احدث الاخبار

جولة بين منتديات وادي حضرموت

جولة بين منتديات وادي حضرموت
اخبار السعيدة - المكلا (اليمن) كتب - د. عبد الله سعيد باحاج         التاريخ : 07-06-2012

في صباح الأربعاء 11 إبريل 2012م وصلت إلى تريم عاصمة حضرموت الثقافية والحضارية، والتي أصبحت وعن جدارة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010م. وكان الهدف من زيارتي لتريم وبقية مناطق وادي حضرموت هو التعرف على حركة ونشاط المنتديات الثقافية فيها، وكذلك تلمس الوعي الوطني الفردي والجماهيري بالحركة السياسية الناهضة في حضرموت والرافضة لأي تغيير قادم لا يلبي طموحات وتطلعات أبناء حضرموت في الحرية والاستقلال مباشرة أو عبر مراحل متدرجة مضمونة.
وقد رافقني في تلك الجولة الاستطلاعية لمنتديات وادي حضرموت والتي استغرقت أسبوعاً كل من الأخوة الأعزاء خميس علي حمدان وحسن فرج العامري وأحمد علي باهبري وخالد علي باعلي. ولذلك فقد كانت مناسبة طيبة لعرض ما لدينا من رؤى وتصورات فيما تطرحه (جبهة إنقاذ حضرموت) والتي أعلنا عن قيامها منذ السابع عشر من سبتمبر عام 2011م، وما تطالب به هذه الجبهة من فك ارتباط عن نظام صنعاء ولكن برؤية حضرمية صميمية يضمن للحضارمة حقوقهم المستقبلية في أي تغيير قادم ودون هيمنة أو وصاية من قبل القوى السياسية الناشطة في المنطقة الغربية من الجنوب أي عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى المجاورة لها، وحتى لا نلدغ من نفس الحجر مرتين، وكما لدغنا في عام 1967م، وكانت الكارثة عظيمة ومزلزلة علينا وعليهم، ولا زلنا إلى يومنا هذا ندفع ثمنها الفادح في كافة المجالات.
وقد خرجنا من هذه الجولة الاستطلاعية برؤية أكثر وضوحاً حول ما ينشده ويرنو إليه شعب حضرموت وخاصة في قطاعاته الواعية والمستنيرة من المصير المنتظر له، وكيف أنه يتطلع إلى وضع أفضل يزيل عنه معاناة نصف قرن من البؤس والشقاء والحرمان، وأنه لا عودة مطلقاً لهيمنة القوميين ولا الاشتراكيين ولا الوحدويين ولا الإصلاحيين حتى وأن تلبسوا بلباس الحراك أو الصلاح، فكل هؤلاء قد جربهم شعبنا الحضرمي وذاق الأمرين من سنين حكمهم، وليس من الحكمة تجريب المجرب، والقبول بالجلادين ليكونوا أطباء لمعالجة أمورنا المستقبلية مهما كانت الشعارات والبلاغات التي يرفعونها. وهذا هو ما تأكد لنا خلال جولتنا الاستطلاعية هذه في وادي حضرموت.
 
تريم: محطة أولى:
في مساء الأربعاء وفي فندق كينيا بمنطقة عيديد بغربي مدينة تريم والذي أقمت فيه كانت أولى اللقاءات، حيث اجتمعت مع بعض نشطاء الحراك ومن بينهم الأخوة الأساتذة أحمـد سالم بلفقيه وعقيل بن حفيظ وصالح الكاف وعبد الله كرامة العامري وآخرون. وكان اللقاء ودياً للغاية تسوده مشاعر الاحترام وتكتنفه الصراحة والوضوح والشفافية. وقد دام زهاء ثلاث ساعات تبادلنا خلاله جوانب عديدة من شؤون حضرموت السياسية والاجتماعية والثقافية، وكذلك ماله علاقة بنشاط الحراك في وادي حضرموت باعتباره حركة شعبية وجماهيرية عامة تهم كل الحضارمة وبصرف النظر عن رؤيتهم لمسير هذا الحراك ورؤيته السياسية المعلنة.
وخرجنا من هذا اللقاء بتوافق عام بأنه من الضروري أن تحفظ لحضرموت مكانتها المعروفة، وأن تصان حقوقها، وألا تظلم مرة أخرى كما ظُلِمت في عام 1967م وفي عام 1990م وعلى أيدي نفر من أبنائها، وأن يكون للحضارمة حقهم المطلق والمصان والمضمون في الاختيار الحر والمباشر فيما يرنون إليه من مستقبل منتظر، وألا تفرض عليهم أي وصاية أو هيمنة من أي طرف كان.
وقد أوضحت في هذا اللقاء لهؤلاء الإخوة أننا في جبهة إنقاذ حضرموت مع النشاط العام للحراك للوصول إلى فك الارتباط، ولكننا لسنا مكوناً من مكونات الحراك الجنوبي، وإنما نحن فصيل وطني حضرمي مستقل يسعى لخير حضرموت أولاً، ثم للتعاون المثمر مع مناطق الجنوب المجاورة لنا وبما يخدم مصالح الطرفين معاً أي حضرموت والجنوب، ولنا في ذلك رؤى ودراسات تفصيلية يمكن عرضها في الوقت المناسب. كما أوضحت لهؤلاء الإخوة وبصريح العبارة أن الجنوب يمكن أن يكون جزءاً من حضرموت بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولكن لا يمكن أبداً ومطلقاً أن تكون حضرموت جزءاً من الجنوب، لأنه لا يعقل أن الجسم الأكبر ينسب إلى الجسم الأصغر، فهذا ضد منطق الأشياء، ولسنا مجبرين على قبول ذلك. ورغم ذلك فإننا لا نسعى لجعل الجنوب تحت هيمنة حضرموت، وإنما نترك الخيار لأبناء الجنوب ليختاروا ما يناسبهم في كيفية تنظيم علاقتهم بحضرموت بلا وصاية أو هيمنة من أي طرف على الآخر، فلا شك أنه من المفيد لكلينا (حضرموت والجنوب) أن نكون على وئام وتناغم في كيفية التخطيط للمستقبل، وفي إطار الندية والاعتراف والاحترام المتبادل للحقوق والتعاون المثمر لشعبينا.
سيئون: محطة ثانية:
في صباح اليوم التالي أي الخميس التقينا في سيئون عاصمة الوادي وحاضرة آل كثير بنشطاء آخرين يحملون في وجدانهم وعقولهم وأفئدتهم الهم الحضرمي والأمل في تجاوزه. وكانت البداية مع الأستاذ العزيز عمر أحمد حسان والذي تربطه علاقة جيدة ببعض رجالات سيئون ومفكريها ومثقفيها وناشطيها. ومن خلاله التقينا بالأستاذ الأديب علي أحمد بارجاء رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتّاب في وادي حضرموت، ولي معرفة جيدة به منذ سنوات عدة، وكذلك الشيخ أحمد علي الكثيري أحد رجالات آل كثير في سيئون والأستاذ المحامي سامي جواس الناشط الحقوقي في سيئون، وانتهينا من ذلك إلى ضرورة عقد لقاءات متكررة وموسعة مع بعض الشخصيات الاجتماعية في سيئون وفي غيرها من مدن وادي حضرموت.
شبام: محطة ثالثة:
في عصر الخميس توجهنا إلى شبام العالية ذات الشموخ المعماري العريق وواجهة حضرموت الحضارية والمصنفة في اليونسكو ضمن مدن العالم التراثية، وبعد أن توقفنا قليلاً في بلدة تريس، وحيث قابلنا هناك وفي أحد مساجدها الشيخ عبد الله باعطوة وفي إطار زيارة مودة لمعرفة سابقة جمعتني به في مؤتمر الجنوبيين بالقاهرة في شتاء عام 2011م أما في شبام فقد كان هدفنا مقابلة الصحفي القدير والباحث المجتهد الأستاذ علوي عبد الله بن سميط، فوجدته كما عهدته دائماً بين أحضان الكتب والمؤلفات وفي حالة جدل ونقاش مع رفقاء له في قاعة منتدى أسسه مع رفاقه وأسموه (منتدى شبام حضرموت الثقافي)، فأكبرت فيه تلك الهمة والحيوية، خصوصاً وأنني أقبلت عليه وبرفقة زملائي الأربعة دون موعد سابق أو إخطار مسبق مني له. وأدركت حينها كم هذا الرجل حريص على المعرفة والعلم ولديه عطش دائم إلى التزود منهما. ولذلك كان حرصه الشديد على إقامة نواة طيبة لمركز معلومات وتوثيق لمنتداه، حيث لاحظت وجود أرفف وأشلاف مثبتة على الجدران وهي تنوء بحملها من الكتب والمؤلفات والمطبوعات المتراكمة عليها.
وكانت البداية الطبيعية في الحديث مع الأستاذ علوي أن يكون حول هذا المنتدى والذي جعل إحدى غرف منزله مقراً له، وهي تضحية عظيمة منه في هذا الزمن الصعب. وعلمت منه وباقتضاب الشيء المفيد حول هذا المنتدى ونشاطه والذي انطلق في عام 2004م واستضاف العديد من الباحثين والمختصين من الحضارمة والعرب والأجانب في جوانب عديدة تتعلق بشبام أو حضرموت عموماً من الناحية التاريخية والأثرية أو المعمارية أو الانثربولوجية. ومن إصدارات هذا المنتدى رغم قلة إمكاناته بل وانعدامها كتاب بعنوان (مشاهدات وانطباعات عن شبام) قام بتأليفه كل من الأستاذ علوي عبد الله بن سميط والأستاذ عبد الله سعيد بن حازم وصدر في عام 2008م. وكذلك كتيب بعنوان (شبام حضرموت: المدينة المسورة في سطور) ألفه الأستاذ علوي بن سميط وصدر في عام 2010م.
وقد أسعدني ذلك كثيراً لأنه يدل على أن هذا الرجل يحمل في عقله وفؤاده وكيانه رسالة يريد أن يبلغها للآخرين، وليس له مطمح في دور يلعبه ويجني منه الثمار أو العقار. كما أن مشاركته في العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتنموية العامة وخصوصاً في مدينته شبام تدل على عمق الانتماء للمكان، ودون أن ينسى انتمائه الأكبر لحضرموت وما يمليه عليه ذلك من واجب تجاهها.
وفي إشارة منه إلى متابعته الجيدة بما اكتبه وانشره من مقالات ومؤلفات حدثني عن بعض ذلك، وهو يتفق معي في هذا الهواء الحضرمي الذي نستنشقه جميعنا. وكذلك حدثني عن مشاهدته واستماعه لما دار في فعاليتنا الجماهيرية بالمكلا والتي نظمتها جبهة إنقاذ حضرموت في 16 يناير 2012م وعن استحسانه لما طرح فيها من أفكار عامة ومن رؤى متوازنة.
ولاشك أنني في زيارتي هذه لشبام تعرفت فيها على رجل وعلى منتدى. وكم كنت أتمنى أن يجد هذا المنتدى ومنتديات أخرى في حضرموت دعماً مادياً ومعنوياً من القادرين على ذلك في حضرموت بالوطن والمهجر وما أكثرهم من أجل رفع شأن المعرفة والوعي في ربوع حضرموت العزيزة، وهي بلا شك من سبل التنمية الجادة والسليمة لأوضاع مجتمعنا الحضرمي.
وكنت قد تعرفت على الأستاذ علوي بن سميط منذ سنوات خلت عندما زرته في منزله أو منزل أحد أقاربه في شبام - لا أذكر تماماً - وفي جولة ميدانية قمت بها لجمع معلومات مباشرة عن تطور العمران والاستيطان في حضرموت. وقد قابلته حينها مع صديق له ولي وهو الأستاذ حسين صالح باشراحيل مدير عام مكتب المغتربين في وادي حضرموت.
وقد وجدت من الأستاذ علوي حينها استقبالاً طيباً واستعداداً تلقائياً لمساعدتي في إنجاز ذلك البحث، مما حفزني على ضرورة مقابلته مرة أخرى إذا ما سقتني الظروف إليه، وهو ما حدث في هذه الزيارة.
سيئون مرة أخرى: محطة رابعة:
حضرنا صلاة الجمعة في جامع الخير في سيئون. وهذا الجامع أخذت شهرته ومكانته تتصاعد يوماً بعد يوم في سيئون وما حولها نظراً للدور الكبير الذي يقوم به خطيب هذا الجامع الشيخ صالح عبد الله باجرش والذي جعل خطبه ذات قيمة وأهمية للحاضرين. وكان موضوع الخطبة ذلك اليوم عن المعلم وكيف كان وضعه ماضياً وكيف أصبح حالياً في حضرموت. وأشار فضيلة الشيخ صالح بارك الله فيه وفي جهده الطيب كيف كان معلمو حضرموت في الماضي يحظون بالاحترام الرفيع والمكانة المرموقة في مجتمعنا وما كان يقوم به هؤلاء من دور إيجابي في التنمية الجادة والسليمة التي ينشدها الإنسان الحضـرمي، ثم كيـف أصبـح وضعه اليوم متدنياً علمياً وأخلاقياً واجتماعياً، وهو لا يستطيع أن يساهم بشكل سليم في بناء مجتمع يقوم على أسس راسخة مع المعرفة والوعي والأخلاق والقيم، والسبب في كل ذلك بلا شك هذه الأنظمة الاستبدادية والطائشة المتعاقبة على حضرموت منذ عام 1967م، والتي جعلت من التعليم ملهاة لها ومسرحاً لتجاربها وأفكارها السياسية والاجتماعية المنحرفة. وكان الشيخ صالح واضحاً وصريحاً في طرح ذلك الموضوع، ودون أن ينسى حقوق المعلم المعنوية والمادية وكيف أنها تهدر وتنتهك نهاراً جهاراً بلا رقيب أو حسيب مما ينعكس أثره الضار على مستقبل الأجيال المتلاحقة من أبناء حضرموت.
وكنا بعد صلاة الجمعة على موعد مع بعض رجالات آل كثير ومع نشطاء آخرين من أبناء سيئون ومثقفيها وكوادرها الإدارية والأكاديمية، فاجتمعنا في أحد قصور آل كثير في غربي سيئون. والتقينا هناك بالشيخ عبد الله صالح الكثيري وهو مدير عام سابق للتربية والتعليم في وادي حضرموت ويعتبر ممثلاً وراعياً لشؤون آل كثير في حضرموت. وكان معه بعض رجالات آل كثير وشخصيات اجتماعية أخرى ومنها الشيخ أحمد علي الكثيري والشيخ منصور بن حيدره والشيخ العبد باوزير والقاضي محمد علي بن طالب والطيار العسكري محمد مصعب والمدير العام السابق عصام بن حبريش وآخرون. وكانت القاعة غاصة بالحاضرين بما لا يقل عن خمسين شخصاً، مما يدل على حفاوة الاستقبال الذي استقبلنا به رغم أنه كان على عجل وبدون ترتيب مسبق بشكل كافٍ.
وكان لقاء مثمراً ومفيداً تبادلنا فيه الحديث والحوار المستفيض حول ما يمكن أن يفيد حضرموت المستقبل، خصوصاً وأننا على أعتاب مرحلة جديدة لبناء حضرموت الغد، فاستمعنا جيداً لما قاله الشيخ عبد الله صالح الكثيري من حيث الرؤية المستقبلية التي يراها وينشدها لحضرموت، وبأنها يجب أن تستعيد مكانتها المفقودة منذ عام 1967م، ومؤكداً على ضرورة أن يسعى كل الحضارمة في الوطن والمهجر بجد وإخلاص لتحقيق طموحات الشعب الحضرمي وما يصبو إليه من خير وعزة وكرامة واستقرار.
ومن جانبنا أوضحنا ولجميع الحاضرين رؤيتنا في ذلك، وحيث أننا في جبهة إنقاذ حضرموت نطالب بنص دستوري واضح وصريح يكفل لشعب حضرموت حق تقرير المصير في دستور الدولة القادمة التي ستحكم حضرموت وبصرف النظر عن كون هذه الدولة هي دولة الجنوب أو دولة أخرى تفرض علينا إقليمياً أو دولياً، فالمهم هو ضمان حقوق الحضارمة في أي تسوية سياسية قادمة، ودون أن نخفى طموحنا في أن نحصل على استقلال لدولة حضرموت إذا ما تيسر ذلك واجتمعت عليه كل القوى الحضرمية وأيدته دول الإقليم والمجتمع الدولي.
ولذلك أشرنا في طرحنا أمام الحاضرين إلى سعينا في جبهة إنقاذ حضرموت إلى جمع الصف الحضرمي وتجميع القوى الحضرمية تحت مسمى (عصبة القوى الحضرمية) لتكون مظلة واسعة يجتمع تحتها كل القوى العاملة في الساحة الحضرمية من تنظيمات سياسية وشبابية وطلابية بشرط أن تسعى إلى حق تقرير المصير لشعب حضرموت ودون أن تفرض على شعبنا أي وصاية أو تبعية لصنعاء أو لعدن. كما أن الانضمام لهذه العصبة لا يلغي كيان أي تنظيم أو مكون ينظم إليها وإنما القصد منها هو التنسيق والتعاون والتكامل في أنشطة ومساعي هذه الكيانات المنضوية للعصبة لما فيه خير حضرموت وأهلها، والمهم هو العمل لضمان حقوق الحضارمة وهويتهم وثرواتهم من أي عبث أو استغلال أو استباحة تحت مبررات زائفة وطنية أو قومية أو جنوبية أو وحدوية أو إسلامية، وكما حدث منذ عام 1967م وإلى اليوم.
وقد وجدنا في طرحنا هذا ولله الحمد ما يكفي من تجاوب واقتناع من قبل الحاضرين وتأكد لديهم سلامة المسير والرؤية التي تنتهجها جبهة إنقاذ حضرموت، وخصوصاً أننا لسنا دعاة عنف أو مسيرات طائشة أو إرهاب أرعن، وإنما نحن دعاة سلم ومحبة وإقناع، ومع يقيننا بأن شعب حضرموت على استعداد تام للجهاد والنضال من أجل استرجاع حقوقه المنهوبة منه منذ عام 1967م بالحسنى أولاً وأن لم تأت فبكل الوسائل المشروعة التي تكفل له استعادة هذه الحقوق المغتصبة، ودون تعدي على حقوق الآخرين أن كانت لهم حقاً أي حقوق.
واستمعنا إلى ملاحظات قيمة وهامة من الحاضرين ومن بينهم القاضي محمد علي بن طالب والطيار العسكري محمد مصعب والمدير العام السابق عصام بن حبريش ومن غيرهم.
وقد تركزت ملاحظاتهم واستفساراتهم حول ما تطرحه جبهة إنقاذ حضرموت في مسألة (حق تقرير المصير لشعب حضرموت) والذي تطالب به الجبهة، وكيف يمكن تنفيذه إذا ما حدث فك ارتباط والذي تطالب الجبهة بتحقيقه باعتباره خطوة أولى لتلبية مطلب الحضارمة في حق تقرير مصيرهم.
وفي هذا الصدد أشار الشيخ عبد الله صالح الكثيري إلى رسالة وصلت إليه من المستشار القانوني والمحكم الدولي بدول الخليج العربية الأستاذ عبد العزيز بن سعيد الكثيري تطرح رؤية شاملة ومدعومة بآليات تنفيذية في كيفية السعي الجاد لحفظ حقوق الحضارمة.
وفي ختام اللقاء وجه إلينا الشيخ عبد الله الكثيري دعوة كريمة بتكرار الزيارة لما فيه خير حضرموت وأهلها، كما أشار إلى أهمية القيام بزيارة لمركز ابن عبيد الله السقاف الثقافي في سيئون، وحيث أن هذا المركز يعد من المعالم الثقافية والفكرية المعروفة في سيئون بل وفي وادي حضرموت، وهو يعقد فعالياته وبانتظام في مساء كل أربعاء من كل أسبوع، ويدير شؤون هذا المركز الثقافي الأستاذ محمد حسن السقاف، وهو من الشخصيات الاجتماعية والثقافية النشطة والمعروفة في سيئون. ولم يكن لي حينها حظ في التعرف عليه، فوددت لو تعرفت عليه لاحقاً، وهو ما تم بالفعل في زيارتنا الثانية إلى وادي حضرموت، وحيث ألقيت في هذا المركز محاضرة بعنوان (الحضارمة ودورهم في تنمية وتحديث عدن والجنوب العربي من عام 1888 إلى عام 1990م). وسأترك تفاصيل ذلك لفرصة أخرى قادمة إن شاء الله تعالى.
تريم مرة أخرى: محطة خامسة:
قبل صلاة العصر من يوم الجمعة ذاتها انطلقنا وعلى عجل من سيئون إلى تريم، وحيث كنا على موعد مرتب مع بعض نشطاء الحراك وشخصيات عامة فيها. ولقد سعدت بلقاء مجدد جمعني بالأساتذة أحمد سالم بلفقيه وعقيل بن حفيظ ثم بكل من الأساتذة عبد الرحمن علي بلفقيه وصالح سعيد باحشوان وأحمد باسنبل وآخرون. وكان اجتماعنا وبرفقة زملائي الأربعة في منزل الأستاذ عقيل بن حفيظ. ودار بيننا حوار مثمر ومفيد استفدنا منه كثيراً من خلال الملاحظات التي قُدمت لنا من هؤلاء الإخوة ومن بقية الحاضرين، كما أننا تناولنا كيفية العمل على تنسيق وحدة الصف الحضرمي كخطوة ضرورية لوحدة الصف الجنوبي إذا ما رغب الجنوبيون أن يكون للحضارمة الدور الفاعل في جمع كلمة سكان هذه المنطقة من حضارمة وجنوبيين، وأن يكونوا على توجه واحد نحو فك الارتباط من نظام صنعاء، ودون وصاية أو هيمنة من طرف على آخر، ومع حفظ الحقوق المشروعة والمعروفة للحضارمة والمنتهكة منذ عام 1967م وإلى اليوم وليس منذ عام 1994م كما يدعي نشطاء الحراك الجنوبي.
وبعد صلاة المغرب رتب لنا الأستاذ عقيل بن حفيظ زيارة لمنتدى الإبداع وخدمة التراث في مدينة تريم والذي يدير شؤونه الأستاذ أحمد السري. وقد استقبلنا في هذا المنتدى بحفاوة ملحوظة من قبل رئيسه ورواده. وكانوا ساعتها ينظمون فعالية ثقافية على شكل محاضرة ألقاها الأستاذ صبري باحريش حول تاريخ ومآثر السيد العيدروس المقيم في عدن. وبعد المحاضرة والملاحظات التي قدمت حولها والردود عليها رحب بنا مرة أخرى من كان يدير الفعالية الثقافية ولا أتذكر اسمه، وطلب مني إلقاء كلمة أمام رواد المنتدى، فعبرت عن الشكر والتقدير عن نفسي وعن زملائي الأربعة المرافقين معي لما حظينا به من حسن استقبال، ومنوهاً أن جولتنا هذه في وادي حضرموت كانت من أجل التعرف على المنتديات الثقافية والاستفادة من خبراتها ونشاطها، خصوصاً وأننا في المكلا قد أقمنا منتدى باسم (منتدى حضرموت الثقافي والعلمي) وأنه يسعدنا أن نربط علاقات تعاون وعمل مثمرة في الأنشطة الثقافية بين منتدانا في المكلا ومنتديات وادي حضرموت والتي بلا شك ستصب لصالح حضرموت وما تحتاج إليه من وعي ومعرفة في العملية التنموية الطموحة والجادة.
وفي ختام زيارتنا لهذا المنتدى أخبرني الأستاذ أحمد السري رئيس المنتدى بأن هذا المنتدى هو من ضمن مجموعة من المنتديات يصل عددها إلى حوالي ثمانين منتدى تغطي معظم مناطق حضرموت، وتتم تحت رعاية شخصيات أفاضل من أهل العلم والصلاح ومن بينهم الداعية الإسلامي أبوبكر العدني المشهور ولا شك في أن لهذه المنتديات الخير الوفير الذي سيعود على حضرموت وأهلها بعونه تعالى.
ومن محاسن الصدف وترتيب القدر أنني قبيل مغادرتي لهذا المنتدى سعدت بالتعرف من جديد على صديق وزميل دراسة قديم أثناء المرحلة الثانوية وعندما كانت تسمى حينها (ثانوية المكلا) وهي المسماة اليوم (ثانوية بن شهاب). وقد فرقت بيننا الأزمنة والأحوال ولأكثر من أربعين عاماً وهو الدكتور علي المشهور وقد أصبح أستاذاً في جامعة حضرموت في قسم الكيمياء. وكان لقائي به مؤثراً أعادت إلي وإليه ذكريات عزيزة وغالية عندما كنا معاً في ثانوية المكلا خلال أعوام 1967 - 1971م.
وعندما عدت في حوالي التاسعة مساءً إلى فندق كينيا الذي أقمت فيه كان نشطاء الحراك يقيمون فعالية ثقافية في ساحة مجاورة للفندق، وبجوار خيمة للحراك وضع عليها بشكل بارز علم (الجنوب العربي) وليس علم (اليمن الديمقراطية) كما هو معتاد في بقية خيمات الحراك. وكنت أود أن أحضر هذه الفعالية لاستمع إلى ما يُطرح فيها لولا أنني كنت مجهداً وتعباً فأثرت الصعود إلى الفندق. وفي صباح اليوم التالي أي السبت قابلت الأستاذ أحمد بلفقيه وأخبرني أن الأستاذين محمد أحمد بلفخر وأحمد محمد بامعلم هما اللذان كانا يحاضران في فعالية الأمس تحت الفندق. فتأسفت بعض الشيء لأنني لم أحضر تلك الفعالية، خصوصاً وأنني كنت أود الالتقاء بهذين الأخوين العزيزين للتحية ولتجاذب أطراف الحديث حول همومنا الحضرمية المشتركة. ولكن كان إرادة المولى عز وجل ومشيئته فوق كل إرادة ومشيئة.
اللسك - البلدة - القرية: محطة سادسة:
عند ظهيرة السبت انطلقت من تريم إلى اللسك والمسماة (القرية). وهناك التقيت ببعض شباب ورجال من آل حمدان قاطني اللسك وعلى رأسهم الأستاذ هادي سليم حمدان رئيس المجلس المحلي باللسك، وكذلك الأستاذ مازن هادي حمدان وآخرون. وقد سبقني إلى هناك زميلنا العزيز الأستاذ خميس علي حمدان ورفيقنا في هذه الجولة وهو الذي رتب اللقاء العابر مع كل من التقيت بهم في اللسك. وطرحت أمامهم هموم حضرموت وكيف يمكن تجاوزها بالتعاون والصبر والمثابرة في العمل الجاد والتضحية الصادقة. وقد أسعدني في هذا اللقاءات أن علمت من الأستاذ مازن حمدان أنهم بصدد إنشاء (منتدى اللسك الثقافي) ليجمع شباب هذه البلدة الطيبة حول الخير والتوعية الجادة والمفيدة لهم ولمجتمعهم بدلاً من إنفاق أوقاتهم وأموالهم وصحتهم فيما لا ينفع بل ويضر كتعاطي القات أو المخدرات أو غيره.
وبالمناسبة فإن اللسك بلدة لا قرية وأن كانت تسمى قرية. وقد علمت أن هناك سعي طيب من أهلها أن يوصي مجلسها المحلي بإطلاق تسمية اللسك في الوثائق الرسمية والإحصائية الخاصة بها وفي كل المطبوعات الرسمية في حضرموت حين يعم مسمى اللسك وهو الأجدر بها. وارجوا أن يهتم مجلسها المحلي بذلك ويسارع إلى تنفيذه، وحيث أن اللسك اليوم بلدة يافعة يزيد سكانها عن أربعة آلاف نسمة ومعظمهم من الناشطين اقتصادياً وعلى مستوى جيد من التعليم ومنهم العديد من خريجي الجامعة، وهي غاصة بعمرانها ومنازلها وطرقها المسفلتة وبساتينها الخضراء وأشجارها الباسقة من النخيل وغيره، وبجدية أهلها واجتهادهم في طلب الرزق الحلال، مما أكسبهم احترام وتقدير من يعلم عنهم من القاصي والداني.
عينات: محطة سابعة:
بعد صلاة العصر انطلقت برفقة زميلي الأستاذ خميس علي حمدان إلى عينات ثم لحق بنا إلى هناك بقية زملائنا الثلاثة من تاربة حيث كانوا في ضيافة زميلنا الأستاذ حسين العامري. وقد استقبلنا في عينات استقبالاً طيباً وحافلاً من قبل بعض رجالات وشباب عينات، وحيث أن هذه الزيارة قد تم ترتيبها مسبقاً، وحيث تربطني بالعديد من أبناء عينات علاقات مودة ومحبة وتواصل أخوي من خلال عملي السابق كمدير عام لمكتب المغتربين في حضرموت وإشرافي على توزيع تعويضات العائدين من الكويت، وحيث يوجد في عينات ما لا يقل عن (500) شخص من هؤلاء العائدين، أي حوالي (10%) من سكانها الكلي. وكذلك كنت أعرج على عينات في كل زيارة أقوم بها إلى وادي حضرموت وخصوصاً إذا ما زرت تريم لغرض علمي أو شخصي. وكنت أحرص في كل زيارة لعينات أن ألتقي بالعزيزين الغاليين وهما الأستاذ حسين عاشور بادباه والشيخ صالح عبيد بامؤمن، وهما من العائدين من الكويت وكان لهما دوراً طيباً مع بقية زملائهم في لجنة العائدين من الكويت والتي عملت ما استطاعت على حفظ الحد الأدنى من حقوق هؤلاء العائدين رغم أن ما ضاع عليهم كان كبيراً وفادحاً.
وما أسعد به عند زيارتي لعينات وكذلك لبلدة قسم المجاورة لعينات هو أنني ألتقي فيها ببعض شباب ورجال هاتين البلدتين من طلابي عندما كنت مدرساً للجغرافيا بكلية التربية بالمكلا عامي 1990 و 1991م، ومنهم ذكراً لا حصراً في عينات الأستاذ أحمد عنبر وفي قسم الأستاذين سعيد تيسير وصالح رجب سنجل وغيرهم ممن لم أتذكر أسمائهم. وقد عرفت في هؤلاء الجدية والحرص على طلب العلم والتمسك بالأخلاق والقيم والاعتزاز بالهوية الحضرمية. وهم اليوم قد أصبحوا رجالاً يتحملون مع غيرهم مسؤولية بناء مجتمعهم بشرف وأمانة واقتدار، ويحظون باحترام كبير بين أهاليهم. وهم مصرّون على البقاء في مناطقهم تلك لخدمة بني جلدتهم رغم إغراء الإقامة في المدن الكبرى المجاورة لهم كتريم وسيئون أو البعيدة عنهم كالمكلا وغيرها.
وفي هذه الزيارة إلى عينات التقيت لأول مرة برجل فاضل من أهلها وهو الأستاذ محمد غالب الحامد رئيس المجلس المحلي بعينات. وعندما عبّرت عن اهتمامي العلمي والمعرفي بعينات من حيث استيطانها وتطورها العمراني والسكاني وكيف أنها نمت من محلة إلى قرية إلى بلدة كما هي اليوم وكيف أنها تستحق العناية والاهتمام من الباحثين الجغرافيين وغيرهم لدراستها لما فيها من تنوع جغرافي وتطور تاريخي مشهود فوجئت بالأستاذ محمد الحامد وببادرة كريمة منه يهدي إلى كتاباً مزيناً بتجليد فاخر وورق مصقول وطباعة أنيقة ويضم صفــ276ــحة من القطع الكبير وفيه صوراً وخرائط ويحمل عنوان (عينات... ماضيها وحاضرها وتاريخ باني نهضتها الشيخ أبي بكر بن سالم). ووضعه وأشرف عليه الشيخ عبد القادر حسن بن سلم، وهو من رجالات عينات البارزين، وهو الرئيس الفخري لنادي شباب عينات الرياضي والاجتماعي الذي يعد فرعه في الكويت من أبرز أندية حضرموت الرياضية في المهجر، وله سمعة طيبة كنت أعايشها عندما كنت مقيماً في الكويت للدراسة الجامعية.
وعندما تصفحت هذا الكتاب والذي صدر في بيروت عام 2005م وجدت أن فيه من الجهد الكبير الذي بذل ليكون بهذا الشكل الجميل والمضمون المفيد ويدل على عناية صاحبه ومن شاركه من أهالي عينات وغيرهم في إخراجه الإخراج الحسن والمقبول شكلاً ومضموناً، وهو جهد يذكر فيشكر. وتمنيت كثيراً لو أن كل قرية أو بلدة أو مدينة في حضرموت يتكفل أهلها من النابهين والقادرين فيها على إصدار مؤلف عنها يحوي القدر الكافي من المعلومات عن ظروفها الطبيعية والسكانية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها لأصبح لدينا موسوعة حضرمية شاملة عن القرى والبلدات والمدن الحضرمية. ولا شك أن في ذلك خدمة عظمى للتنمية المحلية وللتنمية الوطنية في حضرموت العزيزة.
واستقر مقامنا في عينات ولسويعات قليلة في مقر (منتدى عينات العلمي والثقافي) وفي قاعة محدودة المساحة من هذا المقر واجتمعنا في جلسة عمل ونقاش بدأها الأستاذ سالم مبارك باحلي رئيس المنتدى بالترحيب بنا وعرض أمامنا بالصوت والصورة وعلى جهاز البروجكتر جوانب من أنشطة المنتدى، كنا خلالها مأخوذين بدهشة وانبهار وإعجاب وتقدير عالٍ وكما قال زميلنا خالد باعلي لهذا الذي نشاهده أمامنا من الجهد الكبير المبذول لجعل هذا المنتدى بهذا المستوى المشرف والمتعدد الاهتمامات.
ومن خلال الحوار بيننا مع بقية أعضاء الهيئة الإدارية للمنتدى ومن بينهم الشاب صالح حسين عاشور بادباه وبقية زملائه ممن أعتذر عن عدم تذكر أسمائهم ومن خلال ما أهدي إلينا من مطبوعات ومطويات (بروشورات) وأقراص مدمجة (CD) عرفنا الكثير الإيجابي عن هذا المنتدى. وأحدى هذه المطبوعات بعنوان (المنتدى) وهي مجلة فصلية تصدر عن منتدى عينات. وفي عددها الخامس الذي أهدي إلينا عدة مقالات رصينة ومفيدة تحذر من خطر الشجرة الخبيثة أي شجرة القات. وهذا يعني أن لهذا المنتدى رسالة تنموية واجتماعية ودينية وأخلاقية وتربوية جديرة بالاحترام والتنويه.
والخلاصة فيما رأيناه في منتدى عينات أنه لم يكن منتدى ثقافياً أو علمياً وحسب بل هو مركزاً علمياً وثقافياً متعدد الأغراض والاهتمامات، فإلى جانب عقد الندوات والمحاضرات والمسابقات الثقافية والرياضية وحلقات النقاش وإصدار المطبوعات والنشرات يقوم هذا المنتدى بعقد ورش عمل متخصصة ودورات علمية وتدريبية للراغبين من أبناء عينات وغيرهم في تعلم استخدام الحاسوب وصيانته، وكذلك عقد دورات تعليمية لطلاب الثانوية والابتدائية للتقوية في المواد العلمية الأساسية. وكذلك إقامة مخيمات صيفية للشباب في المجالات العلمية والترفيهية والرياضية بقصد الاستفادة من أوقات الفراغ للشباب بما يخدم تنمية المجتمع في عينات وما حولها.
وكلمة شكر وتقدير واحترام ومحبة نقولها لشباب ورجالات عينات وكل أفراد مجتمعها ذكوراً وإناثاً هنيئاً لكم بهذا المنجز الحضاري الكبير، وهو ليس فخراً لعينات وحدها وإنما لحضرموت باجمعها، وينبغي أن يكون نموذجاً حياً يحتذي به ويمكن تطبيقه في كل قرى وبلدات ومدن حضرموت إذا ما أردنا حقاً أن نعيد لحضرموت حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلينا أن نتعلم من عينات وأهلها كيف تكون التنمية الجادة بعزيمة وصبر وأخلاق الرجال لا بكثرة الأموال.
وكنت أود الالتقاء في عينات بالأستاذ العزيز أنس باحنان رئيس التجمع الوطني الحضرمي لعلاقة طيبة تربطني به ولمواصلة الحوار حول جهدنا المشترك القادم في تأسيس (عصبة القوى الحضرمية) الذي نزمع إشهارها، ولكنه حينها لم يكن موجوداً في عينات، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله.
وبعد صلاة المغرب مباشرة غادرنا عينات البلدة بأجسادنا، بينما قلوبنا وأفئدتنا وعقولنا مع أهلها وشبابها الساعي بجد ومثابرة إلى تحقيق غدٍ أفضل رغم كل المحبطات والمعوقات التي تقف في طريقهم. وقد اعتذرنا عن قبول دعوة كريمة منهم بتناول وجبة عشاء كانت ستتيح لنا فرصة أكبر للحديث والحوار ومعرفة المزيد عن عينات ونشاط أهلها، غير أننا كنا على موعد مع بلدة أخرى عزيزة وغالية علينا ألا وهي قسم، فاعتذرنا لأهلنا في عينات عن قبول دعوتهم الكريمة واتجهنا فوراً إلى قسم.
قسم: محطة ثامنة:
وصلنا إلى قسم وشمس المغيب قد اختفت وأسدل الليل أستاره الأبدية، ودخلنا إليها بعد أن أضاءت مصابيح الكهرباء شوارعها وأحيائها، ورأيناها بلدة شابة ويافعة ونشطة بأهلها ورجالها، وبعد أن كانت لسنين طويلة قرية صغيرة خاملة الذكر عندما زرتها منذ عقدين من الزمن.
أما اليوم فبلدة قسم هي من بلدات مديرية تريم ذات النشاط البشري والحيوي المتميز، وفيها حركة تعليمية وتثقيفية وعمرانية ملحوظة بجهد أبنائها المنتشرين في بقاع كثيرة من حضرموت وخارجها. ورغم أنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من الخدمات الأساسية والبنية التحتية إلا أن مثابرة الرجال وصبرهم وكفاحهم فيها لاشك في أنه سيبلغهم آمالهم وطموحاتهم بعون الله عز وجل.
وفي قسم التقيت بأحد طلابي السابقين بكلية التربية بالمكلا والمذكور سابقاً وهو اليوم الأستاذ سعيد تيسير، وهو يقوم بدوره الوطني والتنموي في توعية وتعليم بني بلدته ويشاركه في ذلك ثلة خيّرة من شباب قسم ومن بينهم الأستاذ مراد باعشي رئيس (ملتقى الطالب الجامعي بقسم) والذي يعتني بالتوعية الثقافية والعلمية والدينية لشباب قسم. وقد رحب بقدومنا عليهم وكنا قد وصلنا إليهم دون سابق إخطار فوجدناهم في حالة (ممارسة) لدورهم الوطني والإنساني الخلاق في توعية مواطنيهم من شباب وفتيان وفي حضن مسجد باسهل ولعله من أكبر مساجد قسم.
ولم يكن لدينا ولديهم من الوقت غير بضع دقائق للحديث والحوار كانت كافية إلى حد ما لاستمرار التواصل، حيث سمعنا صوت أذان العشاء يرتفع عالياً من مأذنة مسجد باسهل ومساجد أخرى قريبة، مما يعني أن علينا مغادرة قسم مع الوعد بالعودة إليها في فرصة لاحقة بمشية الرحمن عز وجل.
وبمغادرتنا لبلدة قسم أتممنا مهمة (غير مكتملة) في الجناح الشرقي من وادي حضرموت. وكنا نود زيارة بلدة السوم لأهميتها الحضارية والثقافية والاجتماعية وهي لا تبعد كثيراً عن قسم، غير أن الوقت والمال لم يسعفنا في ذلك فأرجأنا ذلك إلى فرصة لاحقة بعون المولى تعالى.
القطن: محطة تاسعة:
بعد توقف قصير في بلدة اللسك لأداء صلاة العشاء واستراحة في منزل الأستاذ هادي حمدان في هذه البلدة وصلنا إلى تريم مع حلول التاسعة مساءً ونزلت في فندق كينيا بتريم. وكنا على موعد في صباح اليوم التالي أي الأحد للانطلاق نحو القطن ومنها إلى وادي العين.
واقتضى الأمر ضيافة (إجبارية) من زميلنا الأستاذ حسين فرج العامري وفي منزله العامر بتاربة التي تعد بمثابة البوابة الشرقية لمدينة سيئون. وقد نمت بلدة تاربة هذه نمواً سريعاً في السنوات الأخيرة. وقد علمت من زميلنا حسين العامري أن أسمها مأخوذ من كثرة الترب أي المقابر المنتشرة حولها، رغم أن ما وجدناه من النشاط الإنساني ومن مظاهر الحياة أكثر بكثير مما يدل عليه أسمها.
وقد استنزفت منا هذه الاستضافة عند آل العامري معظم ساعات نهار الأحد. وبعد صلاة العصر انطلقنا نحو القطن فوصلنا إليها قبل أذان المغرب بحوالي ساعة كانت كافية للالتقاء بالأستاذ سالم صالح بن دهري المدير العام السابق وأحد الأساتذة المعروفين في القطن، وكذلك مع أبنه الأستاذ حلمي سالم بن دهري القاضي بالنيابة العامة بالقطن.
ورغم أن اللقاء كان قصيراً بالأستاذ سالم وأبنه حلمي إلا أنه كان كافياً لتناول وتداول ما جئنا من أجله. وقد ساعدنا في ذلك أنهما كانا على معرفة مسبقة بنشاط جبهة إنقاذ حضرموت وما ترنو إليه من أهداف لخير حضرموت. وقد أبديا اهتماماً بما طرحناه وأيدا كثير من الأفكار والمبادئ العامة التي سقناها أمامهما، وأبديا بعض الملاحظات أثناء حوارنا معهما لما فيه الصالح العام.
وقد سعدت كثيراً باتصال هاتفي مع الأستاذ حسين عبد الله الهدار أمين عام (منتدى أنصار القلم بالقطن) والذي حدثني نيابة عن رئيس هذا المنتدى الأستاذ أحمد جعفر الحبشي. وكان حديثنا منصباً على كيفية التنسيق والتعاون بين منتدانا أي منتدى حضرموت الثقافي والعلمي بالمكلا ومنتدى أنصار القلم بالقطن لما يخدم حركة الوعي والمعرفة في صفوف مجتمعنا الحضرمي وادياً وساحلاً.
ولولا ضيق الوقت المتاح أمامنا في القطن ولبعض الإرهاق والجهد الذي شعرت به خلال هذه الجولة المكوكية في وادي حضرموت لقمت بزيارة لجمعية مكافحة القات والتدخين بالقطن وهي جمعية نشطة. وتأسست منذ سنوات قليلة، وفيها من شباب القطن ممن يرفض هاتين الآفتين ويسعى إلى تخليص مجتمع القطن منهما. وهي جمعية تضم عناصر شابة جيدة من أبناء القطن تعرفت على أحدهم في المكلا وهو الأستاذ عبد الله عمر بن سلم. وقد وعدته بزيارة لهم في القطن مستقبلاً ولكني لم أتمكن من تنفيذ ذلك للظرف الخاص الذي كنا فيه. ولا زلت آمل في زيارتهم مستقبلاً إن شاء الله تعالى.
السفيل ووادي العين: محطة عاشرة وأخيرة:
بعد صلاة المغرب مباشرة توجهنا إلى بلدة السفيل في وادي العين ونزلت في ضيافة صهري الشيخ عبد الله سعيد باوزير وأبنه إبراهيم. وكنت وقتها أشعر بشيء من الحمى والتعب، ولذلك وجدت عناية طيبة من قبل زوج شقيقتي وعائلته. أما بقية الزملاء فقد عادوا إلى تاربة، ومن ثم التوجه صباح اليوم التالي إلى منطقة منوب المجاورة للقطن لإجراء مقابلة تم ترتيبها مسبقاً مع الشيخ صالح سعيد العمودي أحد قيادي الحراك هناك. وكان اللقاء معه مثمراً ومفيداً.
ومع ظهر يوم الاثنين اجتمعنا مرة أخرى في السفيل في منزل صهري الشيخ عبد الله باوزير وحضر الاجتماع الشيخ سعيـد عبد الله العوبثاني أحـد مشائخ العوابثة في وادي العين ومعه الشيخ سعيد بن بشر والأستاذ محمد عبد الرحمن باوزير مدير عام سابق في حريضة وأحد نشطاء الحراك في وادي العين.
وكان الحوار معهم يدور حول كيفية معالجة الهموم والمشاكل التي تعاني منها حضرموت وما تقدمه جبهة إنقاذ حضرموت في هذا السبيل. وقد وجدنا من هؤلاء الإخوة الكثير من التفهم والاحترام والقبول فيما طرحناه مع إبداء بعض الملاحظات منهم والتي كانت موضع اعتبار وتقدير من قبلنا.
العودة إلى المكلا:
قبيل صلاة عصر الاثنين السادس عشر من إبريل وبعد أن أمضينا قرابة الأسبوع في تجوال وترحال بين مدن وبلدات وقرى وادي حضرموت من أجل التعرف على نشاط وحركة المنتديات الثقافية فيها، وكذلك من أجل التعرف على مدى التجاوب لما طرحناه في جبهة إنقاذ حضرموت من ضرورة السعي الجاد من كل حضارمة الوطن والمهجر لجعل حضرموت في وضع أفضل وحياه كريمة وآمنة ومستقرة لشعبها الذي عانى طويلاً من الذل والشقاء والبؤس والحرمان كان لابد لنا من العودة إلى الموطن والذي هو نقطة صغيرة جداً في وطن أكبر هي حضرموت الغالية علينا جميعاً، فانطلقنا صوب المكلا وقد غمرتنا أحاسيس ومشاعر فياضة وطيبة بما انجزناه وحققناه، وهو أن لم يكن في مستوى الكمال والإنجاز التام، إلا أنه خطوة مبشرة بنجاحات قادمة بإذن الله تعالى، وحيث أننا وجدنا تجاوباً طيباً مع كل الذين قابلناهم، ولم نجد صداً أو صداماً أو عنتاً أو رفضاً، وهو ما يؤكد أن محبة حضرموت والاعتزاز بها والسعي الصادق لتقديم الخير لها هو حقاً ما يوحد الحضارمة، مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم واجتهاداتهم فكلنا حضارمة بلا شك ونسعى من أجل الخير لحضرموت العزيزة.
ومن أعلى نقطة في عقبة عبد الله غريب وشمس الأصيل تميل إلى الغروب ترآت أمامنا من بعيد المياه الزرقاء لساحل البحر الحضرمي، وهبت علينا نسائم بحرنا الندية والمنعشة وتسربت إلى خياشيمنا بل وتوغلت إلى كل خلايانا وغمرت نفوسنا وعقولنا وأفئدتنا. ومؤكدة أن هذا الهواء الحضرمي الذي نستنشقه والقادم عبر الشطآن والوديان والصحاري والقفار والجبال هو الذي يجمعنا بل ويصهرنا جميعاً في بوتقة واحدة أسمها حضرموت والتي أراد لها الله عز وجل أن تبقى خالدة في أسمها ورسمها خلود الأرض ومن عليها وإلى قيام الساعة بإذنه تعالى.

المكلا - حي السلام
في 5 مايو 2012م
dr.abdullah-bahaj@hotmail.com

 

عدد القراءات : 9121
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
ابوهاشم بن الشيخ ابوبكر
حاولت حسب الجهدولضيق الوقت لم اكمل ولكنني تصفحت بعجاله وملاحظتي انكم وللاسف اخترتم شرائح معينة من ابناء منطقة حضرموت الداخل وانتم من المفكرون المقربون للم الصف فمن الاحرى بكم ان يكون اللقاء مع كافة ..