احدث الاخبار

مؤتمر فتح السادس: الخروج من "الأزمة" أم تجذيرها؟

مؤتمر فتح السادس: الخروج من
اخبار السعيدة - رام الله         التاريخ : 30-07-2009

فجّر فاروق القدومي، أمين سِـر حركة فتح، المقيم في العاصمة السورية دِمشق، في الأيام الأخيرة، قنبلة كبيرة عشِـية مؤتمر الحركة الذي يجري الإعداد له وتتِـم تحضيراته على قَـدم وساق، إذ مِـن المتوقّـع انعقاده مطلع شهر أغسطس القادم، بحضور قُـرابة 1550 من كوادِر الحركة يقيمون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.


وبالرّغم أنّ القدومي، الذي زعَـم أنه يملِـك "وثيقة" تؤكِّـد تورّط كلٍّ من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأحد أبرز قادة الحركة محمد دحلان باغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، هو أحد القيادات التاريخية المؤسسة في حركة فتح، إلاّ أنّ هنالك أصوات متعدِّدة داخل الحركة تشكِّـك في قوّة الانفجار، الذي يمكِـن أن تُـحدِثه القنبلة في أوساط الحركة، وترى أنّ الأثَـر الأكبر لها هو ذات طابع إعلامي فقط.

وتشير د. نادية سعد الدين، المحلِّـلة السياسية المتخصِّـصة بالشأن الفلسطيني أنّه بالرّغم من الوزْن الرّمزي للقدّومي، إلاّ أنّ هنالك تياراً مُـضادّاً يرى في الوثيقة مُـحاولة للتأثير على المؤتمر، الذي تَـقرّر عقده في مدينة بيت لحم (في الضفة الغربية)، بعد أن اعتذرت كلٌّ من القاهرة وعمّـان عن استِـضافته، إذ يمنح مكان المؤتمر الرئيس الفلسطيني عباس وحلفاءه ورقة قوّة في مواجهة مجموعة القدّومي، الذي لن يتمكّـن من حضور المؤتمر داخل الأراضي المحتلة.

مراكِـز القِـوى داخل الحركة عشية المؤتمر
مؤتمر فتح من المقرّر أن يُـعقد قريباً، بعد أن تأجّـل لعدّة سنوات، وبعد عشرين عاماً من الغياب، يمثل ميزاناً تقريبياً لخريطة القِـوى والنفوذ داخل الحركة، بعد التحوّلات التي مرّت بها خلال السنوات الماضية، في ظلّ وجود سلطة فلسطينية اندمجت بها الحركة وتماهت معها سياسياً.

لا يوجد اتِّـفاق كامل بين المُـراقبين على طبيعة تحديد مراكز القِـوى الأكبر داخل الحركة، إذ تضع د. نادية سعد الدين مِـعياريْـن: الأول، الصِّـراع بين فتح الداخل والخارج، والثاني، صراع الأجيال داخل الحركة نفسها.

فعلى صعيد العلاقة بين الدّاخل والخارج، يقود القدّومي الاتِّـجاه خارج الأراضي المحتلّة، والذي بقي طَـيف واسع منه على موقف رافِـض لاتفاقية أوسلو ولسياسات السلطة، ومحيّـر بين تبنِّـي الخيار السِّـلمي والمقاومة، حتى ولو بصورتها السلمية.

في المقابل، تمتلِـك فتح الدّاخل نفوذاً تنظيمياً واسعاً، وبِـيدها أدوات السلطة والثروة، لكنها أيضاً ممزّقة بين لوبيات ومجموعات تختلِـف في قراءة المشهد من ناحية، وفي تحديد طبيعة القيادة والعلاقة بين الحركة والسلطة من ناحية أخرى.

من جهته، يرى د. أحمد جميل عزم، الباحث المطّـلع على الشؤون الفلسطينية، أنّ نفوذ القدومي داخل الحركة أضعف بكثير من الصورة الإعلامية ولا يمثل موقِـع قوّة مهين نافذ يمكن أن يؤثر بصورة واضحة على مخرجات مؤتمر الحركة المفترض.

ويرى عزم،  أنّ الصِّـراع الأكبر والأهمّ، هو بين أجيال الحركة، وتحديداً بين الجيل الثاني (الشيوخ والقيادات التاريخية)، ويمثله شخصيات كـ : محمود عباس ومحمد غنيم وغيرهم، وبين الجيل الثالث، الذي تبرز فيه شخصية مروان البرغوثي، أحد القيادات الحركية الشابة في الحركة، والمسجون منذ سنوات لدى الجانب الإسرائيلي، وكذلك هنالك بروز للجيل الرابع في الحركة.

وتبدو الفرصة سانحة اليوم لجيل الشباب ليجِـد موضع قَـدَم له في الأطُـر القيادية في الحركة، التي سيتِـم فرزها وانتخابها في هذا المؤتمر. وأبرز هذه الأطر، هي اللجنة المركزية في الحركة والمجلس الثوري.

المفارقة اللاّفتة أنّه، بالرغم من كل (الكولسات)، على حدِّ تعبير أحمد عزم، التي تجري، فإنّه من الصعوبة بمكان تقديم توقّـعات دقيقة لمخرجات المؤتمر، في حال تمّ عقده كما هو مقرر، إذ تبدو الاحتمالات مفتوحة بين قُـدرة جيل "الشيوخ" والقيادات الحالية في تأكيد سيطرتها على الحركة وبين تمكّـن الجيل الجديد من إحداث تغييرات بنيوية ونوعية على طبيعة القيادة الحالية للحركة.

السّـبب في حالة التشظي وعدم بُـروز تيارات كبرى واتِّـجاهات واضحة داخل الحركة، يعود وفقاً لأحمد عزم، إلى السياسات التي اتَّـبعها الرئيس الراحل عرفات في تقسيم خلايا الحركة في الضفة إلى مجموعات صغيرة وربط رُؤوس هذه المجموعات به من خلال أدوات المنح والعطاء والحجب وغيرها.

وتُـضيف بعض كوادِر الحركة أسباباً أخرى، تتمثل بضعف الحركة في السنوات الأخيرة، مقابل قوة بنية السلطة السياسية الفلسطينية، التي استوعبت الزّخم السياسي، فيما تبدو حالة فتح داخلياً هشّة، تنظيمياً، ومتفككة في ولائها بين القيادات السياسية للحركة.

 في مخرجات المؤتمر: سؤال البرنامج والقيادة
في حال انعقد المؤتمر، إذ ما يزال البعض يتخوّف من عدم انعقاده، فإنّ كلاًّ من د. نادية سعد الدين ود. أحمد عزم لا يتوقّـعان انتهاء الخلافات التنظيمية والشخصية بين أقطاب الحركة، بل ربما تؤدّي تصريحات القدّومي والصِّـراعات خلف الكواليس بين الأقطاب، إلى تجذير الخلافات وتطوير الأزمة الحالية التي تشهدها الحركة.

المحلل السياسي والكاتب عريب الرنتاوي، يرى أنّ "محاولات تجديد الدِّماء في الحركة وإنتاج جسم جديد قادر على حمل برنامج سياسي، مُـقنع، يستعيد تجارب الانشِـقاق السابقة لن تجدي".

على صعيد القيادات الحالية، فإنّ التحالف الأكبر حالياً هو بين الرئيس عباس ومحمد دحلان، ولا تتوقع كوادر من حركة فتح في تصريحات خاصة بسويس انفو، أن يؤثِّـر كثيراً منع حكومة حماس لأفراد حركة فتح من مغادرة قطاع غزة والمشاركة في المؤتمر على حجم نفوذ محمد دحلان في المؤتمر، لأن العديد من المحسوبين عليه في فتح، قد غادروا معه إلى الضفة الغربية بعد وقوع القطاع بيد حماس.

وبالرغم من القوة التنظيمية التي ما يزال يحظى بها الرئيس عباس، فإنّ هنالك توافُـق بين جيل الشباب على تنصيب مروان البرغوثي، الذي أعلن من السجن ترشيح نفسه لعضوية اللجنة المركزية، قائداً ورقماً صعباً في الحركة، يمثل الجيل الجديد وتمهّـد الطريق له للعب دور سياسي أكبر، في حال خرج من السجن لاحقاً، ويتوقّـع أن يدخل معه إلى الأطر القيادية مجموعة أخرى من جيل الشباب في الحركة.

في المقابل، لا يبدو البرنامج السياسي من القضايا الخلافية الرئيسية، على الأقلّ في الخطوط العامة لمسار الحركة السياسي، إذ تقول بعض الكوادر في الحركة إنّ البرنامج تقريباً أصبح مُـعدّاً وستتم الموافقة على القضايا الرئيسية فيه، بالرّغم من النِّـقاش المتوقّـع أن يندلع أثناء انعقاد المؤتمر حول بعض البنود.

ومن المتوقّـع أيضا أن يحافظ البرنامج السياسي على الخطّ العام لمسار الحركة في تبنّـي العملية السِّـلمية وتعزيز دور السلطة الفلسطينية وتحديد صيغة الحوار المطلوب مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية.

مستقبل فتح والعلاقة مع السلطة الفلسطينية
بعيداً عن مخرجات المؤتمر وحيثِـياته، فإنّ النتيجة الواقعية، وفقاً لمراقبين، لن تؤدّي إلى تغييرات كبيرة على أرض الواقع بقدر ما ترتبط بحسابات القوة والنفوذ داخل الحركة نفسها.

وترى كوادر في الحركة أنّ السلطة الفلسطينية اليوم هي التي باتت تمتلِـك الأوراق السياسية وتستقل وتنفصل شيئاً فشيئاً عن حسابات حركة فتح واعتباراتها الداخلية. ومع أن رئيس الوزراء الحالي سلاّم فيّـاض، وهو مُـستقل لا ينتمي إلى فتح، يُواجَه باعتراض من قِـبل أقطاب في الحركة، إلاّ أنه بات يتمتّـع بتأييد شعبي وقَـبول من نُـخبة واسعة من أبناء الحركة الذين يشهدون بقُـدرته على العمل المِـهني والحدّ من الفساد وتقوية مؤسسات السلطة وإبعادها عن شللية الحركة وحسابات أقطابها الشخصية.

قوّة السلطة ونمو نفوذها باستقلال عن حركة فتح يمتدّ بصورة أكثر وضوحاً وقوّة إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي يتولى تدريبها الجنرال الأمريكي دايتون، وقد تخرّجت أفواج كبيرة منها في معسكرات تدريب قامت في الأردن. وتقوم القوى الأمنية الجديدة، وهي دون الجيش وأكبر من مفهوم الشرطة، على عقيدة سياسية مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة، جوهرها الاستقلال عن الفصائل والأحزاب الفلسطينية والعمل المِـهني المستقل، المنتسب فقط إلى السلطة الفلسطينية.

العقيدة الجديدة، كما يوضِّـحها أحد مساعدي الجنرال بترايوس، قائد المنطقة العسكرية الوسطى  تقوم على أنّ دور هذه القوى هو، حَـصرياً، حِـفظ الأمن الداخلي الفلسطيني في مواجهة العصابات المسلحة أو التنظيمات التي تهدّد الأمن أو تُـخِـلّ به، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، التنسيق مع إسرائيل على اعتقال وضبط المطلوبين الفلسطينيين لقوات الإحتلال، وهو ما حدث عملياً في مواجهات بلدة قلقيلية بين الشرطة وأفراد من حركة حماس، وأدّى إلى قتل عدد منهم.

بالرّغم من هذا التحوّل الجذري في عقيدة الأمن الفلسطيني من مفهوم حركة التحرر الوطني إلى موظفين يعملون في سلطة سياسية، غير مسموح لهم حتى مواجهة أي توغّـل عسكري إسرائيلي، إلاّ أنّ هنالك نِـسبة كبيرة من المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية تُـبدي ارتياحاً للتحسّـن الأمني الملحوظ خلال الفترة الأخيرة وللقَـدْر الكبير من المِـهنية والانضباط الذي يُـبديه الأمن الفلسطيني اليوم، مقارنة بالفوضى الأمنية السابقة.

في المحصِّـلة، تبدو السلطة الفلسطينية اليوم أكثر تماسُـكاً وقوّة وقُـدرة على إدارة السياسات والتّـوازنات على أرض الواقع، مقابل حركة فتح التي تُـعاني حالة من الشيخوخة والترهّـل وهشاشة البنية التنظيمية، لكنها تبقى ضرورية في سياق التعبئة الشعبية والسياسية وفي المواجهة الداخلية مع حركة حماس، وتبقى حزب السلطة بالرّغم من ابتعاد السلطة تدريجياً عنها!

 

المصدر : سويس انفو
عدد القراءات : 4146
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
ابو ياسر
هذا الموضوع اصبح يعرفه كل الناس ولكن الغريب استمرار الدعم اليهودي والعربي والاوربي والامريكي لمحمود عباس مـيرزا وحكومتهم المذبوحة من الوريد للوريد((كما يقول عباس عن نفسه)مع وزير خارجيةقطر