احدث الاخبار

هلال الأشول: "أملي كبير في أبناء الوطن العربي وفي المستقبل"

هلال الأشول:
اخبار السعيدة - لوزان- بقلم - عبد الحفيظ العبدلي         التاريخ : 09-03-2009

عندما تغادر مكتب الدكتور هلال الأشول، يتملكك إحساس بأنك كنت في حضرة شخصية تتميز بحماسة الشباب المتوقدة، والهوية المتوثبة، والتواضع الإنساني المتناهي، من دون أن ينقص ذلك شيئا من خبرته العلمية الرفيعة ومعرفته الدقيقة بمجال اختصاصه.
ورغم أن تجربة هلال الأشول في بدايتها، كما يقول، لا تختلف في شيء عن واقع شباب عربي كثيرين هاجروا إلى أمريكا وبلدان أوروبية، إلا أنه كان من بين القليلين الذين راهنوا على العلم والمعرفة، وفهموا أن النجاح يكمن في منطقة وسطى ما بين استثمار الفرص الممكنة، وأحكام القدر المنزلة.

وينسب هذا العالم في مجال الكيمياء الحيوية أسباب النجاح من جهة إلى حظ كل فرد في هذه الحياة من الإرادة والعزيمة، ومن جهة ثانية إلى ما يوفّره القدر من فرص، ويضيف: "يمر الإنسان في حياته على مفترق طرق، لايدري أي طريق يسلك، لكن علينا أن نتذكّر دائما من أين ابتدأنا، وإلى أين وصلنا".

ولفهم سر نجاح هذا العالم اليمني الشاب، وتتبع تفاصيل رحلته الطويلة من ثانوية بمدينة تعز اليمنية إلى أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية "علينا العودة إلى البداية"، كما يقول هو نفسه.

عائلة متواضعة وغير متعلمة
من حسن طالع الدكتور الأشول أنه نشأ في عائلة عرفت طريق الهجرة إلى البلدان المتقدمة مبكرا، فجده هاجر إلى بلاد العم سام سنة 1934، والتحق به والده سنة 1956، لكن نقص التعليم والارتباط القوي بالوطن، جعلا أفراد هذه الأسرة وعائلات يمنية كثيرة تظل جاليات رحالة غير مستقرة. ونظرا لتردي مستوى التعليم في العقود الماضية في اليمن السعيد، أجبر الأولاد على الرحيل أملا في الاستفادة والعودة إلى الوطن للإفادة. فالعقلية العربية محكومة إلى حد كبير بالرؤية الأفلاطونية القائلة "نذهب لنعود محملين بأنوار المعرفة لإنقاذ الآخرين من عتمة الجهل".

وعن هذا يقول الدكتور هلال: "منذ البداية كان الحافز لتعلمنا كيف نحصل على شهادات علمية وكيف نصل إلى مرحلة نقدر فيها على التأثير في المجتمع بشكل إيجابي، وهذا الإحساس يزيد ويتضاعف كلما زادت إمكانياتنا على فعل ذلك".

وعن نفسه يقول: "لم تكن المادة هدفا في حد ذاتها، ومنذ فترة غير قصيرة، أصبح الهاجس كيف أصل إلى التأثير على المحيط من حولي، وطبيعة الخدمة التي أقدمها للمجتمع". هذا على المستوى المجتمعي، وأما على المستوى الأكاديمي، يقول: "أشعر بأن لدينا القدرة على تغيير حياة الناس باستمرار، وذلك بمنحهم الفرصة في التمتع بحياة أفضل من خلال الأبحاث التي نقوم بها وفي مساعدة المجتمعات المحتاجة، وذلك إلى جانب وضع الاكتشافات والاختراعات".

« ما ينقصنا قيادة حكيمة ذات رؤية وخبرة »

الدكتور هلال الأشول رحلة التفوق العلمي
غادر الدكتور الأشول مدرسة الفاروق الثانوية بمدينة تعز، في سن الخامسة عشرة للإلتحاق بجامعة نيويورك سيتي، وحصل على الباكلوريوس مع مرتبة الشرف، نال سنة 1999 شهادة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية. وأهله هذا التفوق العلمي القياسي للعمل بداية من سنة 2000 بمركز الابحاث الطبية بنيويورك ضمن برنامج يعنى بالبحث عن أدوية لعلاج أمراض الشيخوخة كمرض بركنسون أو ما يسمى ايضا بشلل الرعاش، ومرض ألزهايمر Al-zheimer ، وبعد فترة غير طويلة انتقل إلى جامعة "هارفارد"، وهي من أكبر جامعات العالم وأشهرها، حيث عمل باحثا في مجال علم الأعصاب.

وحتى هذا اليوم نشر هذا العالم اليمني أزيد من 50 بحثا في اختصاصات علمية دقيقة تتعلق بتحليل جزيئات البروتينات، وطرق تشكلها، وعلاقة ذلك بالعديد من أمراض الشيخوخة، والأمراض العصبية. ويذكر أن هذا المجال بالذات يوجد اليوم في مدار اهتمام أغلب مراكز البحث العلمي، فمعدل العمر في البلدان الصناعية اليوم يتراوح بين 75 سنة و85 سنة، وبسبب ذلك تحولت أمراض الشيخوخة إلى عبء اقتصادي كبير، واستنادا إلى الدكتور الأشول: "تصل التكلفة السنوية لعلاج مرض ألزهايمر في الولايات المتحدة الأمريكية فقط إلى 100 مليار دولار مثلا".

واليوم يتركز الجهد العلمي لهذا الخبير في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان على "معرفة أسباب أمراض الشيخوخة، وعلى فهم اسباب ترسب البروتينات في الدماغ، وما يعود منها إلى عنصر وراثي، وإلى ابتكار وسائل لمتابعة وعلاج هذه الأمراض".

البحث عن آفاق أرحب
رغم هذا النجاح والتميّز، فضّل الدكتور الأشول في النهاية الالتحاق سنة 2005 بالمعهد الفدرالي التقني العالي بلوزان، ومن الواضح أن لهذه النقلة أسباب موضوعية وأخرى ذاتية وشخصية.

وجاء السفر إلى سويسرا على إثر مشاركته في مؤتمر علمي بفيربيي بكانتون فالي، وقد رافقته في تلك الرحلة عائلته، حيث أعجبوا بطبيعة سويسرا الخلابة وبنمط العيش فيها، ورغبوا في القدوم للعيش في هذا البلد الذي يتوسط القارة الأوروبية. وإثر ذلك جاء عرض العمل الذي وجهه إليه رئيس المعهد التقني الفدرالي العالي الذي صادف أن تعرّف إليه الدكتور هلال خلال ذلك المؤتمر العلمي. وساهمت هذه العوامل مجتمعة في ترجيح الإختيار للعمل في سويسرا، على الرغم من أن السيد الأشول كانت أمامه خمسة عروض اخرى للعمل في الولايات المتحدة.

ومن الأكيد أن القرار كان مدروسا جدا على المستوى العلمي، إذ يؤكد الدكتور الأشول أن "المناخ العلمي في سويسرا اليوم هو من أفضل ما هو متوفر على الساحة الدولية، وذلك لأسباب عديدة منها المستوى الراقي للأبحاث في سويسرا، والرعاية والدعم المادي القوي للمعاهد التقنية العليا، والحيوية والمرونة في الإدارة السويسرية، والتركيز على دور علوم التكنولوجيا والهندسة في الأبحاث الطبية في المعاهد السويسرية".

هذه الظروف الجيدة توفر فعلا للباحث الجاد فرص إثبات تميّزه وتحقيق مقاصده القصوى في مجال الاكتشاف والاختراع، لكن هذا الأخذ بالأسباب لا يبدو كافيا بالنسبة للدكتور الأشول: "فالإنسان مُسيّر، ولم أتصور يوما أن آتي للعيش بأوروبا"، على حد تعبيره.

« لن يساهم في بناء الأوطان من يفتقد إلى الشعور بالإستقرار ومن لا يحس بالإنتماء والولاء »

الدكتور هلال الأشول التغيير لا يأتي فجأة..
رغم انشغاله بأبحاث علمية دقيقة في مجال الجزيئات، لم يغض الدكتور الأشول الطرف عن القضايا الكبرى التي تشغل المجتمعات العربية وهموم البحث العلمي فيها. ويتجلى هذا على عدة مستويات.

فمنذ أربع سنوات، يتعاون الدكتور الأشول مع عدة مؤسسات في الشرق الأوسط لتطوير البحث العلمي فيها، وعمل هو وعدة علماء عرب بالمهجر كمستشارين علميين لدى مؤسسة قطر للتنمية الإجتماعية والعلمية بهدف "وضع إستراتيجية للبحث العلمي في قطر، واستقطاب العلماء العرب للعودة إلى العمل فيها".

وتنبع أهمية طرح هذا الموضوع الآن حسب الدكتور الأشول من أن "أعداد العلماء العرب المرموقين في كل المجالات كبير جدا، وحققوا إنجازات عظيمة"، لكنه يستدرك في حسرة قائلا: "المشكلة تكمن الآن في إقناع ولاة الأمور بهذه الحقيقة، لان البعض مازال يعاني من مركبات النقص، ويعطي الثقة للأجنبي على حساب ابن المنطقة حتى ولو كان أكثر كفاءة".

كما يعمل الدكتور الأشول مستشارا لدى المنتدى الاقتصادي العالمي (الذي يعقد مؤتمرا سنويا في دافوس شرق سويسرا) منذ سبعة أشهر، ويعمل على توجيه تفكير أصحاب القرار إلى "أهمية البحث العلمي كحل مستدام لتحقيق تقدم واستقرار المنطقة على جميع المستويات".

ومن بين القضايا التي تحظى بالأولوية لديه "العمل على انبثاق إستراتيجية عربية موحدة وشاملة للبحث العلمي يتم من خلالها الاستفادة من الإمكانات المادية الهائلة في منطقة الخليج العربي، والإمكانات البشرية المتميّزة في بلدان شمال إفريقيا ومصر ولبنان واليمن".

وبالنسبة لقضايا التغيير في العالم العربي، يرى الدكتور الأشول أنه "من الصعب أن يأتي التغيير فجأة، ومن الأفضل أن نسعى إلى تكوين مؤسسات نموذجية، تبعث الأمل، وتُذهب الخوف والتوجسات التي تحمل البعض على إحباط أي تغيير يطرأ في الأفق، وعلى كل شخص منا ان يتحمّل المسؤولية ويعمل ما بوسعه لتغيير الواقع العربي نحو الأفضل، وألا ينتظر أن يأتي له التغيير".

 

 

* نقلا عن سويس انفو


عدد القراءات : 5806
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات