احدث الاخبار

حكومات عربية لتضييع الهوية

حكومات عربية لتضييع الهوية
اخبار السعيدة - كتب - أ د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 17-08-2010

حين يندمج المجتمع المسلم مع مبادئ وأسس العقيدة الإسلامية ويمتثلها واقعاً ومنهج حياة، يكون هذا المجتمع بهذه الصورة المفاهيميَّة معبِّراً عن مصطلح الهوية الإسلامية، والهوية تقوم على أربعة أسس وعناصر(العقيدة ـ التاريخ ـ اللغة ـ الأرض) فإن تكونت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة المسلمة عبَّرت بمجموعها عن الهوية الإسلامية المقصودة.

 

وقد ذكر بعض المتتبعين لأصول كلمة (الهوية) أنَّ أصلها من كلمة (هو) وهو ضمير منفصل يعود على شخص ما، ولهذا فمن الخطأ أن ننطق كلمة الهوية بفتح الهاء بل بضمها فنقول (الهُوية) وليس(الهَوية) فالهوية إذاً هي المرجعية أو الخلفية التي تتشكل منها الشخصية الإنسانية.

 

وتستعمل كلمة(هوية) في الأدبيات المعاصرة لأداء معنى كلمة Identity التي تعبر عن خاصية المطابقة: مطابقة الشيء لنفسه، أو مطابقة لمثيله، وفى المعاجم الحديثة فإنها لا تخرج عن هذا المضمون، فالهوية هي: حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة، المشتملة على صفاته الجوهرية، والتي تميز عن غيره، وتسمى أيضاً وحدة الذات.[1]، وقريب من هذا عرَّف ”المعجم الوسيط” الصادر عن مجمع اللغة العربية حيث عرَّفها بأنَّها:(حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره)

 

وبعض الباحثين عرَّفها بأنها:(مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص التي تجعل أمة ما تشعر بمغايرتها للأمم الأخرى)[2] ولهذا كانت أمة الإسلامية خير أمَّة أخرجت للناس كما قال تعالى: (كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، وخيريَّة هذه الأمَّة نابعة من استقلاليتها التشريعيَّة والعقائديَّة والسلوكيَّة عن غيرها من الأمم الأخرى.

 

• هل الهوية الإسلامية تقبع في خطر الذوبان؟

 

ليس إدَّاً من القول بأنَّ هنالك من يريد إيقاع الهوية الإسلامية في الذوبان بالكافر الذي يسمونه (الآخر) ، إلاَّ أنَّ الهوية الإسلامية كمفهوم عقائدي وكأمة مسلمة معصومة من الذوبان، فإنَّها لن تقع في خطر الذوبان أو الانمحاق في الهويات الأخرى على وجه مطلق، فالله تعالى يقول: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) .

 

قد تضعف الهوية الإسلامية لدى بعض المجتمعات دون بعضها الآخر، ولكن أنَّ تذوب الهوية فهذا لا ولم ولن يكون، لأنَّ هذا الدين محفوظ بحفظ الله وقد تكفل الله به.

 

نعم! هنالك متربصون يتربصون بهويتنا الإسلامية وأمتنا الدوائر كما قال تعالى( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)، وهنالك تقارير معاصرة صدرت يتضح منها تمام الوضوح أنَّ أعداء الإسلام يريدون محق الهوية الإسلامية الصحيحة وإزالتها، ولو قلَّبنا صفحات تقرير من تلك التقارير كتقرير مؤسسة راند الذي يصدر تباعاً في كل سنة وقرأنا خططهم لعلمنا تلك العداوة الحقيقية لهويتنا العربية والإسلامية بشكل واضح.

 

لقد قال مرة الرئيس الأمريكي الأسبق ”ريتشارد نيكسون” في مذكِّراته بأنه ”ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلاَّ أحد حلَّين :الأول : تقتيلهم والقضاء عليهم .والثاني : تذويبهم في المجتمعات الأخرى المدنيَّة العلمانيَّة”.

 

وصدق الله ـ تعالى ـ حين قال عن أعداء المسلمين:(إنَّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملَّتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً) سورة الكهف.

 

ولهذا نجدهم يركزون كثيرا على (حرب الأفكار)، ومن أوائل من نادى بذلك (زينو باران) وهي باحثة تعمل في موقع مركز نيكسون ، الصادر عنه تقرير بعنوان(القتال في حرب الأفكار) وممَّن اعتمد ذلك وبشدَّة (دونالد رامسفيلد)؛ فكثيراً ما كان يصرِّح بأهميَّة غزو العالم الإسلامي ثقافياً ، ومنهم كذلك (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، فقد كان يدعو ـ ولا يزال ـ إلى علمنة الدعوة الإسلاميَّة، وجمع كبير من قادة الدول الغربيَّة.

 

بل جاء على لسان أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل عام 1967 في محاضرة له بجامعة بريستون الأمريكية بقوله: ’ يحاول بعض الزعماء العرب أن يتعرف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة، وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل، ولذا كان من أول واجباتنا أن نبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي’.

 

أذكر حادثة مهمة وهي أنَّه في عام (1948) عُقِدَ لقاء بين ضابطٍ عربيٍ كبيرٍ وقع أسيراً في الحرب، وبين قائدٍ عسكريٍّ صهيونيّ.. في هذا اللقاء: [سأل الضابطُ العربيُّ مستفسراً، عن سبب عدم مهاجمة الجيش الصهيونيّ قريةَ (صور باهر) القريبة من القدس.. فأجابه القائد الصهيونيّ: لأنّ فيها قوّةً من المتطوّعين المسلمين المتعصّبين!.. الذين لا يقاتلون لتأسيس وطنٍ كما يفعل اليهود، بل يقاتلون ليستشهدوا في سبيل الله!.. وعندما سأله الضابط العربيّ عن الأمر الذي يجعل اليهود يخافون من هؤلاء إلى هذه الدرجة، أجاب القائد اليهوديّ: إنه الدين الإسلاميّ!.. ثم استدرك قائلاً: إنّ هؤلاء المتعصّبين، هم عقدة العقد في طريق السلام، الذي يجب أن نتعاون جميعاً لتحقيقه، وهم الخطر الكبير على كل جهدٍ يُبذَل لإقامة علاقاتٍ سليمةٍ بيننا وبينكم!.. إنّ أوضاعنا وأوضاعكم لن تستقرّ، حتى يزولَ هؤلاء، وتنقطع صرخاتهم المنادية بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله، هذا المنطق الذي يخالف منطق القرن العشرين.. قرن العلم والمعرفة وهيئة الأمم والرأي العام العالميّ وحقوق الإنسان] [3]

 

وثمَّة مخاوف تصل إلى حدِّ الرهاب والهلع من الإسلام الذي يعرفه الأعداء كما يعرفون أولادهم، فهنالك تصريحات واضحة تظهر مدى تخوفهم من هذا الدين، فهذا أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية يقول عام 1967 ’إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي بفلسفته وعقيدته المتمثلة في الدين المسيحي .. ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها’.

 

بل قال (فيليب فونداسي) ـ رئيس المكتب الخامس الفرنسي لمصلحة التجسس الفرنسية ـ في مقدمة كتابه: (الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء) حيث قال:(إنَّ هذا الإسلام يؤلف حاجزاً أمام مدنيتنا المبنية كلها من مؤثرات مسيحية ومن مادية ديكارتية… فإنَّ الإسلام يهدد ثقافتنا في أفريقيا السوداء… وعلى الرغم من أن بعض النفوس المتسامحة تميل بطبيعتها وعن رضى منها إلى عدم تقدير هذا الخطر (الإسلام) حق قدره فإنه يبدو في الظروف الحالية للتطور الاجتماعي والسياسي لعالم البشر أنه من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، أو تحاول على الأقل حصر انتشاره، وأن يعامل وفق أضيق مبادئ الحياد الديني)[4].

 

ويمكن الإشارة إلى الوثيقة المسماة ”الإستراتيجية المشتركة للاتحاد الأوروبي في المتوسط” والتي أصدرها مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي في يونيو سنة 2000م. وتشير الوثيقة صراحة إلى سعي الاتحاد إلى تغيير بعض القيم الدينية في الدول العربية المطلة على البحر المتوسط بحيث تتوافق مع القيم الأوروبية. [5]

 

فهنالك إذاً فئات متطرفة ومعادية للإسلام تحاول المكر بالمسلمين والنيل من حرماتهم وهويتهم، بغياً وإثماً وعدواناً، ولكن لن يتم لهم ذلك ( والله متم نوره ولو كره الكافرون).

 

• تحديات تواجه هويتنا الإسلامية:

 

برأيي فإنَّ أخطر ما يمكن رصده من التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية ما يلي ذكره:

 

1) الغزو الفكري عقائدياً واقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً بشتَّى أنواع الغزو الإعلامي والدعائي.

 

2) التقليد للمستعمر المحتل بل القابلية للاستعمار.

 

3) ضعف عناية الناس وتمسكهم بفقه السلف الصالح ومنهجهم وإعجابهم بتقاليد اخرى.

 

4) استبدال الهوية الإسلامية بالهوية الطورانية اوالعربية القومية.

 

5) محاربة الجهاد في سبيل الله عقيدة وفكرا وسلوكا.

 

6) تغلغل المد الصوفي (المتطرف) والشيعي (الرافضي).

 

7) إعجاب الشباب بالنماذج التي لا تخدم أمَّتنا بل تفسد عقيدة وأخلاق الأمة المسلمة، كالفنانات والفنانين والمطربين والمطربات وما يقومون به من فساد أخلاقي بل عقائدي كذلك ومن يتأمل أغانيهم وكلماتهم لعلم مدى الانحدار الديني والخلقي، وصار بعض شبابنا كما قال الشاعر:

 

حتام نستعطي الغريب دروسه *** وتراثنا أسمى الذي في درسه نخشى مناهلنا ونرفض رفدها *** متهافتين على ثمالة كأسه إنا طردنا الأجنبي ولم نزل *** بعقولنا وقلوبنا في حبسه

 

 

• مقومات الهوية الإسلامية وثقافة الفرد إلى أين؟

 

للهوية الإسلامية أثر في تشكيل ثقافة الفرد وصناعة أفراد يعتزون بأمتهم وتاريخهم العريق المجيد، وخير مثال على ذلك ما فوجئت به فرنسا بعد أكثر من قرن من عمليات الإبادة والقهر والتخويف بأن مجموعة من الأفراد تقاطروا في إحدى المدن الجزائرية حيث خرجوا إلى الشوارع يرفعون شعار الجزائر تعود لك يا محمد، وتحدَّث الباحثون أنَّ أهم انجازات ثورة الجزائر أنها أوضحت لفرنسا ولكل العالم أن الهوية الإسلامية لا يمكن ان تنتزع من نفوس آمنت بالله، وذاقت حلاوة الإيمان.

 

فالهوية الإسلامية لها عظيم الأثر في تشكيل الثقافة الإسلامية لدى الفرد المسلم حيث يوقن ذلك الفرد أنَّه مسلم عزيز بإيمانه ومستقل به عن الآخرين ، فيتمسك بإسلامه ودينه ويحافظ عليه، ويدعو الكافرين للدخول في هذا الدين العظيم، ويعرض عليهم صفاء هذا الدين وطهر عقيدته، وبهذا يوالي ويعادي من خلال عقيدته وهويته، ويدرك انَّ جميع أبناء المسلمين إخوة له في العقيدة والهوية، كما قال الشاعر:

 

ولستُ أدري سوى الإسلام لي وطناً *** الشام فيه ووادي النيل سيانِ

 

و كل ما ذكر اسمُ الله في بلدٍ *** عددت أرجاءه من لب أوطانِ

 

والذي كان يعيش فترة العز في” العالم الإسلامي كان أمة واحدة تظله راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .. .وكان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هويّة وطنية، وإنما يحمل شعاراً إسلامياً هو كلمة التوحيد، فكلما حل أرضاً وجد فيها له أخوة في الإيمان وإن كانت الألسنة مختلفة والألوان متباينة لأن الإسلام أذاب كل تلك الفوارق واعتبرها من شعارات الجاهلية ” [6]

 

حينها يدرك الفرد المسلم أنَّه بقدر تقربنا لأعداء عقيدتنا وديننا وحضارتنا الإسلامية، فإنَّه ينعكس ذلك عليهم بمزيد من الكراهية والحقد الدفين، كما قال تعالى:(ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، وبقدر ما يأخذ المسلم من هويات الآخرين القبيحة من ناحية الأخلاق أو القيم والمبادئ فإنَّه سيؤثر ذلك سلبا على عقيدته وفكره وتحركاته وتوجهاته،كما قال الإمام ابن تيمية: ”من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشّم، وربما ضرّه أكْله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه”[7].

 

لهذا أدرك أعداء الإسلام مدى ضرورة فتح المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية وذلك لعملية التطهير الديني والتبشير بعقائدهم المناقضة لدين الإسلام، حتى ولو كان في تلك المدارس بعض الأدبيات والمناهج الإسلامية، ولكن البيئة الخاصة بها والموجهين والمعلمين والسياق العام فيها يخالف ما يتبناه الإسلام ويتغياه من صناعة فرد مسلم متكامل النسيج الديني والأخلاقي، فنجد أنَّ الحاكم العسكري في مصر كرومر) في عهد الاحتلال البريطاني لمصر كان يؤكد على ضرورة فتح مدارس تغريبية وأهميته في إفساد عقائد المسلمين بأن أبناء مدرسة فيكتوريا سيكونون جسراً بين الثقافة الإسلامية والثقافة الأجنبية.

 

سيكون هؤلاء أتباعاً للغرب ينادون بالهوية الغربية ويحاربون الإسلام والمسلمين، بل حصل شيء من ذلك في الجزائر حيث أنشأت فرنسا عدداً من المدارس سميت زوراً (المدارس العربية) لكنَّ تلك الخديعة الكبرى لم تنطل على بعض مشايخ الجزائر حيث وصف الشيخ محمد السعيد الزاهري تلامذة تلك المدرسة بأنهم لا يصلون ولا يصومون ويتحدثون فيما بينهم باللغة الفرنسية بل إنهم – في رأيه- لا يكادون يؤمنون بالله وباليوم الآخر، لهذا كان للتعليم دور رئيس وعظيم ومهم وخطير في لمحافظة على الهوية الإسلامية وصيانتها ورعايتها.

 

لأجل هذا نجد أنَّ جمعية العلماء الجزائريين وقفت جداراً صلباً ، وترسانة ضخمة في وجه الإدماج وتذويب الهوية و نشرت العلم و الهدى و النور و بنت المدارس و أسّست الصحف الإصلاحية و حاربت الشرك و البدع، وعكف الإمام عبد الحميد بن باديس على تفسير كتاب الله لربع قرن من الزمن، حتَّى بلغ عدد طلاّبه إلى ألف طالب، و ممّا كان يقوله لهم:”إن الشعب المتعلّم لا يُستعمر” ومن المأثور من كلام الإبراهيمي قوله:” الأمّة التي لا تبني المدارس تبنى لها السجون”، فكان لعلماء دور وخطَّة واضحة في التأثير على قومهم لكي تكون لديهم القابليَّة ضدَّ الاستعمار لا مع الاستعمار لكي يعود الاستقلال.

 

وأمَّا من يتشكك في هويته الإسلامية فإنَّك حتما ستراه قد ضعف دينه وصار مولعاً بهوية وثقافة الغير، ويضعف ترابطه بالتماسك الاجتماعي المحيط من حوله، فيفقد ذلك الفاقد لهويته مجتمعه وأفراد مجتمعه، ويذوب في الآخر (الكافر) ومن ثمَّ تراه ينتظر الفرصة حينا بعد حين للانتقال والسكن في دول الكفر لأنَّه لا يرى أنَّ مجتمعه قد يستوعبه أو أنه يتفاعل مع مجتمعه، وقد حصل هذا لكثير من الليبراليين الجدد وللأسف الشديد، على حد قول الشاعر:

 

مكائد أفعمت مكرا لأمتنا*** تكاد منها الصخور الصم تنفطر ليس العجيب الذي بانت عداوته*** لنا ومنه أتانا الضيـم والضـرر بل العجيب الذي من صلب أمتنا*** يكون عونا لمن خانوا ومن كفروا

 

وأما عن أبرز مقومات الهوية الإسلامية، فهي كما يلي:

 

1ـ الاعتزاز العام بالهوية الإسلامية وبهذا الدين الذي يحمله معتنقوه والمجاهرة به ونشره في الآفاق.

 

2ـ صناعة المنظمات والمؤسسات المعنية بالمحافظة على الهوية الإسلامية والدفاع عنها ، وتصحيح الصورة النمطية المسيئة في أذهان الكثير من الكفار سواء في الشرق أو في الغرب عن نظرتهم للإسلام وتجلية صورة الإسلام بصفته السمحة النقية الخالدة.

 

3ـ إبراز شهادات الغرب والشرق المنصفة والمحايدة التي تدلل على عظمة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان واستيعابه لجميع الأمور الدنيوية.

 

4ـ مجادلة ومناقشة المتشككين بدينهم والرد عليهم، وإبراز مصادر الخلل في التلقي والاستدلال عندهم وعلى رأسهم المنتسبين لليبرالية لأنَّهم أكثر الناس انتشاراً وخصوصا في وسائل الإعلام.

 

• كيف نحافظ على الهوية الإسلامية؟

 

دين الإسلام يُعْنى بتأكيد الهوية الخاصة ويرفض أطروحات الغرب العقدية والتشريعية، ويأمر بمخالفتها، فالله تعالى يقول وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).

 

وقد روى الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهل المدينة لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان قالوا: كنَّا نلعب فيهما بالجاهليَّة، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) أخرجه أبو داود بسند صحيح.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية إنَّ الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله تعالى:(لكل أمَّة جعلنا منسكاً هم ناسكوه) كالقبلة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم العيد وبين مشاركتهم سائر المنهاج، فإنَّ الموافقة في العيد موافقة في الكفر لأنَّ الأعياد هي أخص ما تتميَّز به الشرائع)[8].

 

قال الحافظ الذهبي رحمه الله:(فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم)[9]

 

وجاء عن الشريد بن سويد قال: مرَّ بي رسول الله وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتَّكأت على إلية يدي فقال عليه الصلاة والسلام: أتقعد قعدة المغضوب عليهم) أخرجه أبو داود، والمقصود بالمغضوب عليهم: اليهود، ويعلِّق الإمام ابن تيمية على هذا الحديث فيقول:(وهذا مبالغة في تجنب هديهم)

 

إنَّ محافظة الأمة المسلمة على هويتها الإسلامية، والاعتزاز بهذا الدين العظيم ، يولِّد لديها الشعور بأنَّها الأمَّة التي اصطفاها الله بين العالمين لخيريتها وسمو تشريعاتها، ولكنَّا وللأسف نرى أناساً من المثقفين العرب وغيرهم ، يكفرون بهويتهم ، وينقلبون على واقعهم الإسلامي بالهمز واللمز ، بل ويذوبون في المشروعات الغربيَّة المناهضة للمشروع الإسلامي، و التغريب هي القنطرة التي عبرت عليها العلمانية إلى الشرق ، وهذا التغريب لم يكن لحظة انبهار؛ لأن الانبهار يزول سريعاً فتبدو الأشياء على حقيقتها ، وإنما كان لحظة عمى وعمهٍ حضاري، كان لحظة تعاقـد تآمري أو على حد تعبـير د. محمد عمارة عمالة فكرية وحضارية)[10].

 

وأول أمر أجده مهماً ورئيساً في الحفاظ على الهويَّة الإسلاميَّة؛ تعميق الإيمان بالله تعالى فإنَ له أثراً كبيراً في تحصين القلب ضدَّ الأفكار الهدَّامة، وقد أدرك ذلك الشيخ محمد قطب فقال: ”وأول ما نبدأ به من هذا الجهد، هو تصحيح منهج التلقي… من أين نتلقى فهمنا لهذا الدين؟ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ أم مما دخل على هذا الفهم الواضح المستقيم من أفكار دخيلة ومنحرفة، بتأثير عوامل متعددة في أثناء المسيرة الطويلة للأمة الإسلامية، واحتكاكها الدائم بأخلاط من المذاهب، وأخلاط من الأفكار؟‍.فإذا صححنا منهج التلقي، وصححنا بناء على ذلك ما انحرف في حس المسلمين المتأخرين من مفاهيم الإسلام الرئيسية، بقيت علينا مهمة أخرى لا تقل خطراً، هي مهمة التربية على المفاهيم الصحيحة لهذا الدين. والتربية هي الجهد الحقيقي الذي ترجى معه الثمرة، ولكنه لن يؤت ثمرته حتى يقوم على أساسه الصحيح”[11]

 

لن أطيل في السرد حول ما ذكرته آنفاً لكني سأسوق قصَّة تدلل على مدى ضرورة المحافظة على الهوية لكل أمَّة تريد أن تصنع لنفسها الكينونة والخصوصية التي تتسم بها ، فنحن نعلم جميعاً ما وصلته اليابان من قوة تقنية وصناعية لا ينكرها منكر، ونتذكر جيداً أنَّ اليابانيين حين ضربتهم أمريكا بالقنبلة النووية ودمَّرت ناجازاكي وهيروشيما ، رأوا أنَّ من أسباب ضعفهم عدم قدرتهم على مواجهة الأمريكان ، وقلَّة المعلومات التقنيَّة التي لديهم ؛ فأرادوا تحقيق المناعة واستقطاب المعلومات التي يجهلونها فأرسلوا البعثات للتعلم في بلاد الغرب والنهل من علومهم الطبيعية ، حتى يرجعوا إلى اليابان وينقلوا إلى أرضها تلك التجارب الغربية الطبيعية فتنهض دولتهم ، وحين بعثت أول بعثة يابانية إلى دول الغرب رجعوا إلى بلادهم متحللين من مبادئهم ، ذائبين في الشخصية الغربية ، فما كان من اليابانيين إلاَّ أن أحرقوهم جميعاً على مرأى من الناس في طوكيو ، ليروا عاقبة من تنكر لأمته وقيمه ، ولم يرعَ المسؤولية التي أنيطت به ، وبعد ذلك أرسل اليابانيون بعثة أخرى ، وأرسلوا معها مراقباً يراقبهم أولاَّ فأول ، من ناحية ثباتهم على عقيدتهم وخصوصياتهم البوذية ، ومراقبة انهماكهم في استقطاب واجتذاب المعلومات التي يجهلونها لينقلوها في واقع بلادهم ، وتمضي الأيام وتكون اليابان من أكبر الدول التقنية في العالم أجمع ، بل والمنافسة والمسابقة لأمريكا وأوروبا في كثير من التخصصات التقنية.

 

أليس في هذه القصة درس وعبرة بما يفعله الآخرون من غير المسلمين في الحفاظ على هويتهم، ومع ذلك وصلوا ونجحوا، وذلك لمحافظتهم على الخصوصية والهوية الخاصَّة بهم، فأولى بنا وبالأمة المشهود لها بالخيرية والوسطية بأن يكون أبناؤها خير أناس يحافظون على هوية الأمة الإسلامية ، ويرعون هويتهم حقَّ رعايتها ؟!

 

هنالك نقطة ذات أولويَّة في نظري وتسهم في المحافظة على الهويَّة والخصوصيَّة الإسلامية مما يسمى:(عولمة الثقافة) وإشعار هذه الأمة بخطورة هذه الفكرة، وأنًَّ فحواها ومحتواها طمس الخصوصيات الإسلاميَّة ، وإشغال الأمًَّة المسلمة بما لدى الأمم الغربيَّة والأمريكيَّة على وجه الخصوص من ثقافات جديدة ، وإغراقهم في المستنقع الثقافي لما يسمَّى بالقرية الكونية [وإذا كانت وزيرة الثقافة الدنماركيَّة اشتكت من هيمنة الثقافة الأمريكيَّة ، وقالت :”لم يعد يحتمل هذا الغزو” وإذا كان الرئيس الفرنسي السابق (فرانسو ميتيران) وقف يخطب في الجموع المحتشدة محذِّراً من تفشِّي ظاهرة لبس الجينز بين الشباب الفرنسي لأنَّه مظهر من مظاهر الغزو الأمريكي) فإنَّا بوصفنا مسلمين يلزمنا، أن نحذر من ذلك ونكون أشدّ إصراراً على المحافظة على هويتنا وخصوصياتنا وقيمنا ، وعدم التشبه والاقتداء بأعداء الإسلام ، كيف ورسولنا ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حذَّرنا من ذلك وقال من تشبَّه بقوم فهو منهم) أخرجه أحمد وجوَّد إسناده ابن تيمية وحسَّنه ابن حجر.

 

ومن ابرز الأساليب للحفاظ على الهوية الإسلامية عدة نقاط :

 

1ـ التعلُّق باللَّه ـ عزَّ وجل ـ والاستعانة والاستعاذة به ، وسؤاله الهداية والثبات والممات على دين الإسلام من غير تبديل ولا تغيير.

 

2ـ الثِّقة بمنهج الله ووعده وحكمه وأوامره ، واليقين به ومراقبته ، والشعور بالمسؤوليَّة عن حفظ الدين من شبهات المغرضين ، وعدم خلطه بالباطل.

 

3ـ تلقِّي العلم عن العلماء الربَّانيين ، وإرجاع المسائل المشكلة إليهم ليحلُّوها ويوضِّحوا ما أبهم على صاحبها، فلا يستعجل في قبول فكرةٍ أطلقها من لا يؤمن فكره ، ولا يبقي تلك الشُّبهة في صدره حتَّى تعظم ، بل ينبغي عليه أن يضبط نفسه بالرجوع للراسخين من أهل العلم ؛ فإن الله ـ تعالى ـ يقول:(فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون) 4ـ البناء الذاتي بمعرفة مصادر التَّلقي ، ومناهج الاستدلال الصحيحة ، وملء القلب بنور الوحي من الكتاب والسنَّة، مع ملازمة إجماع أهل السنَّة والجماعة.

 

5ـ التعلَُّق بكتاب الله قراءة وفقهاً وتدبُّراً وعملاً ، ولو أقبل الخلق على كتاب الله والانتهاج بنهجه ، لأجارهم ـ سبحانه ـ من الفتن ، فالقرآن شفاء لما في الصدور ، ومن يعرض عنه فسيصيبه من العذاب بقدر ابتعاده عنه (وألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربِّه يسلكه عذاباً صعدا).

 

6ـ تكثيف البرامج التوجيهيَّة ، وأخصُّ بالذكر وسائل الإعلام بشتَّى أصنافها ، ومحاولة زرع الثقة في قلوب المسلمين بالاعتزاز بدينهم وعقيدتهم 7ـ إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنيَّة برصد الانحرافات الفكريَّة ، والتعقيب عليها بتفنيد الشُّبه ، والجواب عن الشكوك و الإثارات التي تخرج من بعض المارقين من قيم الإسلام ومبادئه ، والجهاد الفكري ضدَّها، من منطلق قوله تعالى:(وجاهدهم به جهاداً كبيرا) 8ـ التربية للنشء بما يرضي الله ، والتحاور معه بتبيين فساد شبهات أهل الزيغ والهوى ، مع قوَّة الإقناع، وأدب الحوار ، فالتنشئة الصحيحة على التحصين العقدي هي أول عمليَّة في التربية.

عدد القراءات : 5063
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات