احدث الاخبار

العرب اون لاين : اليمن.. عروبة الفعل والمبادرة

العرب اون لاين : اليمن.. عروبة الفعل والمبادرة
اخبار السعيدة - العرب اون لاين         التاريخ : 25-04-2009

سلك اليمن تحت حكم الرئيس علي عبد الله صالح نهجا عروبيا لم يكتف بشعارات الاعتزاز بالانتماء وتمجيد المآثر العربية، بل تجاوز ذلك إلى تكثيف محاولات المشاركة في تغيير الواقع العربي بدءا برأب الصدوع التي تشق الساحة العربية وتضعف موقف الأمة في مواجهة التحديات.

وفي هذا الباب تحديدا مثّل اليمن صوتا للتوسط والاعتدال، داعيا إلى حل كل الخلافات العربية في نطاق عربي، ودفع في هذا الاتجاه بتقديم المبادرات العملية واقتراح الحلول التفصيلية.

أما في ما يتعلق بالثوابت، مثل عدالة القضية الفلسطينية، ولامشروعية احتلال العراق، فتميز الموقف اليمني بالثبات على المبدإ ورفض أي شكل من أشكال المساومة.

وأتاحت المواقف العروبية لليمن رصيدا من الثقة أهّله للتوسط في حل العديد من الخلافات العربية، وكثيرا ما تمكنت عاصمته من احتضان لقاءات بين فرقاء عرب ظن أن التقاءهم ضربا من ضروب المستحيل نظرا لتباعد هوة الخلاف بينهم.

وفي ما يتعلق بأم القضايا العربية، قضية فلسطين وما شابها في السنوات الأخيرة من خلافات حادة في نطاق البيت الفلسطيني الواحد، تمكن اليمن من تحقيق خروق نوعية في جدار تلك الخلافات، واستثمر ثقة الفرقاء الفلسطينيين في نزاهة اليمن وعدم انحيازه لطرف دون آخر في تقريب الهوة التي تفصل بينهم. وجمع في آذار 2008 ممثلين عن حركتي فتح وحماس على طاولة حوار أفضى إلى توقيع إعلان صنعاء الذي مثل إطارا عمليا للمصالحة بين الفلسطينيين بتنصيصه على:"نوافق نحن ممثلي حركتي فتح وحماس على المبادرة اليمنية كإطار لاستئناف الحوار بين الحركتين للعودة بالأوضاع الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل احداث غزة، تأكيدا على وحدة الوطن الفلسطيني أرضا وشعبا وسلطة واحدة".

وقد بذل اليمن جهودا جبارة للتوصل إلى ذلك الإعلان الذي باركته العديد من الأطراف العربية، غير أن تدخل الحسابات السياسية، وكذلك الضغوط الخارجية حال دون تطبيق ما نص عليه الإعلان، ليتواصل الخلاف الفلسطيني، وليقف العالم العربي على مزيد من ثماره المرة ونتائجه السلبية.

وفي هذا الباب يقول د. يوسف كامل إبراهيم في مقال له بعنوان "المبادرة اليمنية لماذا التفسير والتأويل؟":

"إن ما أعلن في صنعاء كان خطوة أولى وهامة جدا باتجاه مزيد من الخطوات لإنجاز هذا التفاهم الوطني على كل القضايا المطروحة، وإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية واستغلال المبادرة في توحيد الصف الفلسطيني ولكن يبدو عدم رضا أطراف معينة عن هذا التوقيع أخضع الاتفاق للتفسيرات والتأويلات على الرغم من وضوح النص وذلك من أجل إفشال وإنهاء ما تم الاتفاق عليه".

بيد أن السعي المكشوف من بعض الأطراف لإفشال المبادرة اليمنية لم يكن مدعاة يأس لليمن من تحقيق المصالحة الفلسطينية، فواصل بذل المزيد من الجهود لتحقيق تلك الغاية.

 ومع مطلع 2009 طرح الدكتور عبد الملك المنصور مندوب اليمن لدى جامعة الدول العربية مبادرة يمنية على اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس على أن تتم هذه المصالحة برعاية مصرية.

وتضمنت المبادرة أربع نقاط: العودة للحوار الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية على أساس الكفاءات وليس التحزب، وتشكيل شرطة فلسطينية على أساس تعداد سكان المناطق وليس على أساس الانتماءات الحزبية، لكي تكون خادمة لفلسطين وليس للأحزاب، والنقطة الرابعة الاحتكام إلى الدستور والقانون الفلسطيني.

وشرح المنصور آنذاك أن المبادرة اليمنية ترى أن مصر بما لها من ثقل مع كل من سوريا وتركيا، وهؤلاء الثلاثة بحكم بما لهم من علاقات بفتح وحماس قادرون على مساعدة اليمن في إنضاج هذا الحوار، وتحقيق المصالحة الفلسطينية.

وفي دليل على أن غاية اليمن من تقديم المبادرات بعيدة كل البعد عن المنافسة على "زعامة " العالم العربي، قال د. عبد الملك المنصور آنذاك إنه لا يمكن الاستغناء عن دور مصر، لأن مصر هي المحل والمكان الذي يرجى أن يجتمع فيه الفلسطينيون برعاية مصرية وبقلب مصري"، مضيفا "أن اليمن ترى أن مصر أقدر وأجدر الدول العربية على أن ترعى هذه المبادرة".

وبنفس الروح الوفاقية التي قارب بها الملف الفلسطيني، سعى اليمن إلى معالجة ملفات عربية أخرى في مقدمتها الملف الصومالي، وكان من أوائل الدول العربية التي سعت بصفة جد مبكرة للم شمل الفرقاء الصوماليين، وسبق لصنعاء أن استقبلت ممثلين عن "المحاكم الإسلامية" الصومالية قبل أن يرتقي زعيمها شيخ شريف أحمد إلى الحكم وشجع اليمن آنذاك إجراء مباحثات مع الحكومة الانتقالية في الصومال لإعادة الأمن والإستقرار إلى البلاد. وطوال الأزمة الصومالية ظل اليمن يؤكد على وحدة الصومال وإنهاء الصراعات فيه في إطار الجامعة العربية.

 وعمليا أدى اليمن دورا مهما في عقد اتفاقيات للمصالحة بين الأطراف الصومالية كان من أهمها اتفاق وقع في عدن أواخر 2006 برعاية الرئيس علي عبد الله صالح بين المحاكم الإسلامية والحكومة الانتقالية آنذاك.
وفي ما يتصل بالموقف من العدوان على العراق التقى الموقف السياسي اليمني مع الموقف الشعبي الرافض قطعيا للحرب على العراق، والمعترض كليا على إبداء أي "تفهم" لأسبابها وتقديم أي شكل من أشكال الدعم السياسي أو العملي لها مثلما فعل بعض العرب، واعتبر الرئيس اليمني تلك الحرب "غير مبررة ومخالفة لقرارات الشرعية الدولية ممثلة في قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات حركة عدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وغيرها من المنظمات".

وصاغ الرئيس علي عبد الله صالح هذا الموقف في إحدى خطبه قائلا "إن صوت اليمن سيظل مرفوعاً وقوياً في موقفه الرافض لما يتعرض له العراق"، و"أن موقف الشعب اليمني بمختلف مؤسساته وقواه السياسية إزاء ما يتعرض له الشعب العراقي أو الشعب الفلسطيني موقف واحد ومنسجم مع بعضه البعض".

وإبان حدوث العدوان طالب اليمن ممثلا بمجلس وزرائه مجلس الامن الدولي بتحمل مسؤولياته في الوقف الفوري للعدوان وضمان أمن وسلامة العراق ووحدة اراضيه".

وانضمت دار الافتاء اليمنية آنذاك إلى موقف القيادة والشعب اليمنيين داعية "المواطنين في عموم محافظات الجمهورية الى اللجوء الى الله عز وجل والتقرب اليه بصيام يوم والابتهال والتضرع والدعاء بأن ينصر الله اشقاءنا في العراق المدافعين عن انفسهم واطفالهم ونسائهم وأرضهم ومقدساتهم وأن يكف عنهم أيدي الظالمين المعتدين".

وتتجاوز مساعي اليمن لخدمة العروبة والارتقاء بالوضع العربي مجرد إعلان المواقف المبدئية إلى تقديم المبادرات العملية. ومثلت مبادرة تقدم بها اليمن للقمة العربية الأخيرة في الدوحة لإقامة اتحاد عربي نموذجا عن الجهد العملي الذي تبذله القيادة اليمنية في سبيل الخروج بالأمة العربية من واقع التشتت إلى واقع التكتل بوجه التحديات.

وجاء في النص التفصيلي للمبادرة: "استشعاراً من الجمهورية اليمنية للوضع الحالي للجامعة العربية، ومواكبةً للمستجدات القومية والإقليمية والدولية، في عالم تغيرت فيه موازين القوى، وبرزت مفاهيم جديدة في قضايا التنمية وحقوق الإنسان ومكافحة الارهاب، فإن الجمهورية اليمنية تعرب مجدداً، عن ثقتها بأن الأمة العربية قادرة على تجاوز عثرتها ومواكبة التطورات الجارية في المنطقة والعالم، باستراتيجية سياسية واقتصادية ودفاعية وأمنية واجتماعية شاملة، تنطلق من مبادئ راسخة وثابتة، تستند إلى كون الأمة العربية قادرة على إعادة تنظيم وتنسيق وتوحيد قدراتها وإمكاناتها لتحقيق التكامل السياسي والاقتصادي العربي الشامل".

كما جاء في النص أيضا "إن الجمهورية اليمنية وهي تُقدم هذه المبادرة، تشعرُ أن الحلول والإصلاحات يجب أن تكون جذريةً، مع إدراكها الكامل بأن هذه المبادرة تأتي على طريق تلبية طموحات شعوبنا العربية، ولتكن بدايةً لإصلاح الاختلالات في العلاقات العربية - العربية ودفعها في الاتجاه الصحيح.

لذلك، ترى الجمهورية اليمنية أن الظروف المحيطة بالأمة العربية وبالعمل العربي المشترك تفرض بالضرورة، أن تتم إعادة صياغة العمل العربي المشترك من الأساس، وفي الأهداف، لننتقل بالجامعة العربية من وضعها الحالي، مع كافة أجهزتها ومؤسساتها، مستفيدين من إيجابياتها وسلبياتها على مدى أكثر من خمسين عاماً إلى كيان عربي جديد يسمى "اتحاد الدول العربية" يتوافق مع المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية، ويحقق الأمن القومي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل الأمة العربية، وتعيق تقدمها وطموحاتها، لتحقيق اتحاد الأمة في النهاية من خلال الوحدة الاقتصادية الشاملة".

ومن النقاط العملية التي تضمنتها المبادرة اليمنية "أن يقوم "اتحاد الدول العربية" على عدد من المبادئ الجوهرية التي ترتكز على: احترام سيادة كل دولة عربية واحترام حدودها الإقليمية ووحدة ترابها الوطني، حق كل دولة في اختيار نظام حكمها، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، عدم الاعتراف بالوصول إلى السلطة بالقوة أو بالطرق غير الشرعية في أية دولة عربية، ووقف عضوية أية دولة عضو تتعرض لذلك لحين استعادة الشرعية، الوصول إلى نظام أمن عربي إقليمي يحمي الدول الأعضاء، ويعزز من إسهامها في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، التزام الدول الأعضاء بحل خلافاتها بالطرق السلمية ورفض استخدام القوة في حل منازعاتها، الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الثنائية بين الدول الأعضاء والمحافظة على الأمن والاستقرار الدوليين، ومكافحة الإرهاب".

ورسمت المبادرة اليمنية بإنشاء "اتحاد الدول العربية" أهدافا محددة من ضمنها "تحقيق التكامل الاقتصادي، باعتبار أن تنمية المصالح المشتركة بين الدول الأعضاء والاندماج الاقتصادي هما المدخل الحقيقي للتوحد السياسي"، الأمر الذي يرتب حسب نص المبادرة ذاتها، "استكمال الاصلاحات الاقتصادية لخلق مناخ عمل اقتصادي متكامل بين دول الاتحاد، تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد على أساس تطوير العمل الاقتصادي المشترك وتبادل المنافع لإقامة تكتلٍ اقتصادي فاعل أمام التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية، تحقيق السوق العربية المشتركة وتحرير انتقال العمالة ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد، الدفع بعملية التنمية المستدامة في دول الاتحاد، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وصولا إلى تحقيق هدف رفع مستوى معيشة مواطني الاتحاد، تشجيع التعاون الدولي بين "اتحاد الدول العربية" وغيره من التجمعات الإقليمية والدولية في إطار دستور الاتحاد وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دعم وتشجيع القطاع الخاص في "اتحاد الدول العربية" لإرساء علاقات شراكة حقيقية بين دول الاتحاد، وبما يُسهم، بشكل فاعل، في تحقيق التكامل الاقتصادي، تنسيق جهود الدول العربية في المحافل الدولية والعمل ككتلة واحدة لمواكبة التطورات الاقتصادية الدولية، توحيد كافة الأطر والقوانين والتشريعات في كافة المجالات المتصلة بأهداف الاتحاد"...

وإيغالا في الطابع العملي اعتبر نص المبادرة اليمنية بتأسيس "اتحاد الدول العربية" أن نجاح مسيرة العمل العربي المشترك في نطاق الاتحاد المقترح "يعتمد على وضع هيكلية جديدة متقدمة في تشكيلها وفاعلة بآلياتها، وتعكس صدق التوجهات نحو قيام هذا الكيان، الأمر الذي يفرض صياغة هيكلية تأخذ في الاعتبار وضوح الاختصاصات وقوة القرار والالتزام بالتنفيذ".

ومن أجل ذلك تضمنت المبادرة مقترحا شديد التفصيل بـ"إعادة البناء المؤسسي لإصلاح الوضع العربي" على نحو فصلت القول في الهياكل والأطر التنظيمية اللاّزمة له.

لكل هذه المواقف والمبادرات يعد اليمن قطعة مفصلية في الجسد العربي وإحدى أهم مفردات العروبة، فمحدودية الموارد المادية للبلد لم تحل دون حضوره الدائم والقوي في مختلف المناسبات التي تهم العرب ومحاولته إيجاد الحلول العملية لها، وهي حلول عربية بالأساس تقف خلفها إدارة سياسية، ترى بوضوح مخاطر تدويل المشاكل العربية، وتؤمن بما للعرب من طاقات كامنة رهن التفجير والاستغلال.

وفي محيطه القريب، أي الجزيرة العربية التي ينتظم بعضَ بلدانها "مجلسُ التعاون لبلدان الخليج العربي"، تتعاظم الحاجة لليمن، كصوت للتوسط والاعتدال والوفاق أولا، وكجدار صلب ضد دواخل الإرهاب إلى المنطقة بما في ذلك القرصنة في أهم ممر مائي عربي على الإطلاق أي خليج عدن وباب المندب.

ولمثل هذه الأسباب ما تفتأ تتعالى الأصوات -عن حق- مطالبة باستيعاب اليمن في منظومة "مجلس التعاون"، بما يستجيب لمتطلبات التاريخ والجغرافيا والمصلحة العربية المشتركة، وبما يعكس العلاقات النقية التي تجمع اليمن بأشقائه في نطاق الجزيرة العربية.

 

* الصورة الرئيس اليمني خلال مبادرة يمنية لأنجاح الحوار بين حماس وفتح بصنعاء

 

عدد القراءات : 3786
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات