احدث الاخبار

من كتابات الفيلسوف الصيني الكونفوشي (هسون تزو)

من كتابات الفيلسوف الصيني الكونفوشي (هسون تزو)
اخبار السعيدة - ترجمه - أحمد صالح الفقية         التاريخ : 17-03-2011

يسود النظام التام عمل السماء. والسماء لا تحسن إلى الناس بسبب جهود ملك حكيم مثل (يو) ولا تسيء إليهم بسبب طاغية مثل (جي). فإذا استجبنا للسماء بإيجاد إدارة (حكومة) جيدة فإن بركاتها ستحل علينا.أما إذا استجبنا لها بسوء الإدارة فستحل بنا الكوارث.

إذا تم تنمية الموارد واستهلاكها بحكمة فإن السماء لن تصيب البلاد بالفقر، وإذا تم توفير مقومات الحياة للجماهير واستخدمت قدرات الشعب في عمل يتجاوب مع فصول السنة فإن السماء لن تتسبب في شقاء الناس.

 فإذا كانت الأمور هكذا فلا الفيضان ولا الجفاف قادران على أن يسببا المجاعة، ولن يكون البرد القارس أو الحر الخانق سبباً للمرض ولن تتمكن الأشباح والعوامل الغامضة من جلب الكوارث.

أما إذا تم تجاهل توفير مقومات الحياة للشعب وبدلاً من ذلك تم استعمالها في البذخ والملذات فإن السماء لن توفر للبلاد الغنى.

وإذا كان الشعب يستهلك أكثر مما ينتج، وإذا تم استنزاف طاقات الناس فيما لا طائل وراءه فإن السماء لن تجلب لهم الصحة والعافية.

إذا تنكب الناس الجادة وانحرفوا عن الطريق فإن السماء لن تنزل عليهم بركاتها، وفي مثل هذه الظروف فإن المجاعة تحل حتى بدون جفاف ولا فيضان .

وحتى ولو اعتدل الجو فلم يكن ثمة برد قارس ولا حرخانق فسيحل الضيق.وحتى إن لم تظهر الأشباح والعفاريت فإن الكوارث ستحل. فتلك سنن السماء.

الرخاء والاستجابة بالعمل للفصول المتغيرة، يسيران يداً بيد أما الكوارث والنعم فإنهما لا يجتمعان.

فلا جدوى من لوم السماء، إذ أن الأمور تتم هكذا، وذلك هو الطريق. ولذلك فإن من يعرف حقيقة دور السماء والبشر هو الذي يمكن تسميته بالحكيم العظيم.

***

الإنجاز بلا تعب والكسب بلا مجهود ثمرة الحكمة وهما سنن السماء. ولذلك فمهما كان عمق حكمة الحكيم فإنه لن يناقش طرائق السماء. ومهما كانت عظمته فلن يحاول تقويمها والحكم عليها، وحتى لو كانت في متناوله فإنه لن يحاول استكناه حقيقتها. ذلك هو ما يسمى بـ(الامتناع عن تحدي السماء).

للسماء فصولها وللأرض مواردها وللإنسان إدارته. هكذا يستطيع الإنسان أن يوجد التناغم في هذا الثلاثي، وعندئذ يستطيع أن يضع ثقته في السماء والأرض.

أما إذا أهمل الإنسان الجزء الخاص به في هذه الثلاثية فإنه يقترف خطأ شنيعاً.

***

النجوم الثابتة لها دوراتها؛ والشمس والقمر يتناوبان الإشراق، والفصول الأربعة يتبع أحدها الآخر؛ و(اليان) و(اليانج) يواصلان صيرورتها العظيمة، والريح والمطر يؤثران في كل شيء؛ وكل شيء يتناول ما يصلح له وبذلك ينضج.

نحن لا نرى أسباب الحوادث ولكن نرى آثارها ونسميها (كفاءة الروح).

نحن جميعاً ندرك النتائج المتحققة ولكنا نجهل مصدرها الحقيقي ونسميه (عمل السماء).

الحكيم فقط هو الذي لا يتنطع إلى السماء ليكتشف السر.

***

السماء لن تنهي الشتاء لأن البشر يكرهونه، والأرض لن تزوي امتدادها لأن البشر يكرهون المسافات الطويلة. ولن يغير الرجل الراقي (المثقف) سلوكه لأن سوقياً يثير ضجة ما. فالمثقف يسلك وفق مبدأ لا يحيد عنه،أما السوقي فإنه يسعى لتحقيق رغباته أياً كانت الوسيلة.

جاء ذلك في كتاب النقائض.

***

إذا التزم المرء الرصانة والصواب في أفعاله

ولم يحد عنهما

فلم يخشى ما يقوله عنه الآخرون؟

وهذا يفسر ما أعنيه.

***

كان لملك (شو) ألف عربة في موكبه – ولم يكن ذلك دليلاً على حكمته – والمثقف قد يأكل ويشرب في غير مواعيد الطعام وليس في ذلك ما يدل على أنه أحمق.

الأمر ببساطة أن تلك الأفعال تناسب الظروف. على من يريد أن يصلح نفسه وأن يرتقي بأخلاقه أن يسعى لتبين حقيقة هذه المعرفة وتلك الحكمه بوضوح وجلاء؛ ذلك أن بوسعه وهو يعيش في هذا العصر أن يتفوق على أسلافه.

الرجل المثقف يحرص على تطوير قدراته وإمكانياته. ولا ينتظر ما يأتي من السماء.

ولأن المثقف يحرص على تطوير إمكاناته ولا يقضي وقته في انتظار السماء فإنه يتحسن كل يوم ويرتقي أكثر.

ولأن الجاهل يتجاهل إمكانياته ويهملها وينتظر ما يأتيه من السماء فإنه يتدهور كل يوم.

وهكذا نرى أن ما يرتقي به المثقف ويتدهور به الجاهل شيء واحد.

وهذا أيضاً هو ما يميز المثقف عن الجاهل.

***

شؤم البشر مخيف أكثر من كل الكوارث والظواهر الطبيعية، وذلك عندما لا يحرصون على عدم إيذاء النباتات وهم يخدون السواقي، وعندما لا يحرص الحاكم على سلامة إدارته للأمور فيخسر ولاء الشعب، وعندما لا يتم الاعتناء بالحقول فيضعف المحصول، وعندما لا يتم ضبط الأسعار فتتصاعد.. هذا ما أعنيه بشؤم البشر.

عندما لا تكون قوانين الحكومة وأحكامها واضحة وعادله؛ عندما تكون قرارات الحكومة غير ملائمة ولا تناسب الظروف، وعندما لا تؤدي الواجبات الأساسية.. ذلك ما أسميه شؤم البشر.

عندما تهمل معايير الرزانة والصواب فلا يتم الفصل بين من في الخدور وخارجها، يتحول الرجال والنساء إلى الدعارة، وتنعدم الثقة بين الآباء والأبناء، وتفقد وحدة الأهداف بين الحاكم والمحكوم، عندئذ، يأتي الغزو الأجنبي وتحل الكوارث.

هذا ما أعنيه بشؤم البشر.

***

عندما يستسقي الناس المطر بالصلاة، ماذا في ذلك؟

أقول: لاشيء. الأمر بالضبط كما لو أنهم لم يستسقوا المطر بالصلاة. فهي ستمطرعتى أي حال.

عندما يحاول الناس إنقاذ الشمس أو القمر من الابتلاع (عند الكسوف والخسوف)، أو عندما يصلون لكي تهطل الأمطار أيام الجفاف، أو عندما يؤدون طقوساً خاصة قبل القيام بأمر هام. فهم لا يفعلون ذلك لأنهم يظنون حقاً أن ذلك سيحقق لهم ما يرغبون فيه. ولكنهم يفعلونه لإضفاء لمسة من القداسة على أمور حياتهم. ولذلك فإن المثقف ينظر إلى هذه العادات على أنها طقوس وعادات. أما العامي فإنه يعتقد في الخوارق.

ولا بأس على من يعتبرها طقوساً

ولا بأس على من يظنها خوارق.

***

إنك تقدس السماء وتتأمل فيها

فلم لا تتناغم معها فتستفيد

***

تنتظر فصول السنة وتتمنى الأماني

لم لا تعتبر ظروفها المتغيرة فرصاً تنتفع منها

***

تعتمد على ما يتكاثر طبيعياً

لم لا توظف قدراتك وتضاعف تكاثره

***

أنت تخمن طبيعة الأشياء

لم لا تسيطر عليها فلا تفقدها

***

تعجب كثيراً بما يولد ويبزغ

لم لا تعينه على الاكتمال

***

ولذلك أقول أن إهمال الجهد البشري وقضاء الوقت في تخمين ما في السماء

يعمي الإنسان عن الطبيعة الحقة لكل شيء.

***

الإنسان كائن شرير الطبع، والطيبة والخير فيه مكتسبان.

فأولاً: أياً تكن طبيعة الإنسان، فإنه يولد وفيه نهم للمكسب فإذا اتبع هذه الرغبة تولد فيه العنف والعداء واختفى اللطف والمجاملة.

ثانياً: يولد الإنسان مع الغيرة والحقد. فإذا تركا ليصبحا له طبعين فإن القسوة والإيذاء يسودان ويختفي الإخلاص والوفاء.

ثالثاً: يولد الإنسان بشهوات السمع والبصر، وحب الأصوات والصور الجميلة. فإذا رضخ لهما سادت التجاوزات والفوضى واختفى الوقار والصواب.

وعليه فإن إطلاق العنان لنوازع الإنسان الأصلية وغرائزه وعواطفه سيقود بكل تأكيد إلى العنف والفوضى، وسينحدر بالإنسان إلى هوة البربرية. ولذلك فإنه لا يمكن أن يسود اللطف وأن تراعى القواعد وأن يعم النظام إلا تحت تأثير المعلمين وقوانين الرزانة والصواب.  فالإنسان شرير بطبعه والطيبة مكتسبة.

خشب الشجرة المعوجة يحتاج إلى التليين بالبخار وإلى التقويم بأدوات النجار، وعندئذ يصبح مستقيماً.

المعدن المثلوم يحتاج إلى الطرق والجلخ. عندها فقط يصبح حاداً وفيما يتعلق بالإنسان فإن طبيعته الأصلية شريرة ولذلك وجب أن يعهد به إلى المعلمين وأن يلزم بقوانين الوقار والصواب حتى يتثقف.

ومن جهة أخرى فإن الناس إذا افتقروا إلى المعلمين والقوانين يصبحون متعصبين وظلمة. وإذا افتقروا إلى الرزانة والصواب يصبحون متمردين وفوضويين.

ومنذ القدم أدرك الملوك الحكماء أن طبيعة الإنسان الشر، وأنه لذلك متعصب وظالم ومتمرد وفوضوي، لذلك وضعوا قوانين الوقار والصواب، وأقاموا الأنظمة والسلطات لتقويم طبيعة الإنسان وحتى يمكن تغيير طبيعته المعوجة وجعلها أكثر استقامة.

ولذلك كان على الناس أن يلتزموا بقواعد السلوك وأن يسلكوا الطريق القديم.

وفي أيامنا هذه فإن أولئك الذين تأثروا بالمعلمين والقوانين وتراكمت لديهم المعارف والثقافة، والذين يراعون في سلوكهم الوقار والصواب هم المثقفون.

أما أولئك الذين يطلقون العنان لطبيعتهم الأصلية والذين ينغمسون في شهواتهم فإنهم السوقة والمنحطون.

ومن هذا كله يتبين أن الإنسان شرير بطبعه وأن الطيبة مكتسبة.

عدد القراءات : 9318
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات