احدث الاخبار

الأنبياء في حضرموت...

الأنبياء في حضرموت...
اخبار السعيدة - كتب - الأستاذ/ منير بن سالم بازهير         التاريخ : 11-08-2012

الأنبياء كحقيقة قرآنية لم يحدد لهم عدد معين بنص قطعي الثبوت؛ بل هم كما قال الله تعالى عنهم:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر/78]،وتفسير الآية كما يقول العلامة الطبري: أن مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَى أُمَمِهِمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} نَبَأَهُمْ.

ولذلك نجد في ثنايا نصوص السنة والتاريخ أسماء أنبياء لم تشتهر أخبارهم بين العامة .. كنبي الله خالد بن سنان العبسي اليمني عليه السلام مثلا الذي أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب" الإصابة في معرفة الصحابة"(2/310) روايات يعضد بعضها بعضا تؤكد نبوته فقال: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان خالد بن سنان بعث مبشراً بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما حضرته الوفاة قال: إذا أنا مت فادفنوني في حقف من هذه الأحقاف،ووردت ابنة له عجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتلقاها بخير وأكرمها وقال لها: " مرحباً بابنة نبي ضيعه قومه " فأسلمت ،وقال عن إسناد هذه الرواية ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.

ثم قال في "فتح الباري"(6/489) مبينا ما قد يفهم من التعارض بين ما تقدم وحديث: (أنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي) الذي في صحيح البخاري وغيره،فقال:فيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى، والجواب: أنه قد يكون المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى.

وذكر ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب"(1/372): أن من أنبياء اليمن نبي الله شعيب بن ذي مهدم وهو غير نبي الله شعيب المرسل إلى مدين،ويوجد باليمن جبل شاهق يعرف إلى زماننا هذا بجبل النبي شعيب، وفي هذا دعم لما نقله العلامة ابن الأثير.

أقول: وذكر ابن الأثير أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه ما نصه: (بعث الله فِي سبأ اثْنَي عشر نَبيا فكذبوهم فَأتوا مَكَّة فتعبدوا بهَا حَتَّى مَاتُوا) وفي هذا النص إشارة صريحة إلى كثرة الأنبياء باليمن ؛إلا أن الأمر يفتقر إلى بحث وتنقيب دقيق وتمحيص وتوثيق يضبط جميع الروايات المتعلقة بهذا الشأن ولعل الله يقيض لهذا الأمر من يظهره.

ولن أتكلم في مقالي هذا عن تاريخ الأنبياء باليمن لأن الأمر يفتقر إلى وقت طويل وبحث أوسع ولكن سأتكلم في هذه الصفحات عن مجموعة من الأنبياء نصت المصادر على وجودهم بقطر حضرموت لينتفع بذلك الحريص على المعلومة والراغب في الاستزادة والإلمام بتاريخ أرضه ووطنه ،وإن كانت بعض المعلومات لا تزال مفتقرة إلى ما يزيدها دلالة وتأكيدا،ولعل ما نكتبه يكون مقدمة لكتابات عميقة في هذا الباب.

أولاً نبي الله هود عليه السلام:

هو هود النبي صلى الله عليه وسلم ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن برد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم صلوات الله على الأنبياء أجمعين.

دل على وجوده بحضرموت أدلة كثيرة منها قول الله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأحقاف : 21]، ومنازل عاد بحضرموت كما صرح بذلك أكثر أهل التفسير والتاريخ،والأحقاف كما قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: (هي باليمن في حضرموت)، وذكر ابن هشام الحميري في كتاب (التيجان في ملوك حمير) (ص45) ما نصه :(ودفن ـ أي النبي هود عليه السلام ـ بالأحقاف بموضع يقال له الهنيبق ، بجوار الحفيف،فإن نهر الحفيف أخرج الله فيه الماء المعين، وغرست فيه الثمار، من يوم أخرج الله فيه آية هود) .

قال الشيخ أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعالبي في كتابه "عرائس المجالس في قصص الأنبياء " (ص 65):(الرواية القائلة بدفنه بحضرموت هي الأقرب للصواب) .

قال العلامة الحضرمي عبدالرحمن بن عبيدا لله السقاف في "بضائع التابوت"( 1/91): (الحفيف هو النهر الذي لا يزال جاريا إلى اليوم بجوار قبر هود عليه السلام، إلا أنه نقص بفرق كبير عما هو عليه).

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان :(الأحقاف جمع حقف من الرمل والعرب تسمى الرمل المعوج حقافا وأحقافا واحقوقف الهلال والرمل إذا اعوج ،ثم قال: عن ابن عباس قال ابن إسحاق: الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت، وقال قتادة :الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشحر من أرض اليمن، وهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى، وقال الضحاك: الأحقاف جبل بالشام، وفي كتاب العين: الأحقاف جبل محيط بالدنيا من زبرجدة خضراء تلهب يوم القيامة فيحشر الناس عليه من كل أفق وهذا وصف جبل قاف، والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وابن إسحاق وقتادة أنها رمال بأرض اليمن كانت عاد تنزلها ؛ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر هشام بن محمد عن أبي يحيى السجستاني عن مرة بن عمر الأيلي عن الأصبغ بن نُباتة قال إنا لجلوس عند علي بن أبي طالب ذات يوم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،إذا أقبل رجل من حضرموت لم أر قط رجلا أنكر منه فاستشرفه الناس وراعَهم منظرهُ، وأقبل مسرعاً جادا حتى وقف علينا وسلم وَجثا وكلم أدنى القوم منه مجلساَ وقال: من عميدكم؟ فأشاروا إلى علي رضي الله عنه ،وقالوا هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعالمُ الناس والمأخوذ عنه، فقام وقال:

اسمع كلامي هداك الله من هادِ ... وافرج بعلمك عن ذي غلة صادِ

جاب التنائفَ من واد ي سُكاك إلى ... ذات الأماحل في بطحاء أجياد

تلفه الدِمنة البوغاءُ معتمدا ... إلى السداد وتعليم بإرشاد

سمعتُ بالدين دين الحق جاءَ به ... محمد وهو قَرم الحاضر الباد

فجئت منتقلاً من دين باغية ... ومن عبادة أوثان وأندادِ

ومن ذبائح أعياد مضللة ... نسيكها غائب ذو لوثة عاد

فادلل على القصد واجل الريب عن خَلدي ... بشرعة ذات إيضاح وإرشاد

والمم بفضل هداك الله عن شَعثي ... وهدني إنك المشهور في النادي

إن الهداية للإسلام نائبة ... عن العمى والتقى من خير أزواد

وليس يفرج ريب الكفر عن خَلدٍ ... أفظْه الجهل إلاحية الواد

قال فأعجب علياً رضي الله عنه والجلساء شعره، وقال له علي: لله درك من رجل ما أرصَنَ شعرك، ممن أنت؟ قًال من حضرموت، فسرّ به علي وشرح له الإسلام فأسلم على يدَيه ،ثم أتى به إلى أبيِ بكررضي الله عنه فأسمعهُ الشعر فأعجبه، ثم إن علياً رضي الله عنه سأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث أعالم أنت بحضرموت؟ قال إذا جهلتها لم أعرف غيرها! قال له علي رضي الله عنه: أتعرف الأحقاف؟ قال الرجل كأنك تسأل عن قبر هود عليه السلام؟ قال علي رضي الله عنه: لله درك ما أخطأت، قال: نعم خرجت أنا في عُنفوان شبيبتي في أغيلمة من الحي ونحن نريد أن نأتي قبره لبعد صيته فينا، وكثرة من يذكره منا، فسرنا في بلاد الأحقاف أياماَ، ومعنا رجل قد عرف الموضع فانتهينا إلى كثيب أحمرَ فيه كُهوف كثيرة ،فمضى بنا الرجل إلى كهف منها فدخلناه فأمعنا فيه طويلاً فانتهينا إلى حجرين قد أطبقَ أحدهما دون الاَخر وفيه خلل يدخل منه الرجل النحيف مُتجانفاً ،فدخلتُه، فرأيت رجلاً على سرير شديد الأدمة طويل الوجه كَث اللحية وقد يبسَ على سريره فإذا مسستَ شيئاً من بدنه أ ضَحيتَهُ صليباَ لم يتغير، ورأيت عند رأسه كتاباً بالعربية أنا هود النبي الذي أسفت علي عاد بكفرها وما كان لأمر الله من مرد ،فقال لنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كذلك سمعته من أبي القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم)،وفي مستدرك الحاكم على الصحيحين قال: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لرجل من حضرموت : هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء و سدر كثير بناحية كذا وكذا ؟ قال : والله يا أمير المؤمنين إنك لتنعته نعت رجل قد رآه قال : لا ولكن حدثت عنه، قال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيه قبر هود صلى الله عليه وسلم .

قال العلامة الحضرمي عبدالرحمن بن عبيدالله: (والأحقاف هي حضرموت دون نزاع،والأصل بقاء ما كان حتى يعلم خلافه، فينبغي أن يعقد عليه الإجماع).

نعم ذكرتْ بعض الكتب أن قبر النبي هود عليه السلام ليس بحضرموت وإليك مناقشة هذه الأقوال.

مناقشة الأقوال التاريخية التي تقول أن القبر في مكان آخر:

1-      دعوى أنه في دمشق قبلي الجامع الأموي رده ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (2/491) حيث قال : (ويقولون إن قبر هود عليه السلام في الحائط القبلي والمأثور أنه بحضرموت).

ورده الشيخ ابن تيمية في (الفتاوى 27/491) بقوله :(ومنها القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق كذب باتفاق أهل العلم ، فأن هودا لم يجيء إلى الشام، بل بعث إلى اليمن ، وهاجر إلى مكة، فقيل انه مات باليمن ،وقيل انه مات بمكة).

أقول:قوله إقليم اليمن يريد بلد حضرموت إذ أنه معدود ضمن إقليم اليمن،قال ابن كثير في البداية والنهاية) :والأحقاف هي جبال الرمل وكانت باليمن من عمان وحضرموت) فانظر إلى إدخاله حضرموت ضمن اليمن،أما موته بحضرموت فتؤكده الروايات السابقة وكذا ما رواه ابن عساكر والبيهقي في سننه الكبرى وفي شعب الإيمان: عن عروة بن الزبير أنه قال: (ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح، فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله هوداً، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، ثم بعث الله صالحاً، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإبراهيم حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه.).

2-      دعوى أنه بفلسطين قال عبد الوهاب النجار في "قصص الأنبياء ص53": (يدعون أنه بفلسطين وقول أهل حضرموت أقرب للمعقول لأنها متاخمة لبلاد عاد وهي الأحقاف دون فلسطين) ، ثم إن كتب تاريخ فلسطين لم تنص على ذلك كما أفاده الباحث السيد علي بن محمد بن حسين العيدروس في "الرد المحكم المتين" ( ص218) المطبوع مع كتاب" نيل المقصود في مشروعية زيارة النبي هود عليه السلام" لشيخنا الحبيب العلامة سالم بن عبدالله بن عمر الشاطري أطال الله عمره في عافية.

3-      دعوى أنه في مكة المكرمة بين زمزم والحجر المروي عن محمد بن سابط لا يصح لطعن علماء الجرح والتعديل فيه ، فقد قال أبو حاتم عنه لا اعرفه ينظر "الجرح والتعديل"( 7/283الترجمة رقم:1526).

4-      دعوى أنه بالعراق دعوى مجردة عن الدليل لورودها في مرجع حديث ،ولعدم نقله عن أحد من المتقدّمين، وعلماء العراق يُنكرون هذا القول ويقولون أنهم لم يسمعوا بهذا من قبل .

5-      دعوى أنه بظفار أولاً ظفار كانت تُعَدُّ مِن حضرموت، ثم إن ابن بطوطة أورد هذا القول بصيغة التضعيف فقال: يقال، ثم جزم بأنه بالأحقاف بقوله في " رحلته "(ص :278): (وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعا مكتوب عليه قبر(هود بن عابر) والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنها بلاده).

ثانيا نبي الله هادون بن هود عليه السلام

تنسب إليه قرية كبيرة بوادي دوعن بحضرموت يقال لها (هدون)،وفي الجهة الشرقية لجامعها قبر طويل يقال إنه قبر النبي هادون بن هود عليه السلام،قال العلامة ابن عبيدالله السقاف في "إدام القوت"(ص361):يقال إن بها قبر هادون بن هود عليه السلام،ولا ذكر له في كتب السير والتاريخ،ولكن نقل صاحب (الإبريز)عن الشيخ عبدالعزيز الدباغ أن نبي الله هويدا مرسل لأهل الأحقاف،فذكر الحبيب أحمد بن حسن العطاس أنه يعني هادون بن هود.

وأهل دوعن مصفقون على ذلك، ولا غرابة فيه مع كثرة الأنبياء بحضرموت؛ إذ هي مقر الأمم الكبيرة:عاد وثمود،وأميم وعبيل،ووبار،وطسم ،وجديس ،وغيرهم،فلا مجال للإنكار،كما لا معول إلا على النص.

أقول أما إثبات النسابة أن للنبي هود عليه السلام ذرية فقد ثبت ذلك وذكروا منهم قحطان بن هود عليه السلام،قال الصحاري في كتاب "الأنساب" (1 / 32):وكان قحطان بن هود ممن آمن بأبيه هود عليه السلام: وهو أبو اليمن كلها، وهو أول من نزل بأرض اليمن بولده وملكها بعد قوم عاد، فسُمُّوا ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوها، وكان قحطان من المؤمنين.

أقول فلا مانع أن يكون له ولد غير قحطان ولعل الأيام تكشف عن شيء يتعلق بهذا الأمر فإن المستقبل كشاف.

وفي الغالب لا يجمع أهل جهة على شيء إلا ويكون له نصيب من الصحة، فشيوع المعلومة التاريخية بطريقة تلقي الأحفاد عن الأجداد وهو ما يعرف بالتواتر اللفظي غالبا ما يكون لها ما تستند إليه من النقول اللهم نهتدي إليها أوْ لا؟

ثالثا نبي الله ذا ليان بن هادون بن هود عليه السلام

ذكر العلامة المؤرخ علوي بن طاهر الحداد في" الشامل"(ص 45) فقال:أن بأودية آل الذييبي قبر نبي يسمونه بن هود واشتهر اسمه عندهم بأنه( ذا ليان بن هادون بن هود) وقبره هناك في جبل يعرف بجبل بن هود بأسفل وادي هدا.

فبان من هذا النص أن لهادون بن هود عليه السلام ذرية أيضا ومنهم ( ذاليان بن هادون بن هود) المذكور .

رابعا قبر نبي الله صالح عليه السلام

هو عبدالله ورسوله صَالح بن عبيد ابْن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثَمُود بن عاثر بن إرم بْنِ نُوحٍ،قال وهب: إن الله تعالى بعث صالحاً حين راهق الحُلُمَ وكان رجلا أحمر إلى البياض،سبط الشعر، وكان يمشي حافيا، ولايتخذ حذاء، كما يمشي المسيح، ولايتخذ مسكنا ولا بيتا، ولا يزال مع ناقة رَبَّهِ حَيْثُ توجَّهت.

وأفاد المؤرخ صالح بن علي الحامد في تاريخه (1/71): أن للنبي صالح عليه السلام عندنا بحضرموت قبر معروف مشهور يقصده الزوار، وهو واقع في شعب (عسنب)من وادي (سر) ووادي (سر) مسيال ماء شمال القطن، يسيل من ريدة الصيعر، قال العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف في " إدام القوت" (ص495):والظاهر أنه محرف عن (الرس)والتحريف واقع بكثرة عند الحضارم وغيرهم.

يقول بعض علماء الأخبار:إن ثمود قوم صالح كانت من عاد، ومن هولاء الثعلبي،إذ قال)إن ثمود هو ابن عاد بن عوص بن آدم)فإذا صح هذا فهو يقوي رواية وجوده بحضرموت.

قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود (7 / 310) نقلا عن الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/3748): وحضرموت موضع بأقصى اليمن حضر فيه صالح عليه السلام فمات فيه ، وحضر جرجيس فمات فيه.

وورد في تفسير البغوي (3 / 254) ما نصه:(وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت، فلما دخلوها مات صالح فسمى حضرموت.)

ورجح العلامة الألوسي في (روح المعاني9/159)أن صالحا عليه السلام مقبور بحضرموت،وقال: فالظاهر أن قبره عليه السلام هناك أي بحضرموت، وقيل : هو بعكّا وعليه الإمام أبو القاسم الأنصاري واللّه تعالى أعلم ا هـ.

قال المؤرخ صالح بن علي الحامد في تاريخه(1/71):وكون نبي الله صالح عليه السلام بحضرموت هذا ما عليه الضحاك وغيره.

ثم قال:وقبره مستطيل جدا كقبر النبي هود عليه السلام تقريبا أو أطول على سفح جبل، وعليه حائط، وحوله خدود ومنازل مبنية من الحجر مطلية بالكلس زاهية منيرة، يشعر الزائر حوله بالأنس والروحنة، وحوله بئر يستقي منها الزوار والسكان القريبون من هذا الموضع.

خامسا قبر نبي الله حنظله عليه السلام

هو نبي الله حَنْظَلَة بن صَفْوان عليه السلام من الأقيون من بني فَهْم بن الحارث بن قحطان، قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 204هـ): في نسب معد واليمن الكبير(1 / 26):(رهط حنظلة بن صفوان من أهل الرس، والرس فيما بين نجران واليمن من حضرموت إلى اليمامة).

قال العلامة أحمد بن محمد بن إبراهيم، الأشعري في" التعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب": وقتلوه ـ أي نبي الله حنظلة ـ وطرحوه في بئر تسمى الرس.

قال المؤرخ الحامد في تاريخه(1/74):والمفهوم أن حنظلة بن صفوان بعث في قوم صالح،وقد جعلهم بعض الرواة والمفسرين هم أصحاب البئر المعطلة، وبعض آخر جعلهم أهل القصر المشيد،وآخرون قالوا هم أصحاب الرس، ولا يبعد أن يكون أمة واحدة وُصفت بوصفين من هذه الأوصاف،أو بها كلها،وأنها كانت بأرض حضرموت.

ثم قال:وفي (التيجان)عند ذكره زيارة نبي الله سليمان عليه السلام لقبر هود عليه السلام قال: ولما بلغ سليمان عليه السلام إلى عجز الأحقاف أمر الريح فأمسكت ،ثم قال وأشار بيده وقال:هناك ولي الله صالح بن صفوان صدق وكذبوا،فنجا وهلكوا وإلى الله المصير.

قال ابن الكلبي : كان لأهل الرس نبي يقال له حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضه جبل يقال له دمخ مصعده في السماء ميل .

قال العلامة ابن عبيدالله السقاف في "إدام القوت"(ص 773):ويدلل على كون قبر نبي الله حنظلة عليه السلام بحضرموت بجملة من الأدلة منها:

1.      أن الله ربط قومه وهم أصحاب الرس بعاد وثمود في سياقة واحدة ، حيث يقول في آية الفرقان  وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ) [الفرقان : 38]،وقد قال بدلالة الاقتران جماعة من أهل العلم؛كالمزني وابن أبي هريرة من الشافعية،وأبي يوسف من الحنفية وغيرهم.

2.      قول صاحب "خريدة العجائب"(ص31):إن حضرموت شرقي اليمن، وإن بها بلاد أصحاب الرس.

3.      قول البكري في (معجمه)2/652:والرس المذكور في التنزيل بناحية صيهد من أرض اليمن.

أقول قال ياقوت الحموي في " معجم البلدان" (3 / 436):صيهد مفازة ما بين اليمن وحضرموت.

4ـ قول الميداني في "مجمع الأمثال"(1/429): أنه يقال لجبل أهل الرس:(دمخ) مصعده في السماء ميلا،وفي حضرموت جبلان:جبل في جنوب الغرف يقال له (دمح)بالحاء المهملة،وجبل بالساحل يقال له(دمخ)بالخاء المعجمة،وبما أن كلا الموضعين من بلاد حضرموت ففيها شواهد عدل على صدق ما اشتهر به وجود قبر نبي الله حنظلة بن صفوان عليه السلام بحضرموت.

وقال ابن عبيدالله في (ص 830):ولئن كان ذاك بالخاء المعجمة وهذا بالمهملة فإن الأمر قريب جدا والتصحيف في مثله كثير، كما صحفوا (سَرْ) عن (رس).

سادسا نبي الله جرجيس أو سرجيس عليه السلام

ذكرت بعض المصادر ككتاب "الخبايا في الزوايا" للعلامة عمر بن علوي الكاف(ص99)وكتاب"الدر الثمينة في تاريخ مساجد تريم ومعالمها القديمة" للأخ الباحث خالد بن سعيد باغوث (ص160):أنه اشتهر بمدينة تريم مسجد قديم يقال له مسجد سرجيس ويقع هذا المسجد بحارة السحيل بحري مسجد الكاف، ويقال أن أصل التسمية جرجيس ثم صحف إلى سرجيس.

يقع في المسجد من الجهة الشمالية قبر النبي جرجيس عليه السلام، وبالتنقيب في بعض كتب العلم وقفتُ على ما ذكره العظيم آبادي في (عون المعبود شرح سنن أبي داود) (7 / 310) نقلا عن كتاب (المرقاة شرح المشكاة) وقد تقدم حيث قال: (وحضرموت موضع بأقصى اليمن حضر فيه صالح عليه السلام فمات فيه ، وحضر جرجيس فمات فيه.) فهذا النص يؤكد الرواية المتواترة والشائعة بين أهالي مدينة تريم وأنها لم تأت من فراغ كما قد يتوهمه البعض.

وختاما أقول هذا ما ذكرَتْهُ بعضُ كُتبِ التاريخ فيما يتعلق بالأنبياء المقبورين بأرض حضرموت فمنهم من جزمت النصوص بوجوده كقبر النبي هود عليه السلام، ومنهم مَن وردتْ فيه عدة أقوال منها ما رَجحتْ وجودهم في حضرموت ولها حظ مِن الوجاهة والمصداقية التاريخية.. على أنّ المسألة تفتقرُ إلى المزيد من التحقيق والدراسة مِنَ المختصين المنصفين وبالله التوفيق.

m1433@hotmail.com

عدد القراءات : 144998
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات