احدث الاخبار

الأطفال واللغة العربية

الأطفال واللغة العربية
اخبار السعيدة - بقلم: إيجاد الشيباني         التاريخ : 29-12-2009

لقد كشف علماء لغة معروفون منذ نصف قرن مثل "نعوم تشومسكى" و"إرفن" و"لينبرغ" عن الطاقة الفعالة فى دماغ الطفل فى تعلم اللغات وإماطة اللثام عن المنظومة القواعدية بشكل ذاتى داخلى ومعقد، وسماها "تشومسكى" الطاقة الفطرية أوالنظام فى المخ باسم Language Acquisition Device, LAD، وفى مقدور الطفل إجادة لغتين أو أكثر فى آن واحد إذا ما وجد فى ظروف طبيعية لاستعمال هذه اللغات.

 يقوم الطفل كلغوى صغير باستخدام غير متناه لوسائل متناهية كما قال. وقد أشار "لينبرغ" إلى أن هذه القدرة اللغوية الفطرية تأخذ بالضمور والانحسار بعد ِسن السادسة وتتلاشى قريباً من سنّ البلوغ، حيث تأتى مرحلة منصبّة بمعظمها على اكتساب المعرفة.

 بعبارة أخرى، بعد السادسة من عمر الطفل فإنه يحتاج لبذل جُهد ملحوظ فى عملية تعلم اللغة وغالبا ما تكون عبر برامج دراسية منتظمة وطويلة. 

 ويطلق عادة على اللغة التى اكتسبها الطفل فى السنوات الست الأولى "لغة الأم" ويتم هذا التحصيل العفوى دون تعب بعكس ما يحصل بعد هذه السن. 

 ولللغة الأولى تأثير سلبى فى مرحلة تعلم اللغات الأخرى نحواً وصرفاً. خلاصة القول، لغة الأم لدى كل عربى هى لهجة معينة وما أكثر هذه اللهجات فى عالمنا العربي، أما الفصحى فليست لغة أم أي عربى بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح. فواقع التلميذ العربى على ضوء هذا الأساس العلمى النظري لافت حقاً للانتباه والتفكير.

 فهذا التلميذ يلتحق بالصف الأول بعد إتقانه اللهجة الخاصة بأهله وبمكان سكنه إلا أن هذه اللهجة ليست وسيلة لاكتساب العلم والمعرفة وفق المناهج التعليمية الرسمية وينبغى عليه تعلم لغة تختلف كثيراً عن لهجته تلك، وهي العربية الفصيحة.
 وضعُ هذا التلميذ صعب، إنه معاكس لطبيعة الخلق، قدرته الدماغية لتعلم اللغات آخذة بالتناقص زد إلى ذلك الحاجة الملحة لاكتساب أصناف مختلفة من المعرفة فى مواضيع كثيرة كالدين والحساب  والرسم وجميع المعارف. بعبارة موجزة على الطفل العربي أن يتعلم المعرفة ووسيلتها، اللغوية، فى آن واحد، فى حين أن أطفال الشعوب الأخرى يكرّسون اهتمامهم الرئيس فى تحصيل العلم والمعرفة. وقد قيل “إن التلميذ العربى يشبه الصياد الذى ذهب إلى البحر ونسى شبكة الصيد”. 

 وهذا الازدواج اللغوى العميق، للغة المكتوبة واللغة المنطوقة يرافق الانسان العربى وينغّص حياته التعليمية فترة طويلة من عمره وقلما تغدو الفصحى لغة أم. واللهجة قد تستخدم كلغة تواصل وشرح للمادة التدريسية ويُلجأ للفصحى عند القراءة والكتابة.

يشرح المعلم المواد التدريسية بالعامية لأنه أولاً: وفى الغالب الأعمّ لا يتقن اللغة الفصيحة، وثانياً : إرادة إيصال المعرفة للتلميذ الذى لا يعرف الفصحى أيضاً، ويتخبط التلميذ بين محاولة فهم المادة من جهة والقدرة على التعبير عن ذلك بالفصحى، كما يطلب منه من جهة أخرى. وكثيراً ما ينتج عن مثل هذه الظروف الضاغطة والمحبطة حفظ المادة عن ظهر قلب دون فهم قسم كبير منها. يعانى الطفل العربى من صعوبة فى فهم المادة بسبب اللغة ومن صعوبة فى التعبير عن هذا الفهم الجزئى وغالبا ما يُولي طريقة التعبير أهمية كبرى على حساب المضمون. ومن الأقوال الشائعة أنه على العربي الفهم أولاً ليقرأ بشكل سليم ثانياً، بعكس معظم شعوب العالم.

 وهذه العلاقة الغير ودِّيَّة ما بين التلميذ منذ نعومة أظفاره والكتاب أي اللغة المكتوبة، تنمو وتتفاقم لتصل إلى ما نلمسه  فى أيامنا هذه [أمة إقرأ لا تقرأ، وإن قرأت فبالأذنين]. ومن البديهي أن حفظ المادة غير المقرون بالفهم والتفكيك والتحليل لا يتمخّض عنه نمو منطقى ومعرفى واسع وعميق ومستديم.  وهناك بعض البحوث التى تربط ما بين الضعف العام فى الرياضيات وضعف الطلبة فى اللغة العربية الفصحى. على ضوء هذا يرى الدكتور الدنان ضرورة استغلال القدرة الفطرية الطفلية فى اكتساب العربية الفصحى قبل سن السادسة وكان قد قام بهذه التجربة الرائدة على ابنه البكر “باسل” واستمر الدكتور الدنان بتجربته اللغوية الجريئة هذه مع ابنته "لونه" التى تصغر أخاها بأربعة أعوام وتكللت هذه التجارب بالنجاح. ومن خلال تجاربه هذه فقد قام الدكتور الدنان بإنشاء برنامج لتدريب المعلمين والمعلمات للتدحث بالفصحى يتكون من عشرة محاور تشمل مختلف الأنشطة والمواقف الحيوية داخل الصف وخارجه وتستغرق مدة التدريب ثلاثين ساعة فقط موزعة على خمسة عشر يوماً. 

 ويرى د.الدنان أن للمرحلة الابتدائية أهمية قصوى فى إكساب فلذات أكبادنا أساسيات اللغة العربية الفصيحة. ومن المعروف أن الأسلوب التواصلي الوظيفي هو الأنسب والأحدث فى تعلم اللغات ويدعى هذا النمط من التعليم بما يمكن تعريبه بـ"الاستغراق" أو "التغطيس" اللغوي، وهو استخدام لغة الهدف على الدوام ومع الجميع وفى كل الظروف والحيثيات داخل الصف وخارجه طيلة الدوام المدرسى الرسمي. بعبارة أخرى ربط اللغة بالواقع المعاش بكل تجلياته. "فالسماع أبو الملكات اللسانية" كما قال عالم الاجتماع الفذّ عبد الرحمن ابن خلدون. 

 ونذكر هنا أن إتقان العربية الفصحى استماعاً وتحدثاً وقراءةً وكتابةً واجب وحق بالنسبة لكل إنسان عربى ومسلم  من أجل التعلم والتقدم الحضارى والإبداع الفكرى الذاتى والتماسك الثقافى لدى كافة الشعوب العربية والإسلامية. 

 ولا شك أننا بحاجة للغة مرنة متطورة باستمرار، نقدرها ونحافظ عليها، نتعلم فيها ونعلم بها جميع المستويات منذ روضة الأطفال وحتى الدراسات العليا. هذا التفاعل الجماعى المتدفق فى عملية الدراسة والتدريس والتلاقح مع الحضارة الإنسانية الراهنة سيوَلِّد لا محالة وثبة كبيرة فى الاتجاه الصحيح. لذلك نقول فليكن النحو فى الكلام كالملح فى الطعام.

 ليكن استعمال العربية الأدبية العصرية شاملاً لدى الجميع فى ساعات الدوام المدرسي، لدى جميع أعضاء الهيئة التدريسية وفى كل المواضيع التعليمية. أما خارج هذا الإطار التعليمي، فى الشارع وفى البيت يعود التلميذ للهجته وبمرور الزمن سيصبح العربى مسيطراً على هذين النمطين الرئيسين للغة الضاد.

* المركز اليمني للغات


عدد القراءات : 4937
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
حسيب شحادة
تحية وبعد، إن جلّ المقال منسوخ حرفيا من مقال لي بعنوان: تجربة الدنان في ممارسة الفصحى مع الطفل قد تكون الحلّ، وكان قد نشر في العديد من المواقع الإلكترونية منذ آذار ٢٠٠٨ بروفيسور حسيب شحادة
Mohamad
قرات المقال الاصلي ل د. حسيب شحادة ! عيب والله ان تنسب عمل غيرك لك !!!