاء مشاعر الآخرين واستلاب حقوق الزوجة والرؤيا التلسكوبية النفسية المرضية برضوخ المرأة واستسلامها للرجل .

 

والاهم من ذلك منهجية الذهن لدى الزوج والزوجة والنظرة إلى " الزواج " وهذا الأمر يتأتى من المفاهيم والمعتقدات للزواج في المجتمع ومن جذور التربية المنزلية التي نشأ فيها الزواج او الزوجة ، ولعل في المجتمع تخلفا واضحا في النظرة إلى الزواج ليس باعتباره " ميثاقا مقدسا " بل مجرد هروب من واقع نفسي او اجتماعي نتيجة للأحباطات التي يعيشها الناس ، او تفريغا للنزوات والغرائز او خوض تجربة حياتية معينة جديدة ، والأمثلة على هذا السلوك المتخلف كثيرة ومنها : زواج الابن بعد وفاة الأب او الأخ لتغيير الترح إلى الفرح وزواج الشاب الذي يعاني من مرض نفسي مثل الكآبة الانفعالية او الذي يعاني من تعاطي الكحول او المخدرات كحل من منظور الأهل ظناً منهم إن الزواج سوف يعيده إلى الاستقرار " كعلاج وهمي " او زواج الفتاة التي تعاني من جملة عقد نفسية بزوج ظناً إن هذه الحالات النفسية أسبابها عدم الزواج ، او التخلي عن المسؤولية في علاجها وتحميل سلوكياتها المرضية للزوج المنتظر ، وزواج الابن للفرح به قبل الموت عند حصول مرض لأحد الوالدين ، او الزواج من اجل مصلحة المصاهرة للانتفاع الاقتصادي والنظرة السلفية والتمسك بالعادات والتقاليد البالية .

 

إن هذه السلوكيات تفتقد إلى النظرة الواقعية لمفهوم الزواج ومسؤولياته وتبعاته ، إنها النظرة العاطفية الانفعالية التي تحكم سلوك مجتمعنا العربي الذي يفتقد إلى توزين الأمور بنظرة التكافؤ والعدل والمنطق ، انه مشروع النزوة او مشروع الهروب من الواقع او مشروع المصلحة ومشروع إسقاط الاحباطات الذاتية على جسر الزواج .

ولعل ظروف العصر الحالي ساهمت في تفاقم هذا النوع من الطلاق العاطفي .. ظروف الحياة الاقتصادية ، وتوفير متطلباتها التي تتصاعد ، وهيمنة هاجس الحياة المادية على نفسية الفرد والمجتمع ، مما أدى إلى غياب الزوج او الزوجة في العمل الطويل والانغماس في قلق جمع المال بتبرير تأمين المستقبل وفي ذلك كله سبب للبعد والاحتكاك العاطفي ومن ثم الانفصال العاطفي بين الزوجين فلم يعد هناك وقت للتماس والتفاهم والتعاطف إضافة إلى الشعور بالإعياء والإحباط والإرهاق وإسقاط ذلك كله على الزوجة مما يزيد من درجة الانفصال العاطفي .

 

كما أن انهيار معاني القيم الإنسانية والأخلاقية وسيادة الغرائز له أهمية في تغذية هذه الظاهرة ، كما هو الحال أيضا بالنسبة لتضاؤل الوازع الديني لدى احد الزوجين او كليهما أو الغلو والتزمت الديني فكلاهما يؤذي إلى نفس النتيجة تقريبا ، والمقصود بالوازع الديني كسلوك حياة فقط ويشار أيضا إلى الانفلات والإباحية تحت شعار " الثقة المطلقة " بالزوج او الزوجة وما قد يترتب على ذلك من انحرافات وانهيارات خلقية تؤدي إلى الطلاق العاطفي .

أما عن الآثار السلبية على الأبناء فلا حصر لها إذ تشير الدراسات التي أجريت في المجتمعات العربية إن نسبة المنحرفين من أبناء هذه الأسر المفككة عالية جداً وقد وصلت إلى 64 % من نسبة المنحرفين عام (2008) . ونتيجة لهذا النوع من الطلاق العاطفي تنعدم في هذه الأسر إمكانيات اكتساب الأطفال للأخلاق وتعلم السلوك الاجتماعي السوي إذ أن الزوجين يمثلان بالأصل المثل الأعلى للأطفال ليتشربوا منهم الأخلاق والمثل والقيم والتعليم وبنفس الوقت هما الرادع القوي والعقاب المانع في حالة خروج الطفل عن السلوك السليم ، وبانهيار هذه العلاقة لا يجد الطفل سوى القلق والانفعال والانطوائية والشعور بالحرمان والعداء للمحيطين به والانتقام من وضعيته وبطريقة غير واعية بالسلوك الشاذ من العنف والكذب والسرقة والشذوذ الجنسي والتسيب المدرسي ، والإيذاء والاعتداء على حقوق الآخرين ، انه الطفل الذي ليس قيادة ترفده بالتعليم والخلق والحنان وبنفس الوقت لا تردعه اذا كان سلوكه مشيناً .

 

ومن هنا تتفشى وتنمو الشخصية السيكوبائية ضد الاجتماعية في نفسية الأبناء ، وهي الرافد والمنبع الأساسي في تفريخ الجريمة في المجتمع ، ذلك عدا ما يتركه هذا النوع من الطلاق من الجنوح والتدخين المبكر ، وتعاطي الخمور او المخدرات وحصول الاكتئاب النفسي بشكل عال ، والقلق والتوتر ونوبات الفزع وخلاصة القول أن هذا النوع من التصدع يبدد أمن المجتمع واستقراره ويشكل عقبة كبيرة في وجه مشاريع التنمية الاجتماعية .

 

" المرأة أكثر عرضة للكآبة ، خاصة الكآبة المقنعة "

 

مما لاشك فيه ومن خلال الدراسة للأبحاث النفسية وآراء الباحثين في علم النفس أن هناك قصوراً في فهم الحياة النفسية للمرأة ، ومن يتابع علم النفس الحديث يجد أن علماء النفس قد تجنبوا إلى حدّ كبير بحث نفسية المرأة بشكل مستقل ، وحتى في بعض الحالات التي حدث فيها ذلك لم يكن بحث نفسية المرأة من أجل ذاتها بقدر ما كان من أجل فهم أو تعزيز موقف الرجل المتسلط في الحياة وفي كل ذلك ما يثبت مدى الموقف التجاهلي للمرأة والمتحيز للرجل .ومن استقراء أراء الباحثين يبان كيف تراود فهم المرأة بين النظرة الرومانسية (لغز وسرلا يفهم) وبين أن المرأة لا تمتلك حياة نفسية مستقلة وأنها مجرد تبعية للرجل وهي بالتالي غير حرية بالفهم والدراسة ، وقد رسخت هذه النظريات الفهم الخاطئ لنفسية المرأة مما أتاح للكثيرين لمن وجدوا في ذلك تفسيراً لنظريات تقليدية تاريخية عن وضعية المرأة في الحياة ، وآخرين وجدوا بها نقطة ارتكاز تخدم مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وتحقق لهم المضي في الاستلاب لحقوق المرأة , وفي مثل هذا الغياب لدراسة نفسية المرأة بشكل موضوعي فأن وضعية المرأة أي كانت ما دامت واقعة تحت سلطة المجتمع الذكوري في ظل الرضوخ والاستلاب بأنواعه لحقوق وامتيازات المرأة فلا بد أن تدفع الثمن لذلك نفسياً ويتمثل ذلك بزعزعة الثقة بالنفس والكيان ، والصراع والشعور بدنو الذات وبالتالي الإحباط والاكتئاب .وتشير الدراسات الإحصائية العالمية إن نسبة الإصابة بالكآبة لدى الاناث ضعفي ما هو لدى الذكور( 2 : 1 ) وان اكثر انواع الكآبة لدى الاناث تلك المعروفة بالكآبة المقنّعة ( masked depression ) والتي تظهر فيها الأعراض والشكوى الجسدية بشكل بارز وان عوامل كثيرة قد تكون سبباً في زيادة حصول الكآبة لدى الاناث ، ومن ذلك ما يعزى إلى طبيعة التكوين الفسيولوجي والنفسي لها وما يترتب على ذلك من وظائف حياتية مثل :ـ الحمل ، الولادة ، والرضاعة ، وتربية الأطفال والرعاية لهم ، وما يصحب ذلك من معاناة نفسية وجسدية وما تمر به الأنثى من تغيرات هومونية مثل (الطمث) أو انقطاع الطمث وما يطلق عليه ( بسن اليأس ) .إن ظهور الاكتئاب لدى المرأة بشكل ( مقّنع ) يستدعي النظرة التحليلية النفسية في أسبابها فصورة الكآبة التي تعانيها تتسم بأعراض اضطرابات وظائف أجهزة الجسم المتعددة .

 

وتشير الدراسات الإحصائية إلى الزيادة العالية لهذا النوع من الكآبة في المجتمعات الشرقية اكثر بكثير من المجتمعات الصناعية وفي ذلك اشارة واضحة إلى وضع المرأة في هذه المجتمعات والتي تتصف بالتبعية والرضوخ من قبل الرجل حيث لا تستطيع المرأة التعبير عن مكنونات نفسيتها ومعاناتها اليومية والحوار العادل الحر مع الرجل وذلك إما نتيجة هذه الوضعية القهرية التسلطية ، أو نتيجة تشربها هذه الصفات منذ نشأتها ووعيها على الحياة وبالتالي وحسب النظرية النفسية التحليلية فإن الكآبة والتوتر الناجم عن ذلك تكون شحنه نفسية وطاقة سلبية إن لم تجد لها سبيلاً بالتعبير من خلال الحديث والنقاش والحوار والفهم العادل تنعكس هذه الطاقة أو الشحنة النفسية إلى اعراض اكتئاب جسدية متنوعة أو سلوكية من خلال وسائل الدفاع النفسية اللاوعية ( العقل الباطن ) نتيجة " الكبت " وذلك كوسيلة لحفظ التوازن النفسي بطريقة لاوعية وقسرية ، والحال فهكذا توازن وهمياً قابل للانشطار والانهيار في ظل ظروف ضاغطة نفسياً .

 

تأثير الطلاق على المرأة والأسرة

 

التأثير النفسي الواقع على المرأة الناجم عن الزواج يعتمد على عاملين هما أسباب الطلاق ونظرة المجتمع السائدة التي تعيشه المرأة ، فقد تكون النتائج ردود فعل نفسي سلبية وقد تكون ايجابية .

 

فإذا كانت أسباب تعسفية وغير موجبة او في ظل مجتمع ينظر إلى المطلقة درجة دونية من بقية النساء كما هو الحال في المجتمع الحالي فلا شك بان المرأة ستكون عرضة للإصابة بالقلق النفسي والتوتر والمخاوف والاكتئاب والإحباط الناجم عن هذا الحدث وعن هذه النظرة الاجتماعية التربوي نحو أطفالها او أبنائها وعلى عملها والذي سينعكس سلباً على الأطفال نفسيا .

 

أما إذا كانت أسباب الطلاق موجبة ومنطقية وفي ظل مجتمع ذي نظرة معتدلة وايجابية تجاه المرأة كما هو في المجتمع الإسلامي وكما حث عليه الدين الإسلامي الحنيف سلوكيا سيكون ذا آثار ايجابية بإزاحة الظلم والبغي عن المرأة في ظل زوج مضطرب السلوك او منحرف او مدمن .... الخ او زوج متقصد في إيذاء زوجته وعدم تلبية حاجتها ورغباتها الأساسية ، فالطلاق هنا حماية للمرأة وعامل أساسي في إعادة استقرارها النفسي ، والمنطق الاجتماعي ذو أهمية بالغة في أعادة استقرار المرأة اجتماعيا وعودتها إلى المجتمع وأبعادها عن النظرة الدونية السائدة حاليا في تجمعنا وعودة الاستقرار النفسي والأمان الاجتماعي وهذا لا يحدث إلا في المجتمع الإسلامي المثالي سلوكيا حيث سمح بالطلاق وسمح بتعدد الزوجات وكرم المرأة سواء المطلقة او الأرملة او التي لم تتزوج وبالتالي فان النظام الإسلامي الاجتماعي هو العامل الأساسي والأوحد في أعادة بناء الأسرة والمجتمع وإبعادها عن الدخول في الانحرافات السلوكية وسراديب القلق والتوتر والاكتئاب وما ينجم عن ذلك من سلبيات .

 

للمزيد د. سعد القاهرة 23592251 0101424154

عدد القراءات : 14097
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات