احدث الاخبار

الدكتور يكن الداعية (رحمه الله )

الدكتور يكن الداعية (رحمه الله )
اخبار السعيدة - كتب - زياد علوش         التاريخ : 20-07-2010

استحق الدكتور يكن لقب الداعية عن جدارة بمنة وتوفيق من الله سبحانه, تلك هي اجل الأعمال,التي تحتاج إلى التوكل على الله حقيقة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره والصبر الجميل والتعلم والتبصر الدائمين, لم يكن للدكتور يكن شخصيتان لقد ذاب كلياً في شخصية الداعي إلى الله على بصيرة من أمره وجمع بين خيري الدنيا والآخرة, فأخلص للقضية الرابحة بذاتها فرفعته إلى مصاف الداعين إلى الله  ,بل كان مؤسسة دعوية في رجل, وكان الإنسان الذي رفعه تواضعه فتربع على عرش قلوب معارفه وأحبائه, هو من فرائد خميرة تلك الثلة التي أسست للصحوة الإسلامية المعاصرة وحبة في عقدها اللؤلئي الأصيل بل ذاكرة حية لحركيتها والتي قدر لها تلك التجربة التي اتصفت بالمزج بين النظرية والميدان دون كلل أو ملل بل ما زادتها السنون إلا القاً وتوهجاً لا نقول أولئك الذين كان همهم الإسلام بل كان شغفهم ومتعتهم التي أرادوا أن يشاركهم بها الآخرون لذلك أخلصوا لها فخلدتهم في صفحات عز هذه الأمة .

جبهة العمل الإسلامي

للإضاءة على حقبة تأسيسه ورئاسته لجبهة العمل الإسلامي في لبنان بعد رحيله لا يمكننا فعل ذلك بكل تأكيد دون العودة إلى أخيه وصديقه في الدعوة بشكل عام وفي تلك التجربة بشكل خاص بما كنت أعلمه بين الرجلين من خصوص تجربة ونبل مقصد عنيت فضيلة الشيخ هاشم منقارة الذي يقول بلطافته المعهودة لشدة احترامه وتقديره للداعية يكن: لا أعرف بعد تجربة الجبهة لما لم نكن كذلك منذ زمن بعيد إلا أن الله سبحانه قدر للعمل المشترك أن يكون في زمن جبهة لحكمة يعلمها . ولتأخذ أبعادها القوية في الساحة الطرابلسية والوطنية والعربية والإسلامية,وعن الدواعي التي استدعت ولادة الجبهة على يدي الداعية ورفاقه .

يقول الشيخ منقاره : بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدت الصورة السنية مقلوبة تماماً حيث عملت جهات مشبوهة على تزييف وتشويه الحقائق والمعطيات بصورة محمومة فترنحت الساحة السنية وإن كانت هي الموؤل والرهان وبدت وكأنه يراد لها أن تأخذ دوراً معادياً لأمتها وقضيتها فكان فخاً محكماً لتجريدها من دورها الحضاري والريادي خاصة في سعيها نحو الوحدة والمقاومة ويضيف الشيخ منقارة أنه لذلك كان لا بد من حالة استنهاض وتصحيح سنية وكان الرهان على قيادة الداعية بما له من حضور فاعل وعميق تجربة وإخلاص فتم الإعلان عن تشكيل (قوى العمل الإسلامي) في لبنان وهو عبارة عن أحزاب وهيئات وجمعيات وشخصيات لها حيثيتها الميدانية على الساحة العامة لا سيما السياسية منها وبعد ذلك أخذت منحى التأسيس الجبهوي الذي أعطاها حضوراً وطنياً وإسلامياً فاعلاً .

ويلفت الشيخ منقارة إلى أن الجبهة ورئيسها خاصة تعرضا في ذلك لاستهدافات محمومة لثنيها عن ذلك الدور إلا أنها وبفضل الله بقيادة الداعية يكن أثبتت أنها كانت على صواب بعدما عمل أكثرية اللبنانيين والعرب والمسلمين على إعادة قراءتهم باتجاه ما كانت تدعو إليه الجبهة خاصة في موضوعي الوحدة والمقاومة وهذا المسار السياسي للجبهة ينسجم بقوة مع المسار الأصيل الذي خطه الداعية يكن منذ انطلاقته لأكثر من نصف قرن .

ويوضح الشيخ منقاره أن الداعية يكن بتجربته في جبهة العمل أكد المؤكد من نهجه وشخصيته ومن الظلم الفادح اتهامه بالخروج عن ثوابته مع الاعتراف بأن التجربة الأخيرة كانت الأكثر إشكالية لدى البعض ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالآخرين أنفسهم عندما تعرضت المواقف والمفاهيم والمصطلحات للتحريف والتشويه وأصبحت قنابل موقوتة في الحياة السياسية والاجتماعية والسؤال هل كان يوماً داعيتنا مع غير المقاومة والوحدة , إذاً ما الذي تغير أو استجد بل من الذي تغير , هذا المعنى أكده الداعية يكن في كل مواقفه وكتاباته الأخيرة لا سيما كما في ليت قومي يعلمون والسنيون الجدد الذين تركوا مرارة في نفسه وأسى عليهم بسبب المزايدات المصلحية الشخصية لرجل مبدئي حتى مع حلفائه حيث يمكن الإشارة هنا لامتعاضه العلني من المعارضة عندما كان يدعوها لبرنامج وتحالف انتخابي موحد يقوم على رؤية واقعية مبدئية وكان إيمانه عميقاً بأن الحالة السنية المشار إليها هي حالة عرضية ما تلبس أن تزول بزوال الأسباب أهمها ردة الفعل وقوة اللحظة التي حصلت بعد اغتيال الرئيس الحريري والتي في حقيقتها تمثل برأيه أدب؟ اليمين اللبناني المتطرف المعهود وبعض بقايا اليساريين الذين فقدوا أدوارهم فوق الميدان .

ومع كل هذا الشحن اتصف داعيتنا بقوة اعتدال الموقف فكانت له آراؤه الخاصة أبان الاعتصام وسط بيروت ولقاءاته مع الرئيس السنيورة حيث كانت له تصوراته المعلنة والمستقلة في تلك الفترة كما كان له رأيه الخاص فيما حدث أثناء أحداث 7 أيار أن تلك المواقف دحضت بقوة مزاعم الاستلحاق التي اتهم بها وكان رأيه في بناء الشخصية السنية القوية في أن تكون حليفاً قوياً مع الأخوة والأصدقاء ومناجزاً مهاباً عندما تتعرض للاستهداف وكان يأخذ على الآخرين مقولة قوة الطائفة والبلد والأمة بالضعف لقد أراد البعض من الداعية المستحيل أن يكون طائفياً ومذهبياً وضد المقاومة وعندما لم يجارهم اتهموه بما أقدموا هم أنفسهم عليه .

بالطبع العنوان هو شخصية الدكتور يكن الداعية إلا انه من الظلم ولقربنا منه في حقبة جبهة العمل حيث أراد البعض من خلالها اغتيال تاريخ الداعية يكن كان لزاماً علينا المرور اللطيف على تلك الحقبة كشهادة وأنصافا ً لرجل الدعوة بامتياز .

صاحب الإرث الجامع 

ربما أن هذا السرد يبدو للوهلة الأولى بحثاً انطباعياً أكثر منه بحثاً أكاديمياً أو تقليدياً إلا أن حقيقته أنها شهادة شخصية مباشرة تنبع من عملنا الدوري في حقبة جبهة العمل الإسلامي تحت قيادته وتوجيهه المباشر بإصدار أسبوعية صوت الجبهة الاسم على المسمى والتي كان يوليها اهتماماً خاصاً جداً فكنا جزءاً من ذلك الاهتمام الذي لم يكن نمطياً أو تقليدياً ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى نظرة الداعية البنيوية الواضحة بين الهدف والوسيلة على أسس إيمانية حضارية لذلك كانت متابعته للتفاصيل على ذلك النحو قضية تثير الإعجاب بمعناها التفاعلي البعيد عن منطق الإملاء والتوجيه الجاف لأن هدفه وأسلوبه الذي تميز به كان قدرته على استنباط أفضل ما عند الشركاء لخدمة القضية التي بين يديه وينبع ذلك من شيئين أساسيين الأول إدراكه لجدية قضيته وأهمية سلامة وسائله لا سيما في المجال الإعلامي فكان القائد الذي يعرف الإفادة في الوقت المناسب من أسلوب وتقنيات الكاتب والإعلامي وحتى الصحفي منه ,كان الداعية يكن صاحب طله إعلامية محببة يؤكد ذلك المضمون عندما يتحدث أو يصرح أو يخطب في الجماهير وكان الشخصية الجامعة ,فإن اختلفت الحركة الإسلامية فيما بينها إلا أنها أجمعت عليه بكل خصاله وأصالته فكان الجميع عنده تحت مظلة الإسلام ورايته وإن تباينت الآراء والاجتهادات في قضية ما وهي عنده من السعة كما هذا الكون الذي يزداد رحابة دون توقف.

 فالإسلام عنده شامل موحد في نظرته للإلوهية والحياة والكون والإنسان . وهذا يفسر سعي مجمل الحركات الإسلامية بعد رحيله لتبني إرثه الذي جمعه من تبر الشريعة الحنيفية فصاغ منه أجمل حلي الدعوة لكل سائر على هذا الطريق .

الشخصية الشمولية

لم يكن الدكتور يكن داعية نمطية تقليدية لقد كان مواكباً لأساليب الدعوة المعاصرة بما تستلزم من أساليب وأدوات فعندما كان يتكلم عن العولمة التي بهرت البعض استطاع بفضل سعة اطلاعه ومواكبته للمستجدات بعناوينها وتفاصيلها أن يوضح لنا ماهيتها ودورها الاستعماري الجديد بالمقارنة مع قواعد الإسلام وأصوله وفروعه وتطبيقاته وتجربته. كان الداعية المعرفي صاحب الثقافة المركبة التي عرفت كيف تدجن التخصص الدقيق وتضعه في سياقه الطبيعي خدمة للهدف الأسمى وتنزيهاً لها عما لا يليق بها كما يفعل أعداء الإسلام, فكان الداعية والفقيه والسياسي والمصلح الاجتماعي والكاتب والإعلامي بصورة مبتكرة متمرس بلغته ومتقن للغات كما تميز بالحاجة بطلب العلم  والمعرفة الذي لا يكون عنده فقط بطرقه التقليدية فلكل مشهد عنده آية وعبرة تقتضي الوقوف عندها والملاحظ أن علاقاته الشخصية وتحالفاته السياسية وغيرها لم يبنها مع الآخرين بحسب قوة حيثيتهم المادية أو الميدانية كان فقط ينظر لصدق النية وقوة الإرادة والعزيمة التي بنفس الوقت لا تكلف المرء أكثر مما يطيق .

انه رجل التيسير دون التحلل أو التفريط لذلك اتصف أسلوبه بما نسميه قوة الاعتدال وربما يفسر هذا تباين الموازين داخل جبهة العمل نفسها  ,وفي هذا السياق اذكر حادثتين ربما تدلل على شخصية الداعية وسماحته المرة الأولى عند انفصال الشيخ الحسامي كما ادعى عن الجبهة وعندما سمع الداعية بالحدث سأل عن شخصية الحسامي واتضح لي من ذلك انه لا يعرفه إطلاقاً حتى مع محاولة البعض وصفه وقال الداعية معلقاً بابتسامته المعهودة نشكوا أمرنا إلى الله ونرجو ألا يحصل له مكروه ممن حرضوه كي لا نتهم به اذكر تلك القضية على ضآلتها فقط لأقول تبدو استحالة الابتعاد طوعاً عن الداعية بما كان ولما كان لأي إنسان عرفه هي الشيء الوحيد الممكن فكيف بالانقلاب عليه .والقضية الثانية عندما كتب الزميل في جريدة المستقبل فادي شامية عن الدكتور يكن لنا أن نتأمل تواضع ورهافة تلك الشخصية بردها في مقال آخر للداعية على تلك المقالة ومفادها أن الحقيقة وحدها يجب أن تكون قصد الجميع .

كيف فهم الدكتور يكن الدعوة

تلك كانت مهنته التي اختارها بشغف فكان لا بد له من إتقانها بكل أدواتها وقاعدته في ذلك أن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه كذلك لا يبطله فكان شديد التفاؤل بخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله والدعوة عنده واجب كفائي على الأمة واجبة على الأمام وأولي العلم من المسلمين فضلها عظيم فهي مهمة الأنبياء والرسل كما يقول هدفها إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم وقصدها إخراج الناس من الظلمات إلى النور ويكون عنده بإيجاد الأمة الصالحة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله بعناصرها المؤمنة الصالحة التي تقيم الحجة على الجاحدين وتنهى عن الفساد في الأرض ومن الخطأ الظن عنده أن الفساد ينحصر في الزنا وشرب الخمر وما في معناهما فالاستهانة بكرامة الشعب منكر وتزوير الانتخابات منكر لذلك أفتى بحرمة بيع الأصوات وسرقة المال العام واحتكار السلع منكر واعتقال الناس بغير جرم حكم به قضاء عادل وتعذيبهم في السجون والمعتقلات منكر (لذلك وقف مع المظلومين منهم) والرشوة وتملق الحكام بالباطل وإشاعة الهلع والحروب والقتل المتنقل وتدمير الممتلكات منكر وهكذا تتسع عنده دائرة المنكرات لتشمل كثيراً مما يعده الناس في صلب السياسة وبرأيه لا يمكن للأمة أن تستقيل أو تتخاذل وإلا فقدت دورها وانتهت رسالتها وحكم عليها بالفناء لأنها غدت أمة أخرى لأن وظيفتها كما يقول عمارة الأرض بالخير والعمل الصالح .

أركان الدعوة :

أ-المدعو اليه وهو الإسلام

ب-الداعي وهو القائم بأمر دعوة الناس

ج -المدعو وهو من يراد دعوته وهم: أهل الإسلام خاصة والناس عامة .

الركن الأول : وأصول الركن الأول عنده انه لا يدعى إلا إلى الإسلام , والإسلام هو: كتاب الله  (القرآن) وسنة رسوله محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وما أجمعت عليه الأمة , وحقيقة الإسلام عبادة الله وحده لا شريك له , فالإسلام نظام شامل لكل أعمال الإنسان ولا يحتاج لغيره .

الركن الثاني : الداعي إلى الله المراد به كل مسلم حمل أمانة الدعوة , العلم بما يدعو إليه الشرط الأهم للداعي , أن يكون حريصاً على هداية من يدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة وهي عنده وصف جامع للعلم النافع الذي يمكن صاحبه من وضع كل أمر في نصابه مما ييسر له الوصول إلى أفضل النتائج بأيسر السبل .

الركن الثالث:عالمية الرسالة ,  كما الناس لديه حيال الإسلام أقسام : قسم آمن وأتبع , وقسم كفر وهم نوعين : كفار معلنين وكفار تظاهروا بالإسلام وأضمروا الكفر, وقد سماهم القرآن بالمنافقين  , وأصول دعوة الكفار عنده منهم من بلغته دعوة الإسلام على الوجه الصحيح ومنهم من بلغته بصورة مشوهة ومنهم من لم تبلغه بعد ومنهم أهل الكتاب اليهود والنصارى وهنالك الوثنيون والمجوس وممن لا ينتمون لدين أصلاً ومع هؤلاء جميعاً يجب إبلاغهم الإسلام صحيحاً قاطعاً للعذر يبطلون فيه شبهات الكفار ويدفعون باطلهم ولا يبدأ مع الكافر إلا بالتوحيد ثم الأهم فالأهم وتعرض باللين والحكمة والموعظة الحسنة وترد إساءتهم ولا يسكت عنها أي بطعنهم بالدين كذلك قبول الكافر أخاً في الإسلام مهما سلف منه في الكفر ولدعوة المرتد أصول ولا حكم بالردة إلا من عالم بالإسلام كذلك لدعوة المنافق أصول ولا يحكم على شخص انه منافق نفاقاً اعتقادياً إلا ببرهان لا يقبل النقض انه يبطن الكفر ويظهر الإسلام كذبا , ثانياً يدعى المنافق إلى الإسلام بوعظ ويذكر بالله ويجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة ويغلظ عليه عند مخالفة الشرع , وللدعوة بين المسلمين عنده ميدانان :

أ   - التربية والتعليم

ب - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكل منهما أصول وقواعد

قواعد في التربية على الإسلام وتعليمه تصور النموذج المثالي للإنسان الكامل والعبد الصالح  ,التعليم الدائم  ,الأخذ بالعلم والعمل  ,اغتنام سني الحفظ الذهبية عند الصغر , تعلم الحق قبل الباطل  ,التحصن بجواب الشبهة قبل ورودها    التربية بالأسوة الحسنة والحلم بالتحلم والتدرج في التعليم والتقويم المستمر  ,تعليم الناس ما يحتاجون اليه على قدر إفهامهم, عدم تضييع الوقت في إبطال الشبهة الواضحة البطلان  ,الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا أمر بمعروف أو نهي عن منكر إلا بعد العلم بما تأمر به وتنهى عنه واتخاذ إحدى مراتب الإنكار إتباعاً للحكم والقدرة بين اليد واللسان والقلب ووجوب أتباع المصالح الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإخلاص النية والبعد عن الهوى كذلك الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووسائل الدعوة عنده هي : كل وسيلة أمر الله بها وصولاً إلى الغاية فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود أما حكم الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد فإذا رجحت المصالح على المفاسد كان اتخاذ هذه الوسيلة مشروعاً إما حكم الوسائل المحرمة فكل ما حرمه الله سبحانه فلا يجوز استخدامه في الدعوة إلى الله وأعظم وسائل الدعوة عنده تعلم القرآن وتعليمه ونشره  ,إعلاء منزلة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في الأمة ونشر كتب السنة  ,لذلك جعل الله الخلافة في الأرض للإمام المسلم الذي يقوم بهذه المهمة,تجنيد طاقات الأمة كلها في الدعوة إلى الله وفي طليعتها العلماء العاملون والمربون , إحياء مهمة المساجد, اغتنام شهر رمضان والحج والجماعات الدعوية والمؤسسات التعليمية والوسائل الإعلامية.

انعكاس دعوته على شخصيته :

لقد انعكست مهنته الدعوية رحمه الله على سائر شخصيته بشكل كلي فاستحال التفريق بينهما والتي عند دراستها يجب أن نتوجه نحو هذا البعد أولاً أي الداعية يكن تلك الصفة هي الفريدة الأم التي تمحورت عندها مواهبه وخصاله وقبل البحث عن أية عناوين أخرى لأن مجمل حركته ارتبطت وثيقاً ليس بين شيئين إنما بلغت حد التوحد فمن المستحيل أن نجد أي طيف للدكتور يكن خارج إطار الداعية, كان المتفائل برغم الصعاب المتصالح مع نفسه والآخر . لم لا فعقيدته قررت أن الله رب الإنسان خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقاً وسبيله لتلك الصداقة أن يتأملها ويتعرف عليها وإن كانت تؤذي الإنسان أحياناً فلأنه لم يتدبرها ويعرف الناموس الذي يسيرها لقد انعكس الإسلام على داعيتنا بكليته فكان كما عرفناه مطمئناً قد وجد ضالته في الوجود الموحد الصادر عن إرادة واحدة فأجابته عن كل أسئلته التي احتاج إليها في دعوته فالإنسانية التي تاهت عنده إنما لأنها ظلت تفرق بين القوى الروحية والمادية تنكر إحداها لتثبت الأخرى لا تعترف بوجودهما إلا في حالة تعارض وخصام وتصوغ تعاليمها على هذا الأساس ونسوا أن وراء هذا جميعه قوة الأزل والأبد يقول داعيتنا إنها الوحدة التي تعقد السلام الدائم بين الكون والحياة وبين الحياة والأحياء والجماعة والفرد والأشواق والنزعات والدين والدنيا والأرض والسماء وهي لا تعقد هذا السلام على حساب الجسد ولا على حساب الروح ولا على حساب الفرد أو الطائفة أو الجيل فلكل حقوقه وواجباته على سنة العدل والمساواة عن تلك الوحدة اخذ داعيتنا تشريعاته وتعليماته وفرائضه وتوجيهاته وحدوده وقواعده في السياسة والمال والمغانم والمغارم والحقوق والواجبات كان عاشقاً للحرية أي للعدالة الإنسانية الشاملة لكل جوانب الحياة ومقوماتها وليست عنده مجرد عدالة اقتصادية ومادية بل ممتزجة بالقيم المعنوية والروحية لأن الحياة عنده تراحم وتواد وتعاون وتكامل محدد الأسس مقرر النظم .

كان إيمانه مبدأ تكافؤ الفرص بالعدل للجميع مفتوحاً بالجهد والعمل ثم أعاد التصنيف للقيم الأصيلة , والإسلام عنده يقيم العدالة على أسس ثابتة يحدد لبلوغ أهدافها وسائل معينة فلا يدعها قضية غامضة ولا دعوة مجملة لأنه دين حياة لا دعوة في عالم المثال فالإسلام يعد واقعاً ويمد بصره إلى جميع الآفاق ويحسب حساباً لجميع المصالح ويهدف إلى تحقيق غاية تشمل الإنسانية كلها من البدء إلى النهاية تلك هي النظرة الكلية البعيدة الأهداف إلى العدالة وهي التي برأي الداعية يكن تفسر نظام الملكية الفردية والإرث والزكاة والحكم والمعاملات...إلى آخر ما يتضمنه الإسلام من نظم تتناول الأفراد والجماعات والأمم والأجيال حيث التحرر الوجداني المطلق والمساواة الإنسانية الكاملة والتكافل الاجتماعي الوثيق, فليست العبادات برأي داعيتنا مجرد ألفاظ وحركات بل توجه كلي بالقلب والفكر والجسد في وقت واحد إلى الله قادر على تحرير الوجدان من شعور الخضوع لغير الله فيتحرر من الخوف الذي يصيب عادة أهل الدنيا من قلق عليها فإذا استشعر الضمير البشري هذا كله ووجد من الضمانات الواقعية والقانونية ما يؤيد في نفسه هذا الشعور فلن يكون في حاجة لمن يهتف له بالمساواة لفظاً وقد استشعرها في أعماقه معنى ووجدها في حياته واقعاً .

والإسلام عنده لم يكتف بالمفهومات الضمنية المستفادة من التحرر الوجداني فقرر مبدأ المساواة باللفظ والنص لقد قرر الإسلام المساواة لأنه قرر وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير والمحيا والممات والحقوق والواجبات أمام الله والقانون في الدنيا والآخرة لقد أيقن داعيتنا كما يقول الإسلام وثبة بالإنسانية لم يعرف التاريخ لها نظير ولن يكون , ويؤكد أن الإسلام تعقب مظان التفاوت والتفاضل إلا بالتقوى والعمل الصالح في صورها وملابساتها وأسبابها والإسلام عنده يمنح الحرية الفردية في أجمل صورها والمساواة الإنسانية في أدق معانيها لكنه لا يتركها فوضى فللمجتمع حسابه وللإنسانية اعتبارها وللأهداف العليا للدين قيمتها لذلك يقابل مبدأ التبعية الفردية في مقابل الحرية الفردية ويقرر إلى جانبها التبعية الجماعية التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها أما وسائل العدالة عنده أن الإسلام يعمل من داخل النفس وأعماق الضمير لكنه لا يغفل عن الواقع العملي في محيط الحياة وحقيقة النفس البشرية وما يعتريها بقدر علمه العميق بأغوارها يشرع ويوجه ويصوغ الأوامر والنواهي ويضع الحدود وينفذها ثم يهتف للضمير أن يتسامى فوق التكاليف المفروضة ما استطاع عندما تصبح الحياة ممكنة تعرج في معارج الكمال من تسامح وتسام عن طواعية ورضى وإقبال يمنح الحياة قيمتها الإنسانية المترفعة عن القيود والضرورات وضغط القوانين ودفع التكاليف لذلك كان النصر والتمكين في الأرض لمن يؤدون ما استطاعوا حق الله عليهم .

ويقوم النظام الإسلامي عنده على فكرتين أساسيتين مستمدتين من تصوره الكلي للإلوهية والكون والحياة والإنسان: فكرة وحدة الإنسانية في الجنس والطبيعة والنشأة  , وفكرة أن الإسلام هو النظام العملي العام الذي لا يقبل الله سبحانه من احد نظام غيره لأنه لا يقبل من احد ديناً إلا الإسلام والدين في المفهوم الإسلامي عنده هو النظام العام الذي يحكم الحياة.

وفي السياسة المالية يسير الإسلام عنده على هدي نظريته العامة وفكرته الشاملة ويتبع في تحقيق هذه السياسة وسيلتين أساسيتين : التشريع والتوجيه, فيبلغ بالتشريع الأهداف العملية الكفيلة بتكوين مجتمع صالح قابل للرقي والنماء ويرمي بالتوجيه إلى التسامي على الضرورات والتطلع إلى حياة ارفع والرقي بالحياة إلى عالم المثل الذي لا يملك احد أن يرتقي إليه إلا بالإسلام , والإسلام عنده يقرر حق الملكية الفردية للمال بالوسائل المشروعة ولا شبهة في تقرير ذلك الحق الواضح الصريح وأنه قاعدة الحياة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي التي لا تخالف إلا الضرورة بقدر , وتقرير هذا الحق يحقق العدالة بين الجهد والجزاء فوق مسايرته للفطرة واتفاقه مع الميول الأصيلة للنفس البشرية التي تتفق مع مصلحة الجماعة بإغراء الفرد على بذل الجهد لتنمية الحياة التي تحقق العزة والكرامة والاستقلال ونمو الشخصية للأفراد بحيث يصبحون أمناء على الدين يقفون في وجه المنكر يحاسبون الحاكم وينصحونه دون خوف من انقطاع أرزاقهم لو كانت في يد الحاكم .

والفرد مفطور على حب الخير لذاته فلا ضير أن يقبل على العمل والإنتاج لأنه يلبي أشواقه وحاجات نفسه ولا يشعر انه مجرد مسخر للعمل يبذله كارهاً بائساً والجماعة بعد ذلك تستفيد من هذا الجهد والكد بقواعد وضعها الإسلام تتيح هذه الفائدة ولا يجوز تحطيم الحوافز الطبيعية المعتدلة للفرد والجماعة لأن احترام الإنسانية يقتضي النظر بعمق لطبيعتها وأصالة فطرتها وتأصل جذورها لتكون أكثر تعقلاً وأشد تحرجاً وأدق تفكيراً في محاولة توجيهها وإقامة نظمها فدلائل السنين التي عاشتها البشرية لا يجوز أن تذهب سدى لنفترض نظريات عن ميولها وفطرتها وسلوكها ثم نطبق هذه النظريات قهراً وقسراً ! وطبيعة تلك الملكية عنده ليست مطلقة بلا قيود أو حدود فالفرد وكيل في هذا المال عن الجماعة وحيازته له وظيفة أكثر منه امتلاكاً والمال في الأصل حق الجماعة والجماعة مستخلفة فيه عن الله إنما جاءت من بذل الفرد جهداً خاصاً لحيازة بعض هذه الملكية التي استخلف الله فيها جنس الإنسان فهي ملكية التصرف والانتفاع فلا قيمة للملكية العينية دون ذلك فإذا سفه التصرف حق للوالي والجماعة استرداد حق التصرف وعلى كثرة ما يشيد الإسلام برأيه بالقيم المعنوية ومهما تسامى بها عن الضرورات الأرضية إلا انه لم يغفل القيم المادية ولا يكلف الناس فوق طاقاتهم لذلك كره أن يكون المال دولة بين الأغنياء فحسب وهكذا للإسلام قواعد في وسائل التملك وتنمية الملكية وطرق إنفاقها  كما أن للإسلام روحاً يصعب ضبط مصطلحه في قالب من اللفظ المحدود .

هذه الروح ترسم الأفق الأعلى الذي يطلب الإسلام من معتنقيه أن يتطلعوا إليه ويحاولوا بلوغه وصعوبة الملتقى وتعذر الاستواء عليه طويلاً لا يعني أن الإسلام فكرة شاعرية خيالية ومثل وجداني تدركه الأشواق وتقصر دونه الأعمال فذلك الأفق الأعلى الذي نتحدث عنه لا يكلفه كل إنسان في جميع الأزمان إنما هو هدف مرسوم لتحاول البشرية اليوم وغداً كما حاولته بالأمس فبلغته أحياناً وقصرت عنه أحياناً , مثل فيه من الثقة بالإنسان وضميره وطاقاته قدر كبير ودليل على أن الإنسانية غير ميؤوس منها دونه فسيح عمل وواقع مستطاع للأكثرين , لتلك الروح أثر في واقع الإسلام التاريخي فاستمال الإسلام وهو عقيدة وتصور شخصيات ووقائع ولم يعد نظريات مجردة ولا مجموعة إرشادات ومواعظ ولا مثلاً وأخيلة إنما عاد نماذج إنسانية تعيش بيننا .

نرجو الله أن يكون داعيتنا كان منها بوقائعه العملية تحققت سلوكاً وتصرفات شهدت لها العين وسمعت لها الأذن فتركت آثارها في واقع الحياة وفي أطوار التاريخ .

عدد القراءات : 6050
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات