الامارات.. حلم ليس له حدود وارادة تقهر المستحيل
جميلة في منظرها، ساحرة في ألوانها، أخّاذة في نظافتها، تشد الزائر إليها بصمت، تأخذ لبه في حياء، لحظاته معها هي الأجمل، حتى يغدو الواصل إليها شاردًا من حلم أو خيال هو فيه، تتسم الحياة فيها بأنها آمنة، ومريحة، ونظيفة، ومنظمة، وإن كانت باهظة التكلفة. إنها دولة الإمارات العربية المتحدة.
ما كان للحلم أن يصبح حقيقة، لولا عقول قيادتها النيرة التي تفكر من أجل الغد والسواعد المخلصة التي حولت الأفكار إلى واقع ملموس على الأرض وحقيقة ثابتة لا ينكرها أحد، والتي تكمن وراء قصة النجاح المدهشة التي سطرتها الإمارات في تحقيق الريادة.
وما إن وطأت قدماي مطار دبي، الذي وجدت نفسي ملقى داخله لا أدري من أي باب دخلت ولا من أي باب أخرج، كل شيء من حولي صامت وهادئ. ازدحام هائل في ترانزيت المطار. روائح عطرة لا يشوبها دخان، ولا مخلفات الزوار. الحديث بين الناس باللغة الانجليزية. معظم الوجوه هندية وباكستانية.
خرجت من المطار بعد تفتيش أمني دقيق، لأستقل إحدى سيارات الأجرة الفارهة نوع (شفر 2009) إلى مدينة أبوظبي العاصمة حيث فندق ("هلتون) هناك الذي حجزه المجلس الوطني للإعلام لحشد من الإعلاميين الذين زاروا دولة الإمارات بمناسبة العيد الوطني الـ 38 .
من خلال زجاج النافذة البرّاق للسيارة التي كنت أستقلها تمتعت بمشاهدة كل جميل؛ الشوارع نظيفة خالية من الحفر والمطبّات، وبريئة كيوم ولدت، خالية حتى من أعقاب السجائر. الأشجار الخضراء على الأرصفة، تزين الطريق من دبي إلى أبوظبي، البالغ طوله 130 كيلومتر.
*جمال الطبيعة
شوارع أبوظبي وأرصفتها وجزرها يجعلها تشكل عقدا جميلا ولوحة فنية بديعة.. سحرها يفوق الخيال ويستهوي النفس ويبهر عقل زائرها. ناطحات السحاب ذات الألوان البراقة، تكتظ في شارع الشيخ زايد بدبي، الأرصفة عريضة ومزينة بأنواع الورد والأشجار، خالية من بسطات الباعة، والمتسولين. وتتسم الحياة بأنها مريحة آمنة فيها.
لا وجود لشرطة المرور ولا لدفاتر المخالفات في الشوارع أو تقاطع الطرقات لتنظيم سير المركبات، الحركة تسير بسلاسة وانسياب، ومراقبتها تتم عبر الرادارات وكاميرات التصوير. الكل يلتزم بإشارات المرور، ومعابر المشاة تحظى باحترام وتقدير، وأي مخالفة ترصد آليا عبر آلات التصوير.
*مخالفة بسبعة وثلاثين ألف ريال يمني
ما أثار إعجابي مدى الحس الأمني لدى رجال الشرطة والحرص على نظافة الشوارع والأماكن العامة. وهنا أتذكر أحد المشاهد التي تعزز صحة ما أقول.
وأثناء عودتي إلى أبوظبي بسيارة محمد عبد السلام الدبعي (أحد المغتربين اليمنيين هناك)، بعد زيارة قمت بها لأحد الأصدقاء في دبي، استوقفتنا إشارة المرور، الساعة كانت حينها الواحدة بعد منتصف الليل بتوقيت الإمارات (فارق التوقيت مع اليمن ساعة)، وبينما نحن وطابور من السيارات الواقفة بانتظار الإشارة الخضراء للسماح لنا بالمرور، ألقت فتاة من على ظهر إحدى سيارة "سبورت مرسيدس بنز 2009" إلى الشارع بعقب سيجارة، الأمر الذي أثار اندهاش واستغراب صديقي الدبعي فخاطبني: "كيف تجرؤ على إلقاء عقب السيجارة إلى الشارع العام؟ لو شافت الشرطة هذا التصرف لسجلت للسائق مخالفة بـ500 درهم مع حجز السيارة لمدة 20 يوما".
وتابع قائلا: "غرامة رمي أعقاب السيجارة في الشارع 500 درهم إضافة إلى حجز السيارة لمدة شهر، وإذا أراد عدم حجز سيارته عليه أن يدفع في اليوم 100 درهم أي إجمالي ما يدفعه المخالف هناك 2500 درهم (أي ما يعادل 137500 ريال يمني)".
بعد ثوان من انتهاء الدبعي من كلامه، إذا بسيارة الشرطة تؤشر لسائق السيارة المرسيدس وتطالبه بالتوقف لإشعاره بالمخالفة.
قلت لصديقي: "100 درهم حق بن هادي للشرطة وانتهى الموضوع". فرد لي بالقول: "نجوم السماء أقرب لرجل المرور من أن يأخذ رشوة، الرشوة ممنوعة، حتى لو قلت رشوة رحت في 60 داهية". وأضاف قائلا: "قد يسامحك رجل المرور بالمخالفة دون أن ترشيه".
*صلاة أمنة
وفي مشهد آخر، كان يوم جمعة، عزمت وصديقين لي أحدهما تونسي والآخر ليبي، على الذهاب إلى الجامع لأداء الصلاة. وكما عودنا لصوص الأحذية في اليمن على وضعها بالقرب من مكان سجودنا، أخذت فردتا حذائي وأخذ أصدقائي أحذيتهم ودخلنا إلى المسجد خوفا من سرقتها، التفت يمينا وشمالا داخل الجامع بحثا عن مكان مخصص لوضع الأحذية، لكنني لم أجد.
تطلعت إلى الناس القادمين إلى الجامع أين يضعون أحذيتهم، وجدت الكل يضعونها خارج الجامع دون رقيب عليها، مما اضطرنا إلى اتباعهم وترك الأحذية في الخارج. ما إن فرغنا من الصلاة وعقلي يفكر بالحذاء هل سرق أم مازال موجودا؟ خرجت من الجامع ولسان حالي يقول: سأعود اليوم الفندق بدون حذاء، لكن الأمر كان عكس ذلك.
*سر التطور
ولأن التعليم هو الأساس في كل حضارة فقد اهتمت دولة الإمارات منذ اليوم الأول لقيام الاتحاد بالتعليم باعتباره مفتاح الحضارة والتقدم والرقي.
وفي حديث لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الإماراتي، مبارك آل نهيان، مع 80 إعلاميا وصحفيا من 46 دولة عربية وأجنبية زاروا الإمارات خلال الفترة من 19 إلى 23 نوفمبر الماضي عن السر وراء ما وصلت إليه الإمارات اليوم من نهضة شاملة, قال : "القيادة الرشيدة والاهتمام بالتعليم والمواطنة المتساوية هو ما أوصل البلاد إلى مصاف الدول الأكثر تقدما في العالم"، مؤكدا انه رفض تأجيل التعليم عشرين يوما لوضع احتياطات تحد من انتشار إنفلونزا الخنازير المعروف باسم (اتش1 إن1) .
واضاف "إذا كان خلال العشرين يوما سيتم وضع حل لمنع انتشار المرض فلا مانع من تأجيل الدراسة، لكن تأجيل الدراسة بضعة أيام لن يحد من انتشار المرض".
وتابع آل نهيان بالقول أن صفة الأمية لم تعد تطلق على الشخص الذي لا يقرءا ولا يكتب بل على الإنسان الذي لا يتعلم شيئا جديدا كل يوم.
* جزيرة ياس
أصبحت الإمارات ملتقى لكل المؤسسات العالمية الاقتصادية والاستثمارية والثقافية كما أصبحت وجهة ملايين السياح في العالم محطة عالمية لإقامة المعارض الكبرى في المنطقة.
وقد نظم المجلس الوطني للإعلام رحلة للوفد الإعلامي الزائر للإمارات إلى جزيرة ياس التي تقع على بعد 20كم من وسط مدينة أبوظبي، بالقرب من مطار أبوظبي الدولي.
وتعمل حاليا شركة الدار العقارية على عدة مشاريع على الجزيرة بقيمة 137 مليار درهم (40 مليار دولار). من أبرزهن حلبة "فورمولا 1" وحديقة الملاهي "فيراري" و"ورلد" وفندق "ياس" (سبعة نجوم)، فضلا عن عدد من الفنادق الأخرى.
وقد فازت الجزيرة بجائزة أفضل مشروع تطوير سياحي في العالم ضمن جوائز السفر العالمية التي أعلن عنها على هامش معرض سوق السفر العالمي المنعقد بالعاصمة البريطانية لندن.
كما اطلع الوفد الإعلامي، الذي كانت صحيفة (السياسية) ممثل اليمن الوحيد فيه، على المشاريع التي يجري العمل على إقامتها في جزيرة السعديات ومنها متحف الشيخ زايد ومشروع متحف اللوفر أبو ظبي الذي سيقام بالتعاون مع متحف اللوفر باريس بالإضافة لمشروع متحف (جوجنهيام – أبوظبي) ودار الأوبرا والفنون.
و أوضح مسؤولو الشركة المنفذة للمشروعات أن المشرعات الثقافية العالمية ستكتمل في العام 2018, وسوف يصل عدد القاطنين حول تلك المشاريع إلى نحو 160 ألف نسمة, حيث ستتوافر على الجزيرة مشاريع سياحية وسكنية وترفيهه فاخرة تقدم نوعية حياة مختلفة.
وأكدوا أن أولى المشاريع الثقافية التي ستفتح هو متحف الشيخ زايد يعقبه متحف اللوفر أبوظبي ثم متحف جوجنهيام ودار الأوبرا والفنون والمتحف البحري.
*الأزمة المالية
ورغم تسونامي الأزمة المالية العالمية الذي ضرب العالم، بدت دبي الأقل تأثرا بالأزمة والأكثر تعافياً كما شاهدناها على أرض الواقع, كما ان
عجلة البناء لم تتوقف, فالبنوك لم تفلس، وبرج دبي اكتمل بناؤه حيث يعد أطول برج في العالم، كما اكتمل بناء الجزيرة الثانية من جزر النخيل الصناعية, فضلا عن عدد من المشروعات الأخرى المشابهة لما جاء في قصص ألف ليلة وليلة "النخلة" و"قارات العالم"، و"برج العرب".
وفند نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال لقاء جمعني به مع وفد إعلامي من 46 دولة في قصر بزعيبل بمناسبة العيد الوطني، الادعاءات حول الآثار السلبية التي تركتها الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية على اقتصاد ومشاريع إمارة دبي. قائلا بأنها هجمة إعلامية وأخبار مشوهة لا تمت للواقع بصلة، ووصلت إلى حد الإثارة والتهويل كانت قد تعرضت لها الإمارة قبل ستة أشهر.
واضاف بن راشد إن الأرقام والإحصاءات المتوافرة تشير بشكل واضح إلى وجود بوادر للتحسن الاقتصادي في الإمارات، مضيفا أن "دبي لم تخطئ حتى تتعلم من أخطائها"، ومعالجتها للسلبيات تتم لتحويلها إلى إيجابيات.
وتابع بقوله أن "ما تم تحقيقه لم يصل إلى ما نصبو إليه، إنه قدر قليل مما لدينا من طاقة وعزيمة، وأنا متأكد أن المسيرة سوف تستمر بزخم في المرحلة المقبلة، لأن حلمنا أصبح أكبر", مؤكدا: انه لا حدود للحلم إذا كان صاحبه يتمتع بالعزم لتحقيقه ليصبح واقعاً ملموساً".
*النووي
على الصعيد النووي أطلقت دولة الإمارات العام الجاري برنامجها النووي للأغراض السلمية وأنشأت هيئة للطاقة النووية باسم (مؤسسة الإمارات للطاقة النووية) تتبنى مهمة تقييم وتطوير البرنامج برأسمال 375 مليون درهم.
وقرر المجتمع الدولي اختيار مدينة "مصدر" في أبوظبي كمقر للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا".
وأعلنت "مصدر" المبادرة الاستراتيجية متعددة الأوجه التي أطلقتها أبوظبي من خلال شركة مبادلة للتنمية بهدف تطوير حلول الطاقة النظيفة والمتجددة عن قيامها بأعمال بناء أول وأكبر محطة لإنتاج الطاقة الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي ستربط بشبكة الكهرباء المحلية.
*مترو دبي
كما قمت بزيارة إلى مترو دبي هو شبكة مترو آلي بدون سائق تم افتتاحه يوم 9/ 9/ 2009 في المدينة, الذي يهدف إلى التخفيف من التلوث الناتج عن وسائل المواصلات الاعتيادية، حيث بلغت قيمته 15.5 مليار درهم.
سيشكل المترو حلقة ربط رئيسية تربطها مع مطار دبي الدولي بطول 75 كيلومترا. حيث كان تدشينه بمثابة انطلاقة جديدة نحو مستقبل دبي المزدهر.
*قصة نجاح
ومما لا ريب فيه أن النهضة الشاملة التي شهدتها البلاد، كان رائدها وراعيها المرحوم الشيخ زايد بن سلطان ممثلا قصة نجاح لزعامة نادرة الذي حول الأفكار إلى واقع ملموس والمدّ الصحراوي إلى حدائق غنّاء.
ولطموحه العربي وحبه لشعبه وإيمانه بأن المستقبل لا مكانة له للدول الصغيرة سعى جاهدا للم شمل الإمارات تحت راية واحدة وتحت دستور واحد وتحت كلمة واحدة.
فلولا حكمته وحسن إدارته لما تحقق للإمارات ما تحقق من إنجازات عملاقة في كافة المجالات وطفرات اقتصادية وعمرانية وتنموية فاقت كل التوقعات والتي أرجعتها وزيرة التجارة لبنى القاسمي، إلى التنويع الاقتصادي، وانتهاج سياسات اقتصادية مرنة تلبي الاحتياجات المحلية وتواكب المتغيرات العالمية, حيث كان لحركة العمران وازدياد الهجرة الوافدة من كافة الجنسيات والأعراق آثارها الواضحة على الحياة الاجتماعية في الإمارات.
فالجميع يتحدث اللغة الانجليزية، سائق التاكسي يتحدث الانجليزية، الـ"رسبشن" في الفندق يتحدث الانجليزية الخدمة الفندقية كلها بالانجليزية، الباعة في المحلات التجارية يتكلمون الانجليزية، أصبحت اللغة الانجليزية سيدة الموقف.